الأقباط متحدون - صعيدى عتيد فى بلاد الجليد
أخر تحديث ١٩:٥١ | الجمعة ٢٤ مايو ٢٠١٣ | ١٦ بشنس ١٧٢٩ ش | العدد ٣١٣٦ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

صعيدى عتيد فى بلاد الجليد

صعيدى عتيد فى بلاد الجليد
صعيدى عتيد فى بلاد الجليد

بفلم : فاروق عطية
 
   بداية وحتى لا يغضب منى الصعايده, أقر وأعترف أننى صعيدى قُح وحتى النخاع, وربما أكون ذو قرابة وثيقة بذلك الذى اشترى الترام  أو نسيب ذلك الذى اشترى العتبة الخضراء قديما. وأحب أن أذكركم أن الصعايدة ليسوا بسذج كما يتوهم البعض, فحين يقع الصعيدى فريسة لنصاب يحدث ذلك لفرط طيبته وثقته الزائدة بالناس. والكثير من الصعايدة أبناء جلدتى هم أيضا قادرون على إيقاع الآخرين فى حبائلهم. أذكر مرة بعد تحويل مجرى النيل وبناء السد العالى, أن شركة النصر للأسمدة التى كنت أعمل بها قد نظمت لنا رحلة بالقطار من السويس إلى أسوان لمشاهدة هذا الحدث التاريخى. وفى طريقنا, وصلنا مدينة قنا فى الرابعة فجرا, وسمعنا باعة الصحف ينادون على صحفهم, وكان صباح الجمعة حيث درجت جريدة الأهرام على إصدار ملحق يحوى مقال الكاتب السياسى الكبير محمد حسنين هيكل. هرعنا إلى النوافذ لشراء الأهرام, وبعد أن أفقنا من نومنا اكتشفنا أن الصعايدة قد باعوا لنا الصحيفة بضعف ثمنها, فقد باعوا الصحيفة لشخص والملحق لشخص آخر.

   جاءنى صديق حميم ناصحا قال لى: أراك كمن يحرث فى البحر وتبدد طاقتك بلا طائل تماما كما كان يفعل دون كيشوت وهو يحارب طواحين الهواء. بح صوتك وجف قلمك وانت تطالب بالديموقراطية والحياة الدستوية الكاملة لكل أبناء الوطن بلا تميز بين عرق أو جنس أو دين ولم يتغير شيئ ولن يتغير فى الستقبل القريب، فالمثقفون فى بلادنا إما خائف وإما مستفيد من الوضع الحالى وهم صامتون خانعون لا يتحركون.علا صوتك وكثر أعداؤك وانت تحاول إفهام الناس أن المقاومة مشروعة حتى الخلاص من زمرة الإخوان المسممين الذين سرقوا الثورة وتربعوا على مفاصل الدولة يريدون الاستحواز على كل السلطات ليعودوا بنا إلى العصور الوسطى بحلم ضائع يسمونه دولة الخلافة. ارح نفسك قليلا واعط لقلمك فترة لالتقاط الأنفاس وتعال معنا نقضى يوما ظريفا نستمتع فيه برؤية أناس يعيشون فى كوكب آخر غير الذى نعيش. نذهب لكازينو راما الذى وفر لنا حافلة تقلنا من محطة الاتوبيس القريب من البيت فى الواحدة ظهرا وتعيدنا فى الثامنة مساء لقاء دولارين ونصف للفرد, كذلك يعطون كل فرد بون بعشرة دولارات لبداية اللعب وبونا آخر بخمس دولارات نكمل عليها للدخول إلى بوفيه مفتوح به كل ما لذ وطاب من الطعام خاصة الأسماك وفواكه البحر التى تحبها.

   رحت أفكر فى عرض صديقى وتذكرت ما حدث منذ سنوات قليلة حين قدمت حديثا إلى كندا وكنا نقيم فى إيتوبيكوك بالقرب من نادى كبار السن"سنيورز  كلوب"، مما حفزنى للاتحاق بهذا النادى حتى أجد الصحبة مع كبار السن من أمثالى وأمارس بعض الرياضة. بداية وجدت بالنادى ورشة مجهزة لتعليم النجارة, قلت لنفسى لا بأس من تعلم النجارة حتى أكون قادرا على إصلاح ما قد يتلف من أثاث. وحين دلفت إلى الورشة وجدت الأسطى المدرب رجل صينى قوى البنية جاد الملامح, فتوجست خيفة أن أتعرض للوم أو توبيخ من هذا الصينى العملاق إذا أخطأت, وعز على أن ينقلب بى المآل من مدير عام تنحنى له الرؤوس إلى صبى نجار قد يعنف أو يهان, فانسحبت فى هدوء. دخلت إلى صالة أخرى وجدت فيها ضالتى, مجموعة من الكبار يلعبون كرة البساط ( كاربت بول)، فانضممت إلى إحدى الفرقتين وكانت ناقصة العدد فأكملتها. وداومت اللعب معهم حتى صرنا أصدقاء نتبادل المكالمات التليفونية والسؤال. ذات يوم أخبرنى الأصدقاء أن السبت الأول من الشهر القادم (مارس) هناك رحلة شيقة إلى كازينو راما وقيمة الاشتراك ثلاثة دولارات شاملة الغذاء(بوفيه مفتوح)، ورجونى الاشتراك معهم حتى نكون صحبة. رحبت بالإنضمام معهم على أساس معلوماتى المصرية عن الكازينو, قلت لنفسى أننا سننعم بقضاء يوم ممتع فى مكان مفتوح على شط نهر أو ساحل بحر نمرح طوال اليوم نستنشق الهواء النقى ونستمتع بوجبة شهية من الأسماك وفواكه البحر التى أعشقها. فى صباح اليوم الموعود تجمعنا بالنادى حتى أتت الحافلة التى أقلنا إلى الكازينو فى الثامنة صباحا. استغرقت الرحلة حوال الساعة والنصف, وحين هبطنا من الحافلة ذكرنا السائق أنه سيعود لإرجاعنا فى تمام السادسة مساء ورحل. وحين دخلت فوجئت أن هذا الكازينو شيئ آخر غير ما توقعت, فقد كان ناديا للقمار, فسيح الأرجاء متعدد المداخل والمخارج مليئ بماكينات القمار من كل نوع وشكل وصنف. بداية خفت على نفسى أن أتوه فى هذا الخضم الهائل أو أخرج من مخرج غير الذى دخلنا منه فلا أهتدى لطريق العودة, فتشبثت بثلاث صديقات مسنات من مجموعتى كطفل يتشيث بتلابيب أمه, رجوتهن ألا يغفلن عن متابعتى حتى لا أضل الطريق بعيدا عنهن, فرحبن بذلك وتبعتهن كظلهن. بالرغم من كونى لا أحب المقامرة ولم أمارسها من قبل, ولكن مكره أخاك لا بطل. قلن لى بداية عليك أن تغير بعض العملة إلى ماركات من الكاشير, فاستبدلت 20 دولار إلى ماركات فئة ربع دولار. بعد ذلك رحت أراقب الزميلات وهن يضعن المارك فى فتحات المكائن (سلوت ماشينز) ويضغطن على زر خاص فتدور العجلة لتبتلع المارك ولا تلقى شيئا فى الغالب. لاحظت أن الماكينات تقذف بالنقود فى رابع أو خامس مرة. استغليت هذه الملاحظة وصرت أضع نقودى بعد أن ييأس الجالس على أحد الماكينات من الفوز ويغادرها إلى ماكينة أخرى. بهذه الطريقة امتلأ الإناء المخروطى الذى نضع به الماركات عن آخره بما لا يقل عن مائة دولار. فى الواحدة ظهرا اصطحبتى السيدات الثلاث  إلى البوفيه فنعمنا بطعام وشراب جيد وأخذنا فترة راحة ثم عدنا مرة أخرى للماكينات. لا أدرى هل عبثوا بالماكينات فى فترة الطعام, أم أصابنى الخمول أو الحظ قد تخلى عنى, ولكن ما أعرفه أننى خسرت كل ما جمعته بما فيه العشرون دولار الخاصة بى. وعندما عدت إلى المنزل ضحكت كثيرا وأيقنت أننى فعلا صعيدى حتى النخاع. بعد ذلك طلبت منى إحدى الصديقات أن أرافقهن فى رحلة الشهر القادم فقلت لها بخبث: لا مانع بشرط أن تقرضينى 50 دولار أردها لك إذا كسبت, فابتسمت ولم تعلق, وبالطبع لم يكن سكوتها علامة الرضاء..!.

   فى الرحلة التالية, قررت أن أجازف باللعب على ماكينة الروليت بمبدأ "يا طابت يا إثنين عور" واللعب على الروليت يحتاج إلى ماركات أقلها فئة عشر دولارات فاستبدلت ألف دولار لا أملك غيرها. لاحظت أن الرقم 13 لا يلعب عليه أحد ربما تشاؤما, فقررت أن ألعب عليه فربحت وربحت وكلما أربح أضع كل ماركاتى على نفس الرقم حتى تجمع معى مليون دولار فتوقفت وحوّلت ماركاتى إلى عملة وضعتها فى حقيبة وطلبت تاكسى حتى يقلنى إلى المنزل. وفى منتصف الطريق توقف التاكسى وطلب السائق منى أن أسلمه الأموال وأغادر السيارة وإلا أفرغ فى رأسى رصاصات مسدسه المصوب إلى رأسى, فصرخت به قائلآ: خذ كل المال ودعنى أعيش, واستيقظت لأجد أم العربى تحدجنى بنظرات نارية قائلة وهى تمصمص شفتيها: مال إيه اللى بتهلوس بيه يا أبو الأموال...!


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع