كانوا ثلاثة في الغرفة وكانت البلاد مشتعلة بالتظاهرات والاعتصامات. عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية وأحمد شفيق رئيس الوزراء والمشير حسين طنطاوي وزير الدفاع. كان واضحاً أن عهد مبارك قد انتهى وأن الجموع الغاضبة في الميادين لن تتركه يكمل ولايته حتى ولو انتقلت صلاحياته إلى نائبه. كان لا بد من بيان ولا بد من اتصال صعب بالرئيس الذي ارتقوا المواقع في عهده ولم يتردد عمر سليمان في القيام بهذه المهمة الصعبة. كان لا بد من ذهاب مبارك لكن ذلك لا يعني أن الثلاثة كانوا يملكون تصوراً موحداً لما بعد ذهابه أو أن حساباتهم كانت متطابقة. يروي أحمد شفيق لـ «الحياة» قصة تلك الأيام الصعبة وهنا نص الحلقة الثانية:
> هل كان لدى عمر سليمان تصوّر للمعالجة؟
- قال لي عمر سليمان ذات يوم وهو متألم: «لو عيّنني الرئيس في هذا المنصب قبل سنة، لكان الموضوع مختلفاً اليوم». أي لو أن الدولة أخذت شكلها الجديد منذ سنة، والذي كانت الناس تطالب به، لما حدث ما حدث لاحقاً. فالثورة، عندما اندلعت، لم تكن تهدف إلا إلى تغيير بعض التنظيمات الموجودة، واختفاء بعض الوجوه من الساحة السياسية. لم يكن مطلوباً أكثر من ذلك. وهي المرحلة التي قال فيها «الإخوان» إنهم لا يتفقون مع المتظاهرين.
> في البداية لم تكن إطاحة النظام مطروحة؟
- لا، لم تكن المطالب الأولى (للثورة) إطاحة النظام، بل إجراء بعض التعديلات، وحلّ مجلس الشعب، وإلغاء نتائج الانتخابات (التي أجريت في 2010)، وبعض التغييرات الأخرى.
> وهل كان عمر سليمان متفهماً لهذه المطالب؟
- كان سليمان يتكلم معي أحياناً. وكانت هناك قناعة بأنه لا بد من إجراء عدد من التغييرات. للأسف قبل الأحداث لعب حديث التوريث دوراً في إثارة غضب الناس.
> وهو معارض للتوريث؟
- طبعاً، طبعاً. ولكن لم أكن أعرف ماذا كان يقول للرئيس في جلساته الخاصة معه.
> عمرو موسى قال لـ «الحياة» إن عمر سليمان والمشير حسين طنطاوي كانا معارضين للتوريث.
- نعم، بالتأكيد. لم يكن أحد موافقاً على التوريث. باستثناء من كان سيستفيد استفادة مباشرة من الأمر.
> هل يعني ذلك أن أنس الفقي كان مع التوريث...؟
- كان عليه أن يكون مع التوريث، كواحد من المجموعة المؤيدة لذلك.
> وما كان رأي طنطاوي في المعالجة؟
- كان مشغولاً بالميدان. وأذكر في أحد لقاءاتنا، وقد اقتربنا من مرحلة ترك إدارة البلاد لعمر سليمان، وليس التنحي الكامل (للرئيس حسني مبارك)، كنا اطلعنا على الخطاب الذي سيلقيه الرئيس من أجل ترك المهام لسليمان ريثما يأتي شهر أيلول (سبتمبر) 2011، عندما يغادر نهائياً بسبب انتهاء ولايته. كنا جميعاً مجتمعين حول الرئيس. وأذكر تماماً، أن الرئيس أشار بيديه إلى طنطاوي قائلاً: «أين هم رجالك الأشداء يا حسين»؟ فردّ المشير، وكان أول رد مباشر أمامنا في هذا الشكل، قائلاً: «أنا مش ممكن أضرب (أطلق) نار يا ريّس». فرد عليه الرئيس بحدّة: «أنا لم أقل ضرب نار، وأنا غير موافق على ضرب النار. أنا أقول لك: أين رجالك الأشداء. لأن الدبابة لا تنفع. أين هم الرجال الذين يقفون في وجه المتظاهرين»؟
ثم انصرفنا، وريثما يأتي نص خطاب مبارك مكتوباً، قال لنا الرئيس: «يا جماعة، الوقت تأخر، اجلسوا في الغرفة المجاورة وتناولوا سندويشات أو أي شيء». دخلنا الغرفة المجاورة. وفيها، قال زكريا عزمي للمشير طنطاوي ممازحاً: «ما تمسك البلد يا سيادة المشير وتخلصنا». فأجابه: «أنا لا أمسك بلاداً... اعملوا مجلس رئاسة، أو أي حاجة». هذا مع العلم أننا كنا في صدد أن يتولى عمر سليمان الأمور في البلاد. وهكذا، كان الكلام يخرج على عواهنه.
بعد فترة طويلة من الانتظار في الغرفة، طُلب (بضم الطاء) عمر سليمان للدخول إلى الرئيس، وبعدها طُلب زكريا عزمي الذي لم يغب طويلاً قبل أن يرجع ويقول لنا: «خلص مش حنشوف الخطاب النهار ده. الموضوع تغيّر مرة ثانية».
> كنتم جئتم للاطلاع على الخطاب...؟
- كنا باعتبارنا مسؤولين في الدولة، يُستحسن قبل ذهابنا أن نطلع على الصياغة الأخيرة للخطاب، بعدما حضرنا صياغته (الأولى).
> من صاغ هذا الخطاب؟
- أنا لم أكن حاضراً عند كتابته. ولكن علمنا في تلك الجلسة أن الخطاب سيشمل كذا، ولن يشمل كذا.
وهكذا، دخل زكريا عزمي، وقال: إن الخطاب لن يبصر النور اليوم، لأن بعض التعديلات ستدخل عليه مرة ثانية. وقيل بعد ذلك إن جمال مبارك كان له مناقشة أخرى مع الرئيس، وبناء عليها سيحصل تغيير آخر في شكل الخطاب. هذا الكلام تردد كثيراً بعدها. حدث ذلك يوم الأربعاء (9/2/2011)، وكان يفترض أن يذاع الخطاب في اليوم التالي صباحاً بعد إعادة صياغته. ولكن لم يذع إلا في وقت متأخر من ليل الخميس. وكان خطاباً مركباً، «وما شفناش حاجة منه». وكان غير موفق بالمرة.
> هل الرئيس هو الذي صاغه...؟
- نعم. قيل ذلك. وقيل أيضاً أن أنس الفقي كان موجوداً مع جمال مبارك أثناء صياغته. قيل ذلك، ولكن لم أرَ ذلك بعيني. وأول ما أذيع الخطاب، انفعل بعض المتظاهرين جداً (سلباً) في الميدان، على غير المتوقع. وذلك على عكس الخطاب الذي قال فيه الرئيس: «إنني لن أتحرك وسأموت في مصر»، ما دفع أناساً كثيرين إلى التعاطف الشديد معه.
كان ذلك يوم الخميس ليلاً. والموقف كان سيئاً جداً على أثره. وصباح اليوم التالي في 11/2/2011، خرج الرئيس إلى شرم الشيخ قبل صلاة الجمعة.
> عندما غادر الرئيس إلى شرم الشيخ صباح الجمعة، رئيساً لمصر، كان على أساس أن يتولى عمر سليمان كل صلاحيات الرئيس لغاية أيلول (سبتمبر)...
- نعم، ولكن خطابه ليل الخميس زاد الموقف تأزماً. وكان رد فعل الشارع سيئاً بعد الخطاب. وبعد مغادرته إلى شرم الشيخ، اجتمعت مع عمر سليمان وطلبنا وزيري الداخلية والخارجية. وبدأنا نستشعر أن وزير الدفاع لم يعد متحمساً للحضور أو بات كثير الانشغال. قيل لنا أن المتظاهرين وصلوا إلى نفق العروبة. وبالتالي، أصبحوا على بعد أمتار من سور القصر الرئاسي في الاتحادية. قررنا الانتقال إلى مقر قيادة الحرس الجمهوري القريب من القصر وأن ندير الأمور من هناك. وكان هذا المكان أكثر تحصيناً. وبينما كنا خارجين، التقينا وزيري الداخلية والخارجية، فاصطحبناهما معنا إلى مقر الحرس حيث اجتمعنا معهما بحضور زكريا عزمي. ودخلنا مبنى قائد الحرس الجمهوري. كنا نريد وزير الدفاع. ولكنه لم يكن يستطيع الحضور في ذلك الوقت. فكان علينا أن نذهب إليه أنا وعمر سليمان، بعدما شعرنا أنه لن يأتي. ذهبنا إليه في مبنى القيادة في وزارة الدفاع. التقينا به في استراحته، وأمامه المكتب الكبير للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وكان الجميع حاضراً. اجتمعنا ثلاثتنا في غرفة. وكانت الصورة واضحة تماماً. وكنت أكثر جرأة في التوضيح. فقلت له: «يا سيادة المشير، امسك البلد. وخلينا نخلص من الموقف ده». فارتبك قائلاً: «لا... لا». فنظرت إلى عينيه، وكانت لحظة هلع. قلت له: «الرئيس سيتنحى... فامسك (تولَّ حكم) البلد أنت». فقال لي: «(الرئيس) لن يتنحى». فكررت كلمتي له. وقلت لعمر سليمان: «قم يا عمر بيه، واتصل بالسيد الرئيس وقل له: الموقف منتهٍ. واستأذنه أن يترك قيادة القوات المسلحة». فقام سليمان واتصل بالرئيس قائلاً له: «إن الموقف صعب، ونحن نبلغ سيادتك أن الموقف صعب. ونحن مضطرون، ونرجو من سيادتك أن تنهي الموقف بترك مقعد الرئاسة». فوافق مبارك على الأمر فوراً، قائلاً: «انتظروا فقط ريثما يأتي الأولاد (علاء وجمال) ليلاً، (من القاهرة إلى شرم الشيخ)». وبدا أنه كان ينتظر منا ذلك القرار. فتوجه إلينا عمر سليمان قائلاً: «الرئيس موافق». طلبت من سليمان أن يكلم الرئيس بعد عشر دقائق ليقول له أن الموقف لا يتحمل لغاية الليل. «وبالتالي، سنذيع الخطاب عنك هنا». ثم قام سليمان ليكتب كلمة التنحي في المكتب. وبعدها اتصل بالرئيس ليبلغه مضمون كلمة التنحي، وأنه سيذيع الخطاب القصير للرأي العام، رفض طنطاوي أن يذيع هو الخطاب، طالباً من سليمان أن يلقي الخطاب بنفسه. وبعد خمس أو ست دقائق اتصل سليمان بالرئيس مرة ثانية، وقال له: «نحن نعتذر منك مرة ثانية، ولكننا مضطرون إلى أن نسرِّع الخطى في الأمر، وأن نذيع خطاب التنحي سريعاً، لأن البلد «حتولع» في ثانية». فقرأ النص على الرئيس، فغيّر كلمة «تنحي» ووضع كلمة «تخلي» مكانها. ثم حللوا معنى الكلمات الواردة في النص. ولم ينتظروا حلول الليل، وإنما حتى تقلع طائرة الهليكوبتر ببقية أفراد أسرة الرئيس (زوجته وأولاده) من القاهرة إلى شرم الشيخ. وفي رأيي أن كل ما فعلوه بعدها كان خطأ دستورياً. فقد كانت هناك قواعد، إذ كان يجب أن يتسلم إدارة البلاد رئيس مجلس الشعب، أو رئيس المحكمة الدستورية لو حل المجلس. ثم هناك نائب رئيس الجمهورية.
عندما أقلعت الهليكوبتر (التي تقل عائلة الرئيس) من القاهرة، خرج عمر سليمان ليقرأ نص خطاب تنحي مبارك على شاشات التلفزيون. وكنا سجلنا الخطاب وأرسلناه مع ضابط إلى عبداللطيف المناوي (رئيس قطاع الأخبار في اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري) ليذيعه على شاشات التلفزيون المصري.
> هل طلب مبارك ضمانات بعدم محاكمته؟
- أبداً. لم يطلب شيئاً، أبداً.
