بقلم : مدحت بشاى
فى حوار حول الكنيسة المصرية فى عهدها التواضروسى الجديد، سألنى مقدم برنامج تليفزيونى: كتبت كثيراً فى مقالاتك تُعرب فيها عن سعادتك بالبطريرك الجديد، كلمنا عن أسباب تفاؤلك وفرحتك به، وكان ردى: تصريحاته الجيدة المتبوعة بالتنفيذ، ولعل أهمها ما التزم به فى إطارالعمل على ترتيب البيت من الداخل وتطوير التعليم الكنسى، وأشرت إلى أن مثل تلك الأطروحات عشت عمرى كله أحلم وأطالب بها كثيرا، وكل ما كنت أثيره فى هذا الصدد يتعلق بأمور إدارية وتربوية ووطنية، وضربت مثالاً بمنظومة «مدارس الأحد» الروحية التربوية الرائعة، التى تولاها بالرعاية والتنمية فى كل كنائس الأرثوذكس من أبناء مصر المحروسة فى العالم كله قداسة البابا شنودة الثالث.
وأضفت أنه كان ينبغى التوقف للتطوير وتحديث برامج تلك المنظومة، حيث وبمرور الزمن حدثت متغيرات ثقافية واجتماعية، وصاحبها ظهور وسائط اتصال عبقرية للتواصل الاجتماعى والإنسانى السهلة..
وأضفت أن المواطن المصرى المسيحى يعانى منذ طفولته من غياب برامج دينية مسيحية فى كل وسائط الميديا، وكتب مدرسية قد سقط من مناهجها حقب التاريخ القبطى كاملة، وتم تغييب مساهمة الثقافة المسيحية ورموزها فى إثراء الثقافة والعلوم والمعارف الإنسانية العربية، وعليه اقترحت أن يُضاف إلى برامج «مدارس الأحد» موضوعات خدمة الاجتماعات الدورية الروحية لشباب المرحلة الثانوية وطلاب الجامعات ما يسد هذا الفراغ فى إطار التماهى مع الدور الوطنى التاريخى للكنيسة المصرية، وحتى تساهم تلك البرامج فى تعميق انتماء الشباب وفك حالة العزلة التى يعيشها، فى وطن قررت السلطات الحاكمة لشؤون البلاد والعباد فيه عبر التاريخ نفى وجوده الإنسانى من التاريخ، فضلاً عن تحجيم وجوده الجغرافى الذى بات يعانى من تقليص مساحات ما يشغله فى فراغ الوطن عبر مضايقات تحكم آليات بناء دور العبادة، وصولاً لبعض أحداث التهجير القسرى الداخلى وظروف ما بعد ثورة ٢٥ يناير التى أقلقت الناس بجميع طوائفهم ومنهم المسيحيون فقرروا الهجرة ومغادرة البلاد.
وبينما أحاول شرح وجهة نظرى، كان يقاطعنى الضيف المقابل ثائراً غاضباً مُتهماً إياى بإهانة تاريخ البابا شنودة الثالث، فما دمت أبدى سعادتى بالبابا الحالى وتوجهاته الإصلاحية والتطويرية، فأنا بذلك أهيل التراب على الإنجازات الشنودية، والضيف مستشار ورئيس منظمة لحقوق الإنسان ويمارس المحاماة، ويتحدث دون تفويض باسم الكنيسة المصرية منذ عهد قداسة البابا شنودة، ورغم تصريحات قداسته الشهيرة بأنه ليس له مستشار، ولم يفوض أحدا للحديث عنه، وحتى فى مجال قضايا الكنيسة المهمة كان قداسته يبحث عن الكفاءة بصرف النظر عن هويته الدينية فكان د. يحيى الجمل محاميه الأول.. ووصل غضب الضيف المقابل إلى إعلان أننى لا أعلم من أمر كنيستى شيئاً وكاد يُخرجنى من دينى وإيمانى بكراهية مقيتة وغل غير مسبوق.. ولا أعلم أى حقوق إنسان يدافع عنها، وهو ينكر حقى حتى فى التعبير عن رأيى، وكنت أتمنى عليه أن يدافع عن المظاليم فى قاعات المحاكم ويرينا مرة مرافعاته التى يكتفى بعرضها فى برامج الشو الإعلامى ومظاهرات رفع اللافتات أمام الكاميرات، والتواجد فى قعدات العرب العرفية.
وفى مقابلة أخرى، وكان اللقاء دعوة لقراءة الصحف اليومية، وحول تصريحات لجبهة الضمير، أشرت بتعجب كيف لتلك الجبهة التى جاءت برومانسية زمن عشق الشعوب الطيبة وهى تنعم بحكم أهل الدين، أن تدعم مظاهرات محاصرة مؤسسات القضاء والمطالبة بتطهيرها، وسألت: كيف يمكن لجبهة تطالب بمصالحة وطنية عبر تفعيل قيم وأخلاقيات تدعمها صحوة الضمير الوطنى أن تدعو لضرب القضاء وإقصاء آليات تفعيل القانون، لنعيش كأمة غاب ضميرها فى النهاية بتغييب القانون؟!..
وأبديت تعجبى من حكاية جماعة عملت لها حزبا كذراع سياسية، ولما لم يحقق لها الوجود السياسى الناجح القادر على التعامل مع الأزمات، قررت الجماعة أن يكون للذراع السياسية، ذراع سياسية داعمة تختفى خلفها، وهى حزب يتم استئناسه، واستثمار قوى سياسية مساعدة، ثم إنشاء جماعة «قضاة من أجل مصر»، وأخيراً «جبهة الضمير»، وكانت بداية الجبهة بإعلان أسماء لرموز معارضة لم تعرض عليهم المشاركة، وأسماء لرموز معروفة رفضت الانضمام، وعليه فقد مارست الجبهة فعل الانتحار الغبى يوم ميلادها بنفى وجود قيمة أصيلة ادعى أصحابها أنها جاءت من أجل إيقاظها وهى الضمير الوطنى.. ثم يطلب المتحدث الإعلامى لجبهة الضمير مداخلة، وبنفس منطق المستشار القانونى يترك المتحدث موضوع حديثى، ليهاجم شخصى قائلاً الكاتب فلان من الفلول، وهى التهمة الجاهزة العبيطة لكل عاجز عن الحوار، ثم معللاً الاتهام بأن لى مقالا قبل الثورة أطالب فيه بغلق أربع قنوات دينية، ورغم كذب الادعاء، فلا يوجد إعلامى واحد يطالب بغلق أى قناة. قد يدعو للتحقيق فيما تقدمه تلك القنوات أو ينتقد منهجها، ثم هل الرد على السؤال شديد الوضوح حول مواقف للجبهة هو مهاجمة المتحدث وكيل الاتهامات له؟!
وفى هذا السياق، أبدى دهشتى من غضب أهالينا الطيبين جراء سماعهم قول زعيم إخوانى كبير مُعلقاً على أداء الساخر البديع باسم يوسف «إنه يتطاول على أسياده».. نعم التعليق بشع وجارح لكل أبناء الأمة، أن يقرر فضيلته أن الإخوان هم السادة وجموع الناس هم عبيد إحساناتهم، ولكن أليس هو هو بذات نفسه من قال «طظ فى مصر»؟!!، وهو هو بكيانه وفضيلته من قال «إننى أقبل أن يحكم مصر ماليزى مُسلم ولا يحكمنى مصرى غير مسلم»؟!!
لقد قرر فضيلته فقط هذه المرة بعد إهانة البلاد، فى زمن سابق لتولى أهله وعشيرته حكم البلاد، أن ينبه المعارضة الرذيلة، بأن الموقف الآن بات مُختلفاً يا قليلى الفهم والإيمان فقد دانت لنا البلاد بما رحبت.. بسمائها وبحارها ونيلها وصحاريها مُلكاً حلالاً بديمقراطية المعارضة التى ما بقى لعبيدها من ميزات ومنح غير سخرية «باسم» ونكد «إبراهيم عيسى» ووطنية كفاية ونضال جورج إسحق الذى مازال يصدق أن هناك ثورة وأنها مستمرة، فالرجل لم يحج إلى فندق فيرمونت لأداء شعائر الدعم والمؤازرة، ولك الله يا مصر.. أما من يَسبّون الناس ويكيلون لهم الاتهامات بغباوة، فلا أجد أبلغ من مقطع رائع من سفر المزامير الذى يقول عن أمثالهم «جَوْفُهُمْ هُوَّةٌ وحَلْقُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ».
medhatbe@gmail.com