مدحت بشاي
medhatbe@gmail.com
لعل المتابع لأحداث انتخابات حزب المصريين الأحرار ، وحالة المواطن نجيب ساويرس وكأننا بصدد طفل فرح باحتفالية وطنية ديمقراطية لحزب عتيد ولد قوياً على يديه في محاولة لتقديم نموذج لمقاومة بشاعات أزمنة رديئة البقاء والوجود لأراجوزات العمل السياسي ..
كان منع رجلى الأعمال أنسى ساويرس وناصف ساويرس من السفر والتعقب عند الوصول لمصر، لوناً من ألوان الانتقام السياسى ليس له علاقة بالاقتصاد، كما يتبين لرجل الشارع العادى.ولعل شكل التعامل مع شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة التى يرأسها أنسى ساويرس ويشغل منصب المدير التنفيذى لها نجله ناصف، تدل على أن هناك تفرقة فى التعامل بين رجال الأعمال القريبين والبعيدين عن السلطة الحاكمة، قائلا،" ده لو مكنش ساويرس كان النائب العام أتحرك وأصدر قرار بهذه السرعة".
وسأل الناس ،" إذا كانت الدولة عايزة استثمار محلى وتشجع الاستثمار الأجنبى أما كان ينبغي أن تتعامل بقدر من المساواة والشفافية بين المستثمرين، نحن نريد دولة قانون ودستور وتطبيق معايير على المواطنين ككل دون تفرقة بأى شكل من الأشكال".
يذكر رجال الاقتصاد أن صفقة بيع شركة أوراسكوم بيلدنج إلى شركة لافارج الفرنسية، كانت أكبر صفقة تمت فى هذا الوقت، علم عنها العالم كله وقدمت الشركة بعد إتمام الصفقة إقراراتها الضريبية لمصلحة الضرائب، ولم تقم مصلحة الضرائب بمطالبة الشركة بأى ضرائب على الأرباح المحققة من هذه الصفقة، متسائلا،" أكيد مصلحة الضرائب لم تكن غافلة".ولفت إلى أنه لم يكن يوجد وقتها قانوناً يفرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية، إلا أن الحكومة بعد ثورة 25 يناير، وضعت فى قانون الضرائب الجديد ضريبة قدرها 10% على الأرباح الرأسمالية، وهو أكبر دليل على أنه لم تكن هذه الضريبة مفروضة وقت إتمام الصفقة، مستنكراً تطبيق الضرائب بأثر رجعى لأنه غير معمول بهذا النظام فى أى دولة بالعالم.
لقد استنكر الدكتور رشاد عبده تغيير القوانين لمحاكمة رجال أعمال، رافضاً تصفية الحسابات مع عائلة "ساويرس" سياسيا، ووصف ما يحدث بأنه "تلاكيك"، وعلى الدولة أن تجلس مع المستثمر للتوصل لحل منطقى وليس تصعيد الأمر بهذا الشكل من باب الحرص على سمعة مصر حول العالم، موضحاً أن عائلة ساويرس ضمنت مصر عالمياً فى محاولة منها لجذب الاستثمارات الأجنبية، مشيراً إلى أن قوة ساويرس أفضل من قوة جهات دولية أخرى تفرض شروطاً على مصر مقابل أن تضمنها عالمياً.وطالب بوجود نوع من الحوار، ويجب ألا تتبع مؤسسات الدولة جانب الإجبار والإذلال مع
المستثمرين.واستطرد، كيف يمكن إصدار قرار بمنع أشخاص من السفر فى حين أنهم قد قاموا بالطعن على المطالبة الضريبية ولم يصدر أى حكم نهائى يضعهم فى وضع "المتهربين ضريبياً"، فكيف يعقل أن يتم منعهم من السفر؟ إذا لم يكونوا متهمين بأى تهمة أصلاً؟
ثم وبشكل مفاجئ ، نتابع قبول عائلة ساويرس المصالحة للعودة لأرض الوطن بتضحية مادية كبيرة ما كانوا مضطرين لها ، ويسأل الناس في الشارع المصري : هل هذا يأتي في إطار مسلسل الصفقات السّرية المشبوهه التى تعودناها من الجماعة على مدار تاريخهم.فلا أحد يعلم على وجه اليقين أىّ من تفاصيل الصفقه / الإبتزاز الذى مورس مع آل ساويرس, وكل شيئ يتم فى الخفاء ويمارس تحت الأرض وخارج إطار القانون كما تعودت الجماعة منذ نشأتها.