> هل نصحه أحد بالمغادرة؟
- قيل أنه نُصح كثيراً بالمغادرة، لكنه رفض. وقال في خطابه الأول: «أنا لن أغادر، ولدت هنا في مصر وسأموت فيها».
> هل عرضت عليه دول استضافته؟
- بالتأكيد، عرضت عليه بضع دول استضافته بترحاب شديد. أعتقد أن دولاً عربية خليجية كانت مستعدة لاستقباله. وما زال بعض هذه الدول يعتبر حتى اليوم أن النظام الذي قام (لاحقاً) لم يتبع الحد الأدنى من الأصول. وأنا عندما كنت رئيساً للوزراء لم أكن أتردد في القول أنه علينا أن نقوم بواجباتنا، وأن نحترم التقاليد، وأن نخترع تقاليد إن لم تكن موجودة.
فعلى سبيل المقارنة، كانت «ثورة يوليو» (تموز) 1952 كاملة الأركان. توجه رئيس الوزراء حينها علي باشا ماهر ومعه قائد الثورة محمد نجيب إلى الملك ووقفا أمامه وودعاه، فيما كانت المدفعية تطلق (تحية) له 21 طلقة. وبالتالي، كان علينا أن نحترم أصول الدولة. وهذا ما كنت أطالب به، أن نترك مبارك حتى أيلول (سبتمبر) 2011. «مش حيقدِّم ولا يأخَّر».
> عندما أعلن مبارك تخيله عن الرئاسة، هل كانت الصيغة تتضمن أن يصبح المجلس العسكري هو المسؤول في البلاد؟
- لا. كان إعلان تخلٍ فقط.
> ولماذا تولية المجلس العسكري (الحكم موقتاً)، ما دام هناك نائب للرئيس؟
- كان حسني مبارك عسكرياً حتى النخاع. والحق يقال، إن القوات المسلحة كان دورها حيادياً تماماً، بل بالعكس، كانت القوات المسلحة حامية للثورة. وذلك في وقوفها حول الميدان، واقترابها من الناس والأطفال. وهكذا، فإنها لم تقم بأي شيء ضد الناس.
> هل كانت لدى مبارك مرارة بسبب إقدام أحد ما، مثل باراك أوباما، على مطالبته بالمغادرة؟
- كان حسني مبارك، بالتأكيد، ممزقاً من الداخل. ولكنه «تقيل جداً». ولا يظهر الهزيمة إطلاقاً. عندما خرج (للمرة الأخيرة) من القصر ليذهب إلى شرم الشيخ، خرج بكل كبرياء، وكأنه عائد إلى القصر في اليوم التالي، علماً أنه الخروج الأخير. كان يوحي للآخرين أنه كذلك.
> هل أصبح المجلس العسكري، عملياً، منذ ذلك النهار مسؤولاً عن البلد؟
- نعم. كان المجلس العسكري أذاع سابقاً «البيان رقم واحد»، في أواخر حكم مبارك، ما أوحى للشعب أنه مشارك في حكم البلاد.
> كيف ألغي دور عمر سليمان لاحقاً؟
- في ذلك اليوم، دخل علينا اثنان، وزير العدل ممدوح مرعي ورئيس المحكمة الدستورية العليا فاروق سلطان. وقد أحضرهما المشير ليقول للجميع (بطريقة غير مباشرة) إن الإجراءات التي ستتخذ هي قانونية.
وكنا التقينا ثلاثتنا سابقاً، أنا وسليمان والمشير، ورأينا أن مجلس الرئاسة صعب. واتفقنا على اللقاء في اليوم التالي الساعة الثانية عشرة ظهراً. وقبل الاجتماع، اتصلوا بنا لتأجيل الاجتماع حتى السابعة مساء. وبدأت تظهر ملامح جديدة. وعند السابعة عقد الاجتماع في مقر حسين طنطاوي. وقال لي عمر سليمان ونحن في الطريق إلى اللقاء، أنه قال للمشير: «أستأذنك بالذهاب إلى مكتبي في الاتحادية، في مكتب نائب الرئيس». فأمسك المشير يده وقال له: «مكتبك إيه واتحادية إيه يا عمر؟ إحنا عيش وملح. انت تجي تقعد جنبي هنا». فاستشعر عمر سليمان (من العبارة) تصفية دوره كنائب للرئيس في مبنى الاتحادية.
