«أعلم أن مادة الحديث ملك للمتحدث وأن العناوين ملك للصحيفة.. فكن رؤوفا معى فى العناوين، قلت: أعدك أن أكون رؤوفا بك فى العناوين وأنت بدورك كن صريحا فى الرد على كل تساؤلاتى أيا كانت قال: سأنفجر معك فى الحديث».. كانت تلك بداية الحوار الساخن الذى جرى مع الدكتور مصطفى الفقى مساعد أول وزير الخارجية الأسبق والدبلوماسى المخضرم فى يوم كانت رياح الخماسين فيه تهب على القاهرة وتلقى بأتربتها وغبارها على البشر والحجر لتضيق الأنفاس أكثر مما هى ضائقة بسبب أوضاع سياسية ملتهبة واقتصاد عليل ليس فى أحسن حالاته لتلقى بظلالها على هذا الحوار:
■ لك مقولة أقامت الدنيا ولم تقعدها وهى: «أن رئيس مصر لابد أن توافق عليه أمريكا وإسرائيل» هل لاتزال متمسكا برأيك؟
-بالعكس، أنا أكثر تمسكا بها، لأن الظروف أثبتت صحتها تماما، وهى ليست رأياً لى بقدر ما هى توصيف لواقع، الذى كنت أتصوره فى عصر الرئيس السابق مبارك، إننا بالتأكيد كدولة مصرية فى هذه المنطقة من العالم لا يمكن أن تتركها الولايات المتحدة الأمريكية «القوة الأعظم» دون أن يكون لها تدخل مباشر ورضاء كامل عن النظام الذى يأتى، وإلا سوف تحاربه ونعود إلى مواجهة الناصرية مرة أخرى.
أما عن إسرائيل فباعتبار أن مصر هى الدولة الأكبر وصاحبة مبادرة السلام معها فسوف تسعى إلى رصد كل كبيرة وصغيرة، وهو ما يحدث بالفعل، ونتنياهو قالها صريحة «نحن فى أفضل أوضاعنا»، مشيرا إلى الثورة المصرية وإلى الحرب الدامية فى سوريا وإلى الأوضاع فى العراق، ولا يوجد أحد الآن يناطح إسرائيل فى المنطقة، فالجيش المصرى له احترامه والجيش العراقى خارج الساحة والجيش السورى منهك فى حرب أهلية، وليس أمامهم سوى إيران وحزب الله وهم يركزون على هذا الهدف تماما، وأثبتت الظروف أنه حتى نظام جماعة الإخوان المسلمين الذى جاء للحكم فى مصر جاء برضاء أمريكى. ولذا أنا أستحق الاعتذار من كل من أخطأ فى حقى.
■ هل يمكن أن نسمى ذلك «مؤامرة»؟
لا، ليست نظرية مؤامرة ولكن نظرية مراكز القوى الإقليمية والدولية، فإسرائيل مركز قوة إقليمى، والولايات المتحدة الأمريكية هى القوة الأعظم فى العالم ولا يمكن أن تتركا دولة اقليمية كبيرة بحجم مصر للصدفة.
■ هل لاتزال مصر تحافظ على مكانتها الإقليمية؟
بالتأكيد، مصر دولة إقليمية مهمة على الرغم من كل الظروف التى تمر بها، وليس لدى هذا القدر من التشاؤم الموجود لدى كل الناس مصر أكبر وأعمق من أى فصيل سياسى، وما نراه هى ظروف عابرة لن تطول.
■ لماذا أنت متأكد أن ما نراه ونعيشه الآن لن يطول؟
على جماعة الإخوان المسلمين أن تدرك أنها جاءت بالصندوق أى أنه غطاء سياسى وليست هى كل الدولة ولابد أن تفسح المجال للقوى الأخرى للعمل معها، لأن مصر لا يبنيها فصيل واحد ولن تتمكن من القيام بالمهمة بمفردها ولا يستطيع أى فصيل القيام بالمهمة بمفرده، فمصر بحاجة لكل أبنائها.
■ هل هذا الرأى وصل لهم..أقصد الجماعة بدءا من مكتب الإرشاد وحتى قصر الاتحادية؟
أظن أننى قلت هذا الكلام عشرات المرات إعلاميا فعليهم أن يدركوا انهم ليس بمفردهم فى البلد فهناك فصائل أخرى ينبغى عليهم إشراكها فى قيادة الوطن، ولا يمكن أن يحكم أهل الحظوة فى الجماعة ولكن أهل الخبرة فى الوطن.
■ هل هذا مطبق حاليا على ارض الواقع؟
غير مطبق على الإطلاق، وهذا ما يقلقنا، فأنا ليس لدى اعتراض على أن يأتى الخير على يد إخوانى أو سلفى أو ليبرالى أو يسارى أو مسيحى أو يهودى، أما ما أراه خلال الشهور الماضية لا يشجع ولا يوحى بالخير على الإطلاق.
■ هل تؤيد ما يقال إن الاقتصاد المصرى منهار حاليا؟
لا، لم يصل إلا مرحلة الانهيار بعد ولكن يمكن القول بأنه فى غرفة الإنعاش، وإن لم نتمكن من إنقاذه فسوف يؤدى إلى الانهيار.
■ إذن كيف ترى خفض التصنيف الائتمانى لمصر؟
يضع الاقتصاد المصرى فى خانة الـ«يك»، ويجعل قدرة مصر مع التعامل مع العالم الآخر محدودة حسب التصنيف الائتمانى، وهو سلبى للغاية، ولذلك يجب أن نعيد النظر، فالاقتصاد لم يعد عبارة عن مجمعات استهلاكية، أو زيارة بعض الدول لاستيراد بعض السلع، مصر بحاجة إلى خبراء فى الاقتصاد الدولى وعلى معرفة تامة بالاقتصاد الكلى والجزئى.
وقل فى يوسف بطرس غالى ما تشاء، الذى كان يكره الاقتصاد العربى والأفريقى والأسيوى ولا يؤمن بأى منهم، وكان يؤمن بالاقتصاد الغربى، ولكنه من أفضل ١٠ اقتصاديين فى العالم، فيجب أن توظف مصر أبناءها، حسب الكفاءة.
■ ما قراءتك للأداء الحكومى بشكل عام؟
أنا فى غاية الاندهاش، فعندما يأتى عبر الصندوق فصيل سياسى، يحكم لأول مرة، فلابد أن يعمد إلى تشكيل حكومة قوية حتى تدعمه، ولم أكن معترضا على استمرار وزارة كمال الجنزورى، فهو رجل محنك قادر على قراءة خريطة مصر فى جميع المشاكل بقدر تنوعها واختلافها، فلسنا فى حاجة لاختبار حكومة جديدة فى هذه الظروف الصعبة، فعليهم أن يأتوا بحكومة «تكنوقراط» فنية وقوية تستطيع أن تحرك دفة أمور البلاد فى هذه الظروف الحرجة، وهذا ما لم يتم فعله، بل جاءوا بحكومة لم تضع بصمتها حتى الآن على الساحة المصرية وليس لها سابق خبرة، ورغم أننى أعجبت باللغة الإنجليزية الرفيعة التى يتحدثها رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل ولكن ليس هناك شىء آخر أعجب به.
■ «الجيش–الشعب–الإخوان» كيف ترى هذه المعادلة بعد عامين من ٢٥ يناير؟
بداية، لدينا جيش قوى يستحق الاحترام رغم أنه لا يستطيع العمل فى السياسة، لأنه ليس جزءاً من الصراع السياسى، ولكنه جزء من الواقع الوطنى، والجيش لن يتدخل بين الفصائل السياسية المتناحرة، ولكن سوف يتدخل لحماية أركان الدولة من الانهيار عند اللزوم، فمثلما أن مسؤولية الجيش هو الدفاع عن الأرض والحدود فإن مسؤوليته أيضا هى حماية أعمدة الدولة من السقوط كدور وطنى يقوم به دون أن يحكم أو يقود، لأن فكرة الانقلابات العسكرية انتهت، وأصبحت شيئا كريها فى العالم كله، وحكم العسكر الآن فى أى دولة يدان ويعتبر دليلا على التخلف، أما فى المقابل فالجيوش لها قدر كبير من الاحترام باعتبارها رمز السيادة من حيث الدفاع عن الوطن وليس التدخل بين الفصائل السياسية.
أما الشعب والذى أصيب بقدر كبير من الإرهاق السياسى ولا أقول الإحباط والملل مما جرى فى الفترة الأخيرة فلا أستطيع أن أتصور الآن أن بمقدورنا أن نتحدث عن إمكانية التمرد الدائم والاعتصام الدائم والثورة الدائمة فهذه الأمور بدأت تقل، يكفى أن تلقى نظرة الآن على ميدان التحرير لتدرك التحول الذى حدث، بعد أن وصلنا للقمة فى التحرك لما يسمى حزب الكنبة والأغلبية الصامتة فى أحداث الاتحادية ووصلنا لقمة المأساة فى أحداث الكاتدرائية، كل هذه الامور تجعلنا نتساءل الى أين نحن ذاهبون؟ هل هناك انتخابات برلمانية أم لا؟، لايمكن للمصريين أن يصيحوا صباحا ومساءً رافضين ما هو قائم مطالبين بالتغيير، لذلك لا يتبقى سوى طريق واحد هو صندوق الانتخاب، هكذا ما تعرفه جميع دول العالم بشرط أن تكون الانتخابات نزيهة ونظيفة، وستشرف القوات المسلحة على الانتخابات باعتبارها طرفا وطنيا محايدا.
■ كيف هى العلاقة الآن بين الكنيسة والدولة فى ظل الأحداث الطائفية الاخيرة وخاصة الهجوم على الكاتدرائية؟
حيث إن التيار الإسلامى الذى يحكم البلاد، فكان عليه أن يتنبه بشدة أنه متهم بداية بأى حادث يدين العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وكان عليه أن يقوم بمجاملات حقيقية، وكنت أرى أن يذهب الرئيس مرسى يوم أحداث الكاتدرائية إلى مقر الكاتدرائية، ويلتقى البابا تواضروس الثانى، ويقيم مؤتمرا صحفيا يتحدث فيه عن القوة الحقيقية للمصريين، ويمنع فيه ما حدث ويشجبه حتى تكون رسالة للعالم جميعه بأن الرئيس مرسى رئيس لكل المصريين.
ولكننى رأيت بعض السلفيين يستنكرون ذهاب الرئيس للكنيسة.. ألم يذهب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى الكنيسة ورفض أن يصلى فيها احتراما لها حتى لا تحال إلى مسجد، ألم يضع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حجر أساس الكاتدرائية وساهمت الدولة فى بنائها آنذاك، ألم يذهب السادات إلى الكاتدرائية وصلى فى مكتب البابا شنودة، ألم يذهب حسنى مبارك إلى الكاتدرائية فى جنازة فكرى مكرم عبيد، فكيف يحدث كل هذا، هذا الجو الذى كان يسود ويجب أن يسود، ولأول مرة تبدو الدولة متهمة بالتقصير على الأقل فى أضعف الإيمان، فهى ليست مباراة كرة قدم حتى نشاهدها صامتين فهذا حدث ضخم، وأريد أن أحيى أقباط مصر حيث إن المظهر العام لهم فى العامين بعد الثورة يتحملون كثيرا ولا يتحدثون كفئة منفصلة وعندما تجلس معهم تجد أن همومهم هى هموم الاعتدال المصرى كله، ولا يرفضون الإسلام كإسلام ولكن يرفضون ممارسات التيار الإسلامى المغلوط أحيانا، فهذا أمر يجب أن يذكر لهم.
■ هل تعتقد أن المشاكل التى يعانى منها عموم الأقباط ستخف حدتها فى المرحلة المقبلة كنوع من تصحيح الصورة أمام العالم بعد أحداث الكاتدرائية؟
أطالب بأن يكمل الرئيس مرسى مدته الرئاسية وأحترم شرعيته لانه تم اختياره عبر الصندوق الانتخابى، وهذه الشرعية سوف تحظى بالاحترام الدولى إلا إذا حدثت بعض الأحداث العاصفة كأحداث الكاتدرائية فهذا حدث غير مقبول دوليا وإشارة سلبية للغاية تخل بكل التوازن المصرى على المستوى الإقليمى والدولى والمجال الاقتصادى والسياحى والسياسى، وليس سرا أن تركيا تسحب من مصر الكثير من السياح ورعاة الصناعات المصرية لديها ويقدمون أفلاما للاعتصامات والاحتجاجات يصفون بها مصر بأنها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها التجارية والاقتصادية، فكيف يحدث هذا وأين العقل المصرى.
■ على ذكر تركيا أى من النماذج التى تود أن تطبق فى مصر هل تفضل النوذج التركى كما يروج له البعض؟
أنا مغرم بالنموذج الهندى، وليس النموذج التركى، حيث عشت هناك ورأيت نسبة المسلمين مثل نسبة المسيحيين فى مصر، ولكن ملكوا الشجاعة أن يكون رئيس الدولة مسلما لثلاث أو أربع مرات، حتى إنهم جاءوا برئيس وزراء من طائفة «السيخ» ورغم أن نسبتهم ٢ % إلا أنهم معتمدون على الكفاءة وليست الديانة، وكنت أحلم أن تكون مصر دولة برلمانية، وأتساءل أين الهند الآن وأين نحن رغم أننا بدأنا الطريق فى الستينيات سويا بصناعة الطائرات.
■ هل أنت نادم على دفاعك عن «الإخوان المسلمين» فى عهد الرئيس السابق مبارك على خلفية ما يفعلونه الآن؟
على كل حال لم يذكروا شيئا عن مدافعتى عنهم، بالعكس يعادوننى عداء شديدا ويهمشوننى تماما، وأنا أتحمل لأرى النهاية كيف ستكون؟، وبالتالى أنا لست نادما، ولكنى مؤمن بمقولة فولتير الشهيرة «مستعد للدفاع عن رأى أختلف معه حتى الموت» ومقولة الإمام الشافعى «رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب»، فأنا رجل ليبرالى بطبيعتى ومؤمن بحرية الآخرين.
الإخوان المسلمون مصريون وفصيل سياسى يجب أن اقبله وأتعامل معه، وكذلك السلفيون ولكن بقواعد لعبة مشتركة وليس بقواعد وأحكام هوائية، فمن قال إن كل وظيفة مخصصة للإخوان، فهذا يسمى احتكار الوطنية. وعليهم أن يدركوا معنى الوطنية لجميع أطياف الشعب، حتى إن النبى محمد صلى الله عليه وسلم عندما خرج من مكة قال «والله إنك أحب البلاد إلى قلبى ولولا أن اهلك أخرجونى منك ما خرجت» هذه هى الوطنية، والمسيحية أيضا تتحدث عن الوطن.
اذكر أننى عندما كنت أنا والدكتور مرسى فى حوار إعلامى مشترك عام ٢٠٠٧ ووجهت له سؤالا «لو أنك ذهبت إلى لندن ووجدت نفسك فى مقهى وهناك قبطى مصرى يجلس على مائدة ومسلم إندونيسى على مائدة أخرى، إلى أيهما تنجذب؟
■ ماذا كانت إجابته؟
قال إن اجابة السؤال تحتاج الى تفكير.
■ أفهم من هذه الإجابة أنه لا مكان للأقباط فى تفكير الرئيس وبالتالى لا حقوق فى المرحلة الحالية؟
الإخوان المسلمون يعرفون حجم المخاطر التى تلحق بهم وبمصر نتيجة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، ولكن السلفيون هم من لا يدركون ذلك، السلفيون هم العضلات والإخوان هم العقل.
السلفيون يدلون بتصريحات مستفزة تماما وأبعد ما تكون عن الإسلام بينما يجب أن يكون السلفى أقرب بصحيح الإسلام.
حتى وصلنا لمرحلة بدأ رجل الشارع البسيط يرفض ذلك والمتدين البسيط يرفض ذلك.. قال النبى محمد صلى الله عليه وسلم «من آذى ذميا فقد آذانى» وقال «من آذى ذميا فإنى خصيمه يوم القيامة»، إذن المصيبة ليست فى الإسلام كدين تسامح وشريعة ولكن فى التطبيقات التى يضعونها المخالفة تماما للشريعة والدين.
■ ما تقييمك الآن لجبهة الإنقاذ؟
أولا، معدلات الأعمار فى جبهة الإنقاذ لا تجذب الشباب، فأين من قام بثورة ٢٥ يناير من الشباب، وهى لا تستطيع أن تحرك عشرة شباب فى الشارع، مصر تعانى صراع الأجيال وهذه مشكلة فى مصر، مصر فى حاجة لشاب فى الخمسينيات من عمره وطريق نظيف وتصور واضح، يحتوى الجميع ويسير بالبلاد نحو الأفضل، ولكن أين هو؟ هذه قضية أخرى.
ثانيا، معظمهم فى الجبهة مغرمون بالظهور الإعلامى أكثر من عملية التواصل الحقيقى على أرض الواقع، فلا أرى أحدا منهم يلتحم مع الواقع، عمرو موسى رغم تقدمه فى السن إلا أننى كنت أرى أنه سيكون رئيسا لمدة سنتين كمرحلة انتقالية على اعتبار مقدرته على التعامل التى اكتسبها من داخل القصر الجمهورى والعالم الخارجى بسبب تاريخه الدبلوماسى، حتى كان من الممكن أن يأتى رئيسا لحكومة أو أن يجيئوا برجل مثل الدكتور محمد البرادعى كرئيس حكومة بحكم مكانته الدولية وقيمته، وعقليته العلمية هم يريدون أخذ كل شيء ولا يريدون ترك شىء هم واقعون فى مطب الحزب الوطنى ولكن على كبير.. الحزب الوطنى كان تمكينا بلا عقيدة وهم يتمكنون بجذور. هل معقول أن فلانا يأتى لأنه من الإخوان وفلان يستبعد لأنه ليس من الإخوان فى الوظائف.. أين حق الوطن.. كل وزارة الآن بها ١٠استطيع أن أعينهم أفضل من الوزراء الحاليين.. كنا نعانى من نفس الأمور أيام الرئيس السابق وأنت تأتى فى نفس الدائرة فالفرق بين حزب الحرية والعدالة والحزب الوطنى هو أن الحزب الوطنى كان تمكين بلا عقيدة، أما الحرية والعدالة فتمكين مع عقيدة وهذا ما يمثل مشكلة كبيرة.
■ أين سيصل بنا التمكين؟
سأكون صريحا معك، مصر كبيرة.. ومن الصعب أن تبتلى، مكن ما تشاء ولكن هناك بعض المؤسسات التى يجب الحفاظ عليها، فالقوات المسلحة كمثال عصية على الأخونة، ولا تتبع أى فصيل سياسى وتقف على أرض صلبة محايدة من الجميع، وعلى أى اتجاه آخر من قبل أى فصيل.
■ كيف تتم إزاحة حكم الإخوان؟
إزاحة حكم الإخوان ليس هدفا سياسيا، ولكنه هدف انتخابى تكتيكى، والهدف السياسى هو أن تتم محاصرة الجماعة ببرامج ومشروعات واستراتيجيات وأفكار وخطط أمام العالم.
■ كيف ترى ما يحدث مع القضاء؟
القضاء أمر صعب ويجب أن نرفع أيدينا عنه فلماذا تجور السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، فالقضاء المصرى قضاء شامخ وله تقاليده، وكان الرئيس محمد مرسى أحد الداعمين لاستقلال القضاء فى عصر الرئيس مبارك، فما حدث الآن؟، ما زلنا ننتقد جمال عبدالناصر حتى الآن بسبب مذبحة القضاء.
وليتذكر الجميع أن شارل ديجول عندما طلب منه أن يعود منقذا لفرنسا سأل سؤالا «كيف حال القضاء؟» وعندما جاءت الإجابة بأن القضاء بخير، قال إن فرنسا مازالت بخير.
■ أعلم أنك مع عودة العلاقات الدبلوماسية المصرية–الإيرانية وأن الشيعة لا يشكلون خطرا على مصر.. اشرح لنا ذلك؟
قضية الشيعة قضية وهمية، أخذت أكبر من حجمها، وحينما اجتمعت مع الرئيس السابق محمد خاتمى فى أحد فنادق القاهرة وقال لى "إلهنا واحد، نبينا واحد، قرآننا واحد، قبلتنا واحدة، أركان ديننا واحدة، ولكننا نختلف على أشياء بسيطة».
ثانيا الخلاف سياسى وليس دينيا وبدا حين تبنت بريطانيا أهل السنة عام ١٩٢٠ والولايات المتحدة الأمريكية تبنت أهل الشيعة عام ٢٠٠٣ فى العراق، ويجرى التطبيق على ذلك. وأعلم أن إيران تريد الاستيلاء على ثلاث جزر من الإمارات ولها أطماع فى البحرين، وتريد أن تلعب فى شرق السعودية وتتدخل فى الكويت وسوريا حاليا، وتتمنى أن تجد موطئ قدم لها فى أرض البركات والديانات مصر وبالفعل لدى إيران أجندة سياسية، ولكن يجب أن نحذو حذوها بعمل أجندة مثلها، فالحياة صراع وساحة لاقتناص الفرص، وأنا مع إقامة علاقات دبلوماسية مع ايران حتى يكون فى مقدورنا محاورتهم وانتقادهم، فإقامة العلاقات لا تعنى الحب أو الكراهية ولكن تعنى القدرة عل الاشتباك السياسى وقت اللزوم.
■ كانت مصر من الدول الداعمة للثورة السورية وضد بشار الأسد وتغير الوضع الآن، فما تقييمك لتغيير دفة سياستها الخارجية؟
فيلم كوميدى، فالغرب ليس على قلب رجل واحد تجاه إزاحة حكم بشار الأسد، فالنهاية فى سوريا إما ستكون تراجيدية بمقتل الأسد على يد الثوريين، أو القيام بانقلاب عسكرى ضده، ولكن لن تنتهى بمصالحة، نظرا لحجم الدم الذى وصلت له سوريا.
وبالتالى كان النظام المصرى اتخذ موقفا حادا تجاه بشار الأسد، وبين ليلة وضحاها تغير هذا الموقف بضغوط إيرانية.
إذن علينا أن ندرك أننا لا نمتلك مواقف مستقلة حتى على المستوى الإقليمى، وقلنا لا داعى للتشدد ضد بشار حتى تقوم مصر بدور الوسيط القوى للضغط عليه حقنا للدماء ولم يتم الاستماع لنا، والآن عادوا إلى نفس المربع بعد أن فات الأوان وبعد هذا الحجم من الدماء.
■ هل ذلك سببه قلة الخبرة السياسية؟
بالطبع، وعلى الإخوان المسلمين أن يدركوا أن السياسة الخارجية والتعامل مع آخرين تجربة متراكمة تحتاج إلى حنكة طويلة.
المصرى اليوم