الأقباط متحدون - الفرق بين الدين والقومية
أخر تحديث ١٣:٤٤ | الثلاثاء ١٨ يونيو ٢٠١٣ |   ١١ بؤونة ١٧٢٩ ش   |   العدد ٣١٦١ السنة الثامنة  
إغلاق تصغير

الفرق بين الدين والقومية

بقلم: فاروق عطية
بعد أن انتهينا من دوامة جمع التوقيعات على استمارات تمرد التى وصل عددها لأكثر من عشرين مليون استمارة, وبعد صد غارات الأخوان المسممين وأنصارهم من المتأسلمين حتى يستولوا على هذه الاستمارات ليحرقوها, ولكن بعون الله وحنكة الشباب خاب سعيهم ولم يتمكنوا من شيئ سوى حرق باب المقر الرئيسى بحى معروف وكان المقر خاليا من الاستمارات التى تم الاحتياط وتخبئتها فى أماكن غير معلومة وآمنة. أصبح الآن الطريق معبدا ومفروشا بالورود للتخلص من الهكسوس وإنقاذ مصر الحضارة من تخلفهم وجبروتهم. ونحن فى انتظار 30 يونيو على أحر من الجمر حتى نحقق لمصر وشبابها حلم التخلص من القتلة والأفاقين والعودة بمصر لطريق اللبرالية والتقدم. خرجت من دوامة التمرد والخلاص ورحت أفكر فى أمر آخر طالما استولى على فكرى, وتساءلت بينى وبين نفسى لماذا نحن دائما نخلط بين الديانة والقومية ؟
 
فقد دأبت صحفنا العربية كما هو الحال مع ساستنا ونخبنا ومدعى الثقافة منا بنعت مسيحى مصر وحدهم بالأقباط, وهوخلط فادح لا أدرى إذا ما كان مقصودا أو عن جهالة. فكلمة أقباط أو قبط تعنى مصريون وهى منحدرة  من كلمة كوبت الأسم القديم لمصر, وتحولت فى الإنجليزية إلى ايجبت, والإيطالة إجتتو, والألمانية إيخبت. وقد ذكر الرسول (صلعم) المصريين قائلا: أوصيكم باقباط مصر لأن لنا فيم نسبا. فكل سكان مصر الحاملين لجيناتها فى كروموزومات خلاياهم وتربوا على ثراها وشربوا من نيلها كلهم أقباط. فمسلوا مصر هم أقباط مسلمون, ومسيحيوها أقباط مسيحيون حتى الأقليات مثل البهاءيين والشيعة هم أيضا أقباط ولهم نفس الحقوق لأنهم يؤدون نفس الواجبات حتى لو لم يكونون من أصل مصرى. فمن عاش على أرض المحروسة وأحبها وضحى فى سبيل رفعتها صار منا لحما ودما قبطيا مثلنا.
 
فمصر دائما كانت قادرة على صهر الغزاة الذي احتلوها واعتنقوا عاداتها وتقاليدها وتدينوا بدياناتها صاروا أقباطا مثلنا, على سبيل المثال اليونانيون الذين غزوا مصر بقيادة الاسكندر المقدونى عاش البطالمة بعده ملوكا أقباطا أى مصريين, ايضا العرب الذين جاءوا مع عمرو بن العاص وتزاوجوا فى مصر صاروا أقباطا, كما تحولت أسرة محمد على الألبانى (والى مصر من الباب العالى العثمانلى) إلى اقباط, ملوك أسرته أقباط يحبون مصر كما نحبها وآخر من حكم مصر منهم جلالة الملك المعظم فاروق الأول ملك مصر والسودان, الذى وافق على التنازل عن العرش بعد حركة الضباط, وكان قادرا على الرفض والاحتماء بالاستعمار الإنجليزى ولكنه تنازل  وصرح أنه يتنازل بمحض إرادته حتى لا تراق نقطة دم من دماء بنى وطنه. قارن بينه وبين من يريدون حرق مصر إذا أجبر مرسى على الرحيل..!!
 
      كما لفت نظرى بشدة إستمرار لغات قديمة مازالت تستخدم فى الحديث بالمنازل لبعض القوميات مثل الأثورية والكلدانية والبابلية والكوردية فى بلاد الرافدين, والأمازيجية والبربرية فى دول الشمال الأفريقى( ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وتشاد), والآرامية فى سوريا, بجانب اللغة العربية ( اللغة الرسمية للدول الناطقة بالعربة), ولكن لