القاضي: لن نلتفت للصيحات والضوضاء التي تمنعنا من الوصول للحقيقة
أودعت المحكمة برئاسة المستشار محمود الرشيدي، وعضوية المستشارين إسماعيل عوض ووجدي عبدالمنعم، أسباب حكمها بعدم جواز نظر الدعوى المدنية، وقالت فيها إن الحكم الصادر في الادعاء المدني عقب قضاء النقض في الجنايتين، إنه بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة لما كان مستقرا عليه قانونا وقضاء، وإن كان الأصل بأن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى لمحكمة الإعادة بالحالة التي كانت عليها لتستأنف سيرتها من النقطة التي وقفت عندها قبل صدور الحكم المنقوض، إلا أن حد ذلك ألا تتعرض محكمة الإعادة لما أبرمته محكمة النقض من الحكم المنقوض؛ وحيث إن المحكمة بهيئة مغايرة وبعد أن قضت بحلسة 2 يونيو 2012 في الدعوتين الجنائيتين عقبت ذلك بإحالة الدعاوى المدنية المقامة أمامها إلى المحكمة المدنية المختصة بلا مصاريف على سند من المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية، لما ارتأته من أن الفصل في تلك الدعاوى المدنية يقتضي إجراء تحقيق، وإذ طعن على القضاء الصادر في الدعوتين الجنائيتين عن طريق النقض من كل من النيابة العامة والمحكوم عليهما محمد حسني السيد مبارك وحبيب إبراهيم حبيب العادلي، إذ قضت محكمة النقض بجلسة 13 يناير 2013 بنقض الحكم الصادر في الدعوتين الجنائيتين والإعادة لمحكمة جنايات القاهرة لتفصل فيهما دائرة جديدة، فأضحى على هذا النحو للقضاء الصادر بجلسة 2 يونيو 2012 بإحالة الدعاوى المدنية للمحكمة المدنية حجية بالنسبة لكافة تلك الدعاوى بالحقوق المدنية، وانحصرت ولاية المحكمة الحالية على الدعوتين الجنائيتين المطروحتين في الجنايتين رقمي 1227/3642 لسنة 2011 قصر النيل، باعتبار أن الدعاوى المدنية بصورها المتعددة قد خرجت من حوزة هذه المحكمة بسبق إحالتهم، ومن ثم فإن كان يجوز للمدعين بالحقوق المدنية أن يدعوا مدنيا أمام محكمة الإعادة من جديد لأن ذلك ليس إلا عودا إلى أصل الادعاء الذي سبق وأن قضى بإحالته إلى المحكمة المدنية، ويستوي في ذلك أن تكون تلك المحكمة قد نظرت ادعاءه وفصلت فيه أو لم تكن قد شرعت في نظره، فضلا عن أن طبيعة النقض بطريق النقض وأحكامه وإجراءاته لا تسمح بالقول بجواز تدخل مدعين بالحقوق المدنية لأول مرة في الدعوى الجنائية بعد نقض الحكم، بما لا تملك معه هذه المحكمة إلا القضاء بعدم جواز نظر الادعاء المدني بكافة صوره أمام هذه المحكمة لمن ادعى بالحقوق المدنية قبل قضاء النقض أو بعده، ولا ينال من ذلك القضاء الطلب المقدم من الأستاذ عبدالعزيز محمد عامر المحام، بصفته وكيلا عن المدعى بالحق المدني، وعمر أحمد شفيق سليم برد المحكمة والمرفق به صورة ضوئية من التوكيل العام الرسمي في القضية رقم 1949 لسنة 2011 المعادي، فإن ذلك المسطور وإن افتقد من القراءة الأولى لشكل طلب الرد وآية ذلك ما نصت عليه المادة 250 من قانون الإجراءات الجنائية، من أنه يتبع في نظر طلب الرد والحكم فيه القواعد المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، وقد اشترطت الفقرة الأولى من المادة 153 من ذلك القانون الأخير أن يوقع طالب الرد بنفسه أو كيله المفوض فيه بتوكيل خاص، وهو ما غاب في المسطور المقدم من وكيل المدعى بالحقوق المدنية، إذ أن الصورة الضوئية المقدمة والمنوه عنها آنفا لتوكيل عام رسمي وليس بتوكيل خاص يبيح الرد، كما أن هذا المسطور تجابهه أساسا القاعدة القانونية المقننة بالمادة 162 مكرر من قانون المرافعات المدنية والتجارية، والتي تنص على أنه إذا قضي برفض طلب الرد أو سقوط الحق فيه أو عدم قبوله أو بإثبات التنازل عنه لا يترتب على تقديم أي طلب رد آخر وقف الدعوى الأصلية، ولما كان المستقر عليه قضاء أن المشرع قصد من استحداث هذا النص بالقانون رقم 95 لسنة 1979 وعلى نحو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لذلك القانون من أنه علاج للحالات التي قد يعمد فيها الخصوم إلى تعطيل سير الدعوى الأصلية عن طريق طلبات الرد المتعاقبة، وذلك بأن جعل وقف السير فيها يقع بقوة القانون كأثر لأول طلب رد موجه إلى قاض ينظرها، فإذا قضي في هذا الطلب برفضه أو بسقوط الحق فيها أو بعدم قبولها أو بإثبات التنازل عنها فإن أي طلب آخر بالرد من أي من الخصوم ولو كان موجها لقاض آخر لا يترتب على مجرد تقديمه وقف السير فيها، وإنما يكون وقفها في هذه الحالة أمرا جوازيا للمحكمة التي تنظر طلب الرد، ولما كانت أوراق الجنايتين محل المحاكمة الجنائية تنطق بأن ذات المحامي كوكيل عن ذات المدعي بالحقوق المدنية تقدم بجلسة 24 سبتمبر 2011 بطلب رد المحكمة بالهيئة السابقة، وقضت محكمة استئناف القاهرة آنذاك برفض طلب الرد، فإن هذا الطلب الثاني بالرد من ذلك الوكيل أو غيره إن وجد يندرج تحت ما أسماه المشرع بالتعمد من الخصوم في تعطيل سير الدعوى الأصلية بطلبات الرد المتعاقبة، ومن ثم لا يوقف السير في الدعوى الأصلية إلا قضاء المحكمة المنظور أمامها طلب الرد الثاني بوقف الدعوى الأصلية استنادا لرخصتها الجوازية.
وبعد أن فرغت المحكمة من أعمال المبادئ القانونية المستقرة بقضائها المتقدم في مجال الادعاء بالحقوق المدنية، والمنظور أمامها، إلا أنه لا يغيب عن المحكمة بأن الرحمن قد اصطفاها لتستبين الحق وتسطره فيما بين أبناء الوطن جميعا، فمنهم ثلة من شباب الجيل الأطهار الثائرون وضباط وجنود من الشرطة والقوات المسلحة، نزر منهم فاضت أرواحهم إلى بارئها وينعمون الآن في الفردوس الأعلى، وجمع من المصابين سالت دماؤهم الزكية على التراب المقدس للوطن ينتظرون منا العدل ويتساءلون ماذا أنتم فاعلون لنا؟، وفي الطرف المقابل أبناء من الوطن يقفون وراء القضبان يتطلعون لمحاكمة منصفة إليكم جميعا ومعكم من تشخص أبصارهم لطود العدل بأننا لن نولي وجهنا عن العهد الغليظ الذي قطعته المحكمة على نفسها منذ الجلسة الأولى، ألا وهو التنقيب للوصول للحقيقة الموضوعية فهي مبتغانا ولن نحيد عنها ولن نلتفت لصيحات أو ضوضاء، فإعلاء كلمة الحق والعدل نبراسنا في الدنيا وهما حسابنا في الآخرة، ونسأل أبناء وطننا جميعا الدعاء لنا بظهر الغيب أن يجري الخبير العليم بأقلامنا الحكم العدل في الدعوتين الجنائيتين، ولهذه الأسباب قضت المحكمة بعدم جواز نظر الادعاء المدني أمام هذه المحكمة.