من تلك اللحظة بدأت تظهر الصورة. وقيل أنه عندما رجع (سليمان) إلى البيت، وجد هاتفه الثابت الذي يتصل به مع أجهزة الرئاسة كلها، مقطوعاً. والشواهد كلها توحي بأن هناك تصفية لدوره.
وعندما عرف سليمان أن ليس له دور في المرحلة المقبلة، استمر بعدها (في العمل الرسمي) على استحياء. بدأ يذهب إلى مكتبه القديم في مبنى المخابرات. وكنت أٌخَطِّئه في ذلك. لأن العملية انتهت.
> وماذا عن دورك انت؟
- كانت فترة صعبة بالنسبة إليّ. وقد طلبت من طنطاوي، مرتين، إحالتي إلى المعاش (التقاعد). وكان لدي المبرِّر لأن زوجتي كانت مريضة. فكان جواب المشير في أحد المرات، بعدما طلبت منه إعفائي من مهمتي، بالقول: «يا أحمد، انت عاوز تخربها وخلاص يا أحمد؟ إيه الكلام الفارغ ده»؟
لكني كنت واثقاً بأنني سأغادر، عندما أريد. وذلك بحكم العلاقة وحكم المرؤوسين عنده، عندما يتمكنون من الأمر، وكذلك بحكم وضعي، كوني كنت قائداً للقوات الجوية. وبالتالي، لم يكن هناك ارتياح لوجودي. ولكن كان يجب أن أكون موجوداً في تلك المرحلة.
ومضى شهر وخمسة أيام. «وما فيش إبرة نقصت في السوق، ومافيش مليم سحبته من الاحتياطي». بينما اليوم، معدل السحب من الاحتياطي يبلغ نحو 2 بليون شهرياً من الخزينة، لو حسبنا الـ24 بليون التي سحبت في خلال السنتين الماضيتين.
> كيف كانت علاقتك مع طنطاوي خلال تلك المرحلة؟
- أنا أفهمه تماماً، وهو يعلم ذلك. كان حريصاً جداً معي.
> ولماذا استقلت من منصبك؟
- هو أرادني أن أستقيل.
> هل طلب ذلك منك؟
- نعم، في اليوم الأخير، طلب ذلك على استحياء. وقال لي: «كنت أنت طلبت الاستقالة سابقاً». فقلت له: «نعم. وأؤكد هذا الطلب اليوم. على العموم نحن أخوة». وعندما أوصلني إلى باب السيارة، قال لي: «إياك أن تنسى يا أحمد أننا نعرف بعضنا بعضاً منذ 20 سنة. واحنا أخوة». فقلت له: «أنا لم أتغير، لأن طموحاتي لا تنتهي في ما كان يمكن أن أفعله، ولكني كنت أعرف أنها فترة موقته، وأنني لن أكون الشخص الذي سيستمر معكم». وكنت غيّرت بعض الوزراء في تلك الفترة. وحلفنا اليمين أمامه. وهو كان يعرف جيداً، خلال عملي في القوات الجوية، أن «الإدارة في الأهداف».
عندما استقلت (من منصبي)، سببت لهم إزعاجاً شديداً. ففي اليوم التالي لاستقالتي، وبعد صلاة الجمعة، اجتمع حوالى أربعة آلاف شخص على الأقل في حديقة أمام منزلي، رافضين خروجي من المنصب، ومطالبين بأن أعود رئيساً للجمهورية. وظلوا يهتفون أمام منزلي حتى المغرب، مطالبين إياي بإعلان ترشيحي للانتخابات الرئاسية. وأنا لم يكن في بالي إطلاقاً ذلك، بدليل أنه عندما كنت رئيساً للوزراء، كان الناس يكتبون لي عبر «فايسبوك» ويطلبون مني الترشح للرئاسة. وكان عمرو موسى جاء إلى مكتبي في رئاسة الوزراء ليبلغني نيته في خوض انتخابات الرئاسة وكان في آخر أيامه في جامعة الدول العربية. فقلت له: «مبروك... واتكل على الله».