وفي مقال رائع للكاتب الرائع سليمان جودة بجريدة " المصري اليوم " بعنوان (جميعهم أحق بـ«التأبيدة»!) ، أستأذن كاتبنا والقارئ العزيز لعرض مقتطفات هامة منه ..
يقول جودة .. قالت «المصرى اليوم» فى صدر صفحتها الأولى، صباح أمس، إن حسين سالم عرض تسوية محددة على الدولة، يتنازل بموجبها عن نصف ثروته تقريباً، وإنه أمهل المسؤولين شهراً للرد!
ويبدو أن ما حدث مع أسرة ساويرس، قبل أيام، حين فوجئ الرأى العام بتسوية غير واضحة معها، سوف يتكرر مع «سالم» بشكل مختلف، بما نفهم منه أن الحكومة تعقد اتفاقاً خاصاً مع كل رجل أعمال على حدة، وهو أمر لا يليق بدولة، كما أنه سوف يؤدى فى النهاية إلى ضياع أموال بلا حصر، على الخزانة العامة، فضلاً عن أنه يشير بوضوح إلى أن الدولة، بكل أجهزتها، عاجزة تماماً حتى الآن، عن وضع صيغة قانونية عامة لتنطبق على الجميع، دون تمييز ولا استثناء، فلا نكون فى حاجة عندها، إلى التصالح مع «فلان» وفق قانون خاص به، ثم التصالح مع «علان» وفق قانون آخر خاص به أيضاً، وهكذا.. وهكذا.. إلى آخر الحالات التى سوف يكون على الدولة أن تتعامل معها، فى هذا الإطار!
زمان.. وفى عام 2005 تحديداً، كان الدكتور يوسف بطرس، وزير المالية الأسبق، قد تقدم بمشروع قانون إلى البرلمان، تفرض الدولة به ضريبة 5٪ على الأرباح الرأسمالية التى يحققها أصحابها فى البورصة، ولكن البرلمان وقتها رفض المشروع، فأعاد الوزير طرحه فى عام 2007، فرفضوه للمرة الثانية، وكانت الحجة أنه سوف يؤدى إلى سقوط البورصة، التى كانت عندئذ، فى حالة صعود!
فإذا قفزنا من عام 2007 إلى 2013، اكتشفنا أن المشكلة بين الدولة وناصف ساويرس، سببها فى الأساس أنه حقق أرباحاً فى البورصة، وأن الدولة أرادت أن تشاركه أرباحه فى وقت لا يوجد فيه أى قانون يُلزم الرجل بدفع جنيه واحد للحكومة، لأن أرباح البورصة معفاة من أى ضرائب، فكان أن لجأ الطرفان إلى الدخول فى توافقات من نوع ما جرى، وتابعناه طوال أسابيع وشهور مضت!
والمعنى أن وجود قانون من نوع ما كان يوسف بطرس قد سعى إليه، كان سوف يجنبنا إنفاق كل هذا الجهد والوقت، فى مطاردة رجال أعمال، لا يلزمهم القانون، مع الأسف، بشىء، وكان كل صاحب أعمال، عندئذ سوف يكون على علم مسبقاً بما عليه للدولة وبما هو له أيضاً!
وإذا كان الوزير صاحب مشروع القانون الذى وأدوه فى البرلمان، عام 2005، ثم فى 2007، قد عوقب بتأبيدة، لأنه أنفق 20 مليون جنيه، لمنع تبديد دعم سنوى قيمته 150 مليار جنيه، فالأحق، بالتأبيدة، فى حقيقة الأمر، هم أعضاء مجلس الشعب الذين رفضوا مشروع قانونه مرتين، لأنهم أضاعوا علينا عائداً بالمليارات وأرغموا الدولة لاحقاً على الدخول فى اتفاق خاص مع كل حالة، وكأنها فى الأصل، ليست دولة!
أخيراً عزيزي قارئ موقعنا ، إن ما يتصورونه ذكاء سياسي هو غباء .. و لا أجد في هذا المقام لوصف أحوالنا غير مقولة «الأغبياء هم بقايا جهنم علي الأرض»!