بقلم : لطيف شاكر
لم يكتف هتلر بالسخرية من الشعوب العربية والإسلامية واعتبرها ناقصة ودونية ،بل عبر عن ذلك أثناء استقباله لمفتي فلسطين أمين الحسيني شخصيا،حيث وجه للمفتي إهانه وجرح كرامته أثناء الاستقبال بتاريخ 28 تشرين الثاني 1941:حضر اللقاء وزير الخارجية ريبينتروب،والخبير في شؤون الشرق الأوسط غروبا, واثنين من المترجمين الألمان.فعلى سبيل المثال رفض هتلر مصافحة يد المفتي الممدودة باتجاهه , ولم يوافق هتلر وحسب التقاليد العربية شرب القهوة مع ضيفه العربي،وهمس في أذن أحد المترجمين قائلا: "انه لن يسمح أبدا لأي شخص شرب القهوة في مقر القائد"،وفجأة ترك الجلسة غاضبا لعدة دقائق ...
بالرغم من كل ماحدث شكر المفتي هتلر على تشريفه بهذا اللقاء،مبديا اعجاب العالم العربي به وأضاف قائلا:" يتوجه العرب بأنظارهم في هذه الأيام نحو القائد،الذي يخوض الحرب ضد ثلاثة أعداء في آن واحد وهم أعداء العرب أيضا: الإنكليز،اليهود والبلشفية.والعرب مستعدون للمشاركة في هذه الحرب إلى جانب ألمانيا،ليس عن طريق القيام بأعمال التخريب وإثارة القلاقل فقط، بل تشكيل لواء كامل من العرب المسلمين في الجيش الألماني النازي "ومنذ وصول الحسيني إلى أوربا كان هناك ضابط اتصال من قوات ال.س.س في المخابرات الخارجية مسؤول عنه مباشرة وأخطره بعمليات الإبادة الجماعية لليهود وأسرى الحرب من الشعوب الأخرى في معسكرات الاعتقال وغرف الغاز ,وأبدى الحسيني إعجابه وتحمسه لتلك التدابيرولهذا الغرض التقى مع رئيس القسم الرابع الحديدية الألمانية أدولف أيخمان بهدف التنسيق وتطبيق التجربة الألمانية في فلسطين ".
ومن هنا يتضح وحدة الأرضية الأيديولوجية والتحالف الفكري بين النازية الألمانية والاسلاميين والقوميين العرب،ناهيك عن الخطوات العملية كان قد دخل حيز التنفيذ حتى قبل لقاء المفتي مع السفاح هتلر.
وفي عام 1928 عندما أسس حسن البنا وهو صديق المفتي محمد امين الحسيني - يقول أمين الحسيني عن البنا: وإني لأذكر أنه رحمه الله بعث إلي برسالة في عام 1347هـ يعلمني فيها بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين فأجبته مبديًا ابتهاجي وداعيًا لهذه الغرسة الجديدة بالنمو والنجاح، ولم أكن حينئذ أنتظر كل هذا التوفيق الذي لاقته هذه الجماعة -- حركة الأخوان المسلمين في مصر،لم يتجاوز أعضاؤها حتى سنة 1936ال800 شخص،ولكن بعد مرور سنتين فقط أي في سنة 1938 وتحت تأثير الدعاية النازية وربطها بالصراع ضد اليهود والإنكليزتحول الأخوان المسلمون إلى حركة جماهيرية وتجاوز أعضاءها إل 200ألف عضو.
ومن الجدير بالذكر اسس أحمد حسين في العام 1933 منظمة"مصر الفتاة" تيار اشتراكي إسلامي عروبي مصري متطرفة قلدت تحية النازيين الألمان وسياستهم،حملت المشاعل في الشوارع ومارست العنف و سياسة عبادة الفرد النازية، وكان أعضاء هذه المنظمة يلبسون القمصان الخضراء بدلا عن القمصان الرمادية للنازيين وشاركوا في المؤتمر العام للحزب النازي في نورنبرغ الذي انعقد في العام 1936.
ويقول د.عاصم الدسوقي : وليس ذلك فحسب فقد رأينا حزب مصر الفتاة وسيره على نهج الفاشية والنازية في كل تصرفاته، حتى أنه رفع علم الفاشية والنازية فوق مقر الحزب وقام بزيارة لايطاليا وألمانيا
وفي العام 1935 ظهرت الطبعة الأولى لسيرة حياة هتلر في القاهرة.نستطيع القول أن النظرية النازية وأفكارها العنصرية،اجتاحت البلدان العربية والإسلامية منذ الثلاثينات والأحزاب القومية التي تشكلت في تلك الفترة, واثناء الحرب العالمية الثانية ومابعدها تأثرت بهذا الشكل أو ذاك واستوعبت أفكار النازية الألمانية القائمة علي العنصرية التوتاليتارية , (عبادة الفرد والديكتاتورية)،التي كرست هيمنتها في هذه المجتمعات، حيث جلبت الويلات والمصائب لشعوبنا ومازالت هذه الشعوب تدفع ضريبة ذلك التلاقح غير المتكافئ والتحالف غير المقدس بين النازية والاسلاميين .
ويؤكد الكاتب ياسين الحافظ على تأثير النازية في الفكر القومي العربي،حيث يشير:" في ذلك الحين،عندما غدت الحركة القومية العربية تعبر عن الآمال التحررية لشعب مجزأ ومضطهد،بدأت البرجوازية العربية الصغيرة فجأة تتكلم الألمانية.لقد وجدت الكلمات الألمانية والإيطالية ذات الطابع القومي،طريقها إلى المفردات اللغوية للبرجوازية العربية الصغيرة فبذرة الشر زرعها المفتي وها نحن نجد ثمارها قد أينعت في برامج وممارسات الأخوان المسلمين والقاعدة والنازيين الأتراك وغيرهم من الفاشيين الذين يخفون وجوههم القذرة تحت ستار الدين"
ومن نافل القول الأستشهاد ببعض المصادر الألمانية ذاتها والتي تؤكد على أوجه التشابه والتقاطع بين الأيديولوجية الأسلامية والنازية،فهاهو السفير الألماني السابق في القاهرة إيبرهارد فون شتورر يقول:"يمكن العثور على وجهات نظر نازية في الكثير من المبادئ الإسلامية".
ويشغل القائد في الاسلام ومن خلال كفاحه ضد اليهود مكانا مرموقا كلما زاد هيجانه بالسب علي احفاد القردة والخنازير لحين الوصول الي مأربه ثم يتلون في كلامه ويغير من اسلوبه ويتحول من عدو الي صديق يستجدي عطفهم ويسعي لارضائهم .
"أما الجاسوس الألماني السابق في القاهرة شرومف بيررون،رأى هو الآخر الكثير من أوجه الشبه فيقول :"يشترك الإسلام(السياسي) والنازية من حيث بنية التركيب بالكثير من السمات العامة،فالشريحة العليا في النظامين ديكتاتورية والبنى التحتية ديمقراطية".
وبما ان هيملركان يعلم مدى شعبية هتلر في البلدان العربية والاسلامية إلتى وصلت إلى درجة العبادة واعتباره النبي الجديد بعد النبي محمد ،أعطى أوامره بتاريخ 14.أيار 1943 بتحليل ودراسة القرآن بشكل جذري وشامل بهدف العثور على بعض المقاطع والآيات التي من شأنها تكليف هتلر بصورة مسبقة وبمهمة ربانية بتكملة رسالة النبي"وكتب السيد كالتينبرونر أحد هؤلاء المتخصصين في تقريره إلى هيملر قائلا: أن بعض الآيات والمقاطع القرآنية تشير إلى الزعيم هتلر مثل مسألة المهدي المنتظر التي تحظى بشهرة واسعة في العالم الاسلامي"
ومكافأة لنشاط المفتي في نشر الأفكار النازية في الشرق وجمع المتطوعين والتجنيد في الجيش الألماني الإستعماري،تعهدت الحكومة الألمانية وبتاريخ 23 أذار من العام 1941 وبعد موافقة هتلر شخصيا على الاعتراف باستقلال الدول العربية بعد انتهاء الحرب.
ويقول د.آلان قادر في مقاله بعنوان مفتي هتلر : ولابد لنا من التذكير ان النازيين المسلمين المشار إليهم في أكثر من مكان كانوا متواجدين في ألمانيا،يسرحون ويمرحون فيها اثناء التسلط النازي، ولكنهم لم يتضامن مع أبطال المقاومة،بل ظلوا مخلصين للجلادين والقتلة النازيين.
ويردف قائلا :ومن يعتقد ان التعاون بين النازيين والأسلاميين العرب والنازيين وأدت تحت أنقاض برلين في العام 1945 فهو يجافي الصواب،لأن هذا التعاون والتحالف قائم إلى يومنا هذا والتنسيق مع النازيين الجدد في ألمانيا والنمسا وسويسرا جار على قدم وساق.فعراب النازية الجديدة والمسؤول عن هذا الحلف غير المقدس هو شخص سويسري يعيش في برن اعتنق الأسلام واسمه أحمد هوبر. وهو لايخفي مهمته في ربط الأسلاميين في أوربا مع النازيين الجدد وتوحيدهم في جبهة مشتركة.
ويعد النمساوي فولفانج فروهليخ القطب الثاني لتحالف النازيين الجدد مع الإسلاميين من مصر وسوريا وتونس وليبيا والقوميين المتطرفين في أوربا.
هذه لمحة موجزة عن القرابة الروحية والأيديولوجية بين النازية الألمانية بشكليها الكلاسيكي و الجديد والنازية العربية والإسلاميين الذين يشكلون خطرا جسيما على شعوب العالم بأسره،وان فضح هذا التحالف العدواني هو قبل كل شيء تقوية لمواقع الليبراليين والديمقراطيين العرب الذين يعانون بهذا الشكل أو ذاك من مظالم وشرور تلك القوى الظلامية التي تريد بعث النازية مجددا، تحت مسميات واصطلاحات مختلفة ولكن الجوهر يبقى نفسه:النظرية النازية الرمادية المعادية للحضارة البشرية والديمقراطية وحرية الشعوب ,وكم كان الكاتب الألماني بريخت على حق عندما حذر من خطر بعث النازية:"ان البطن الذي أنجب النازية مازال حبلى"
في المقال القادم سنوضح القواسم والأسس المشتركة بين النازية الألمانية وأيدلوجية الجماعة الإسلامية.