كما زارني في المنزل العالم المصري أحمد زويل، ترافقه وزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا. وتحدثنا عن الانتخابات المقبلة. فقلت لزويل: «لماذا لا تترشح للانتخابات». وطلبت من كريم، زوج ابنتي، أن يحضر لنا «اللابتوب»، لأكتب بياناً على الـ «فايسبوك» أشكر فيه جميع الذين يحبونني ويثقون بي، وأقول لهم: دعونا جميعاً نوجه اهتمامنا إلى دعم أحمد زويل في ترشيحه لانتخابات الرئاسة. ثم جاءني إلى مجلس الوزراء 3 أو 4 مرات ليطلعني على أفكاره والخطوط العريضة لمشروعه.
وفي ذلك الوقت، كان حسين طنطاوي ومجموعته يطبخون شروط الترشح للرئاسة. فجاءني زويل لأتغدى معه. وقال لي أنه كان عند طنطاوي وسأله: «ما معنى أن تضعوا ضمن شروط الترشح، أن تكون زوجة المرشح مصرية؟» والكل يعلم أن زوجة زويل سورية. فوعده بأنه سيدرس الأمر. وأدركت عندها أن الشروط وُضعت لتحرم البعض من فرصة الترشح.
وبقي موضوع ترشحي للرئاسة معلقاً مدة طويلة جداً من دون أن أتخذ القرار في شأنه.
> هل كان دور رئيس الأركان السابق سامي عنان كبيراً؟
- الناس كانت تتخيل أنه لعب دوراً رئيسياً، ولكني كنت واثقاً بأن دوره لم يكن كذلك، لأنه لم يكن قريباً من المشير طنطاوي.
> كيف تصف مرحلة حكم المجلس العسكري. ثمة من يقول أن الجيش أنقذ البلد من حرب أهلية...
- في أي مرحلة تقصد؟
> غداة تنحي مبارك وحتى موعد الانتخابات الرئاسية...
- كان الجيش يحمي الثورة، «وحتجي الحرب الأهلية منين»؟ أنا أرى أن هناك ثورة في مصر اليوم، إذ لا تمضي ست ساعات من دون تفاعل في الشارع، إضراب هنا... وقطع طرق هناك. ثورة عام 1919 التي قادها سعد زغلول كانت كذلك، وهي كانت أحسن ثورة في مصر وأكثرها شعبية ونجاحاً وعمقاً، طولاً وعرضاً.
فالشباب الذين قاموا بـ «ثورة 25 يناير»، كانوا دعوا عبر الـ «فايسبوك» إلى الاعتصام أمام دار القضاء العالي للمطالبة بحل مجلس الشعب وإعادة الانتخابات. ثم كبرت المطالب، ولم يكن مخططاً من قبل من افتتحوا الاحتجاجات لما حدث لاحقاً في ميدان التحرير. استمرت العملية، حتى جاء يوم 28 يناير (كانون الثاني) 2011، وانسحبت الشرطة... فدخل «الإخوان»، ولحق بهم «الحمساويون».
> تقصد بهم جماعة حركة «حماس»؟
- طبعاً. وهذا ما ندفع ثمنه اليوم.
> يعني في رأيك أن «حماس» لعبت دوراً في الثورة المصرية؟
- طبعاً، كان لها دور تدميري، ودور المعاونة في القتل. أنا لا أقصد «حماس» كتنظيم، ولكن كعناصر جاؤوا إلى مصر، دخلوا وساهموا في فتح السجون أيضاً.
> هل تقصد أن «حماس» هي التي حررت محمد مرسي من سجنه؟
- نعم. وصل أكثر من 50 «ميكروباصاً»، يضم كل منها من 7 إلى 8 أفراد مسلحين. وكانوا يحملون هواتف «الثريا» للاتصال عبر الأقمار الاصطناعية. وقد اتصل مرسي بقناة «الجزيرة»، عبر هاتف «الثريا»، ليبلغ مشاهديها بخروجه من السجن.
> ما قصة «معركة الجمل» عندما كنت في الحكومة؟
- «معركة الجمل» أتفه من التفاهة. حدثت في 2 شباط (فبراير) 2011 غداة موقف كان اتخذه الرئيس مبارك، ما دفع مجموعة من المقيمين في منطقة الهرم، وتشتهر بإعداد الخيل في المنطقة السياحية قرب أبو الهول، أو ما يعرف بـ «نزلة السمان». جاءت مجموعة من راكبي الخيول، يبلغ عدد أفرادها حوالى 8 أو تسعة بينهم راكب جمل واحد فقط. ودخلوا بالعصي وسيوف خشبية في شكل احتفالي وسط الميدان، وكان الناس على وشك الانفضاض. وصعد أحدهم إلى إحدى المنصات في الميدان، وهتف بالمتظاهرين: «أنتو رايحين فين؟ الناس جايين لكم، من ميدان جامع محمود». ثم دخلت الخيول، وجمل واحد، وسط الجموع في شكل احتفالي، مثل فيلم هزلي. وخلال دقيقتين فقط، أصبحت مجموعة الفرسان تحت أرجل المتظاهرين على الأرض، وتعرضوا للضرب الشديد.
أطلق على ذلك اليوم اسم «موقعة الجمل». وفيلم الفيديو (الذي صور الواقعة) موجود. وبعد ساعات، وعند الحادية عشرة ليلاً، بدأت قنابل المولوتوف المشتعلة تنزل على رؤوس المتظاهرين. كانت الليلة ملتهبة. وقد تابعتها من منزلي على شاشات التلفزيون.
> ومن أطلق قنابل المولوتوف على المتظاهرين ليلاً؟
- كاميرات الفيديو التي كانت تحملها طائرات «الغازيل» فوق السطوح أظهرت أن «الإخوان» وأصدقاءهم من أصحاب اللحى، هم الذين أطلقوا القنابل. وقيل أنه كان هناك «ليزر» أخضر، ومعروف أنه لم يكن «الليزر» الأخضر موجوداً في مصر حينها.
> ولماذا استخدم الليزر...؟
- لدقة التنفيذ والتصويب، وهو ضمن البنادق التي جاؤوا بها من الخارج.
> قيل أن جماعة الأحصنة هم بلطجية...
- لم يكن هناك بلطجية. صور الفيديو تثبت ذلك.
> هل لعب أحمد عزّ دوراً سيئاً في مصير النظام؟
- نعم، لأنه كان مسؤولاً عن التنظيم في «الحزب الوطني» الحاكم. وكان له دور (سلبي) في انتخابات مجلس الشعب عام 2010.
في انتخابات مجلس الشعب عام 2005، فاز «الأخوان» بـ88 عضواً، ثم أسقطوهم في المرحلة الثالثة. وأنا شخصياً لم يكن لدي مانع في أن يكون لـ «الإخوان» في الانتخابات التالية (2010) 188 عضواً في مجلس الشعب من أصل 500 عضو، ليكون ذلك متنفساً لهم. وكان هناك تنسيق معهم في انتخابات 2010، واتفق بناء عليه أن يكون لـ «الإخوان» 45 عضواً في المجلس، و45 عضواً آخرين لحزب «الوفد» (المعارضة اليمينية). وبضعة أعضاء لحزب «الغد».
وبعدها، ألغيت نتائج الانتخابات ولم يفز فيها أي عضو من «الإخوان». وأعتقد أن أحمد أبو العز كان استشير في الأمر. وهو ينكر اليوم أنه لعب دوراً في إلغاء مقاعد «الإخوان». وكان حبيب العادلي حينها وزيراً للداخلية.
> هل تنفي وجود فساد غير عادي في عهد مبارك؟
- لا أبداً. لا يوجد اثنان يختلفان على ذلك أبداً. كانت هناك مشروعات تقدم إلى مجلس الوزراء لا ترضي مخلوقاً أبداً. وكنا نختلف عليها (بسبب الشبهات حولها). وأدعي أنني كنت العمود الفقري للجماعة التي وقفت ضد مشاريع الفساد التي كانت ستمر في مجلس الوزراء.