الأقباط متحدون - الدين والسياسة: أين يلتقيا والى أين يفترقا؟
أخر تحديث ٢١:١٩ | الأحد ١٢ مايو ٢٠١٣ | ٤ بشنس ١٧٢٩ ش | العدد ٣١٢٤ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

الدين والسياسة: أين يلتقيا والى أين يفترقا؟

بقلم منير بشاى
    كلما رأينا رجلا يلبس زيا مميزا لرجال الدين، ويكتب مقالا سياسيا أو يدلى بحديث تلفزيوني يشرح فيها موقفا سياسيا أو يشترك فى مظاهرة للمطالبة بأمور ذات طابع سياسى، فى الحال تثور حفيظة بعض الناس ويستنكروا هذا التصرف (غير اللائق) ويطالبوا رجل الدين بالابتعاد عن السياسة او خلع زيه الدينى قبل ان يقوم بآى عمل له صلة بالسياسة.  والعقيدة السائدة التى تكمن وراء هذا الفكر ان الزى الدينى يحمل قداسة خاصة بينما العمل السياسى لا يحمل اى قداسة.
    وبداية يتحتم علينا تصحيح مفهوم القداسة وصلتها برجال الدين ورجال السياسة.  فالذى يعطى رجل الدين قيمة اخلاقية خاصة ليس زيه الدينى ولكن مكونات شخصيته وبالمثل الذى يوصم رجل السياسة بنقص فى تلك القيم ليس العمل السياسى ولكن مكونات شخصية القائمين عليه.  فمن هذا المنطلق يمكن ان يكون هناك رجل ينتسب للدين ويلبس زى الدين ولكنه لا يتصرف بالأخلاق التى يمليها عليه دوره، وأيضا يمكن ان يكون هناك رجل ينتسب الى السياسة ولكنه على عكس معظم السياسيين يكون  عفيف اللسان نظيف اليد نقى المقاصد.  فليس كل ما له صلة برجال الدين بالضرورة مقدس وليس كل ما له صله بالسياسة بالضرورة فاسد.
    السياسة كلمة تشمل العديد من الممارسات التى يقوم بها المواطن سواء كان من بين الساسة المحترفين أو المواطنين العاديين الذين يمارسون العمل السياسى فى كل مناحى حياتهم وأبسطها عندما يذهبون للادلاء بصوتهم الانتخابى فى قضايا تتعلق بحياتهم اليومية أو عندما ينظمون مسيرة سلمية أو يقومون بحملة توقيعات لتغيير وضع غير سليم او يتصلوا بممثلهم البرلمانى.  فكلنا نمارس السياسة بطريقة أو أخرى وان كان هناك فئة تحترف العمل السياسى وترتزق منه.
    ولكن خلط الدين بالسياسة يختلف عن خلط رجال الدين برجال السياسة.
    خلط الدين بالسياسة مبدأ جرب فى مراحل التاريخ المختلفة على المجتمعات وتبين فشله وعيوبه فمن الغباء – كما يقول اينشتاين-  تكرار نفس التجربة بنفس المعطيات وبنفس الطريقة ونتوقع ان نحصل على نتائج مختلفة.  ففى القرون الوسطى جرب الغرب سيطرة الدين المسيحى على الحكم وكان رجال الدين هم من يحكمون وهذا أدى الى ما عانته أوروبا من ظلام وفساد أصاب الدين والحكم كليهما.  وعندما جاءت النهضة الأوروبية التى فجرت طاقات الابداع والتحضر كان احد دعائمها هو مبدأ فصل الدين عن الحكم أو ما يسمى بنظام الدولة المدنية.
    نفس الاختبار ظل يعانى منه الشرق عندما حكم رجال باسم الدين الاسلامى شعوب المنطقة فيما اطلق عليه الخلافة الاسلامية التى انتهت بالانهيار فى عصر الخلافة العثمانية فى نهاية القرن التاسع عشر.  ولكن- للاسف الشديد- لم تتعلم الشعوب الاسلامية الدرس من اوروبا، فاستمر الحنين عند بعض الفئات الى اعادة حكم الخلافة رغم كل ما سجله التاريخ عن عيوبها.  وهناك صراع الآن بين أنصار هذا التيار وبين انصار الدولة المدنية، ونتيجة هذا الصراع وجدنا انفسنا فى مصر نعيش فى نظام يتفاخر انه مدنى اسما ولكنه يحكم بمرجعية دينية.  وسيستمر الصراع لأننا لم نصل بعد الى النقطة التى دفعت أوروبا الى تغيير أيدلوجيتها وتبنى مبدأ فصل الدين عن الحكم.
    ولكن فصل رجال الدين عن العمل السياسى شىء آخر.  فرجل الدين مواطن له نفس حقوق أى مواطن آخر وعليه نفس الواجبات.  وهو من حقه ان يمارس العمل السياسى من منطلق مواطنته وأيضا من منتطلق وظيفته فهو ينادى بالعدل ونبذ الظلم وأهم أهداف العمل السياسى تحقيق العدل والمساواة بين أفراد المجتمع.
    هذا عن الاشتراك فى العمل السياسى ولكن قد تظهر اشكالية تزعج بعض الناس عندما يرون دور رجل الدين السياسى يزداد الى ان يصبح قائدا سياسيا وهنا قد ترتفع أصوات تنادى رجل الدين بالابتعاد عن تلك الأرض المحرمة.  وهى حالات خاصة ينبغى التعامل معها كل على حدة ولكنها يجب ان لا تخضع لمعايير عامة جامدة بالحظر والتحريم.
    من الموكد أن رجل الدين ليس لديه عادة الوقت لينخرط فى العمل السياسى او يعطيها الوقت الكثير.  وقليلون هم من استطاعوا ان يقوموا بدور سياسى كبير ومعظم هؤلاء كان كل ما يهمهم من السياسة هو ما يتعلق بحقوق الانسان وحرية التعبير والعقيدة أمثال القس مارتن لوثر كنج زعيم السود فى أمريكا والاسقف ديزموند توتو المناضل لحقوق السود فى جنوب أفريقيا.
    وفى مصر لا ننسى دور القمص سرجيوس السياسى الذى كان له ترحيبا كبيرا من كل المصريين بما فيهم المسلمين.  وقد أفسح له المجال فى ان يخطب من فوق منابر المساجد وسمى بخطيب ثورة 19 وكان يحمل فوق اعناق الجميع لأنه كان يقاوم الاحتلال الانجليزى.  ولكن فى تصورى ان القمص سرجيوس لو كان يعيش فى عصرنا وقاوم الاحتلال الاخوانى تماما كما فعل بالنسبة للاحتلال الدينى، وكما يفعل الكثيرون من المسلمين والمسيحيين، لما لاقى ترحيبا بل لكان قد قوبل بالاستنكار وربما بالملاحقة الأمنية.
    خلاصة القول اننى كقبطى لا أنزعج من رؤية رجل دين يشترك أو يقود أى عمل سياسى ولا أرى فى ذلك انتقاصا من مكانته الدينية.  ولكن التحفظ الوحيد عندى هو ان لا تصبح الكنيسة أو القيادة الدينية هى الممثل السياسى للاقباط، خشية ان تتعارض أو تتصادم الأدوار.  واتمنى ان يقوم من بين المدنيين الأقباط من له الشعبية والكفاءة التى تمكنه من أن  يقوم بهذا الدور الخطير.
Mounir.bishay@sbcglobal.net
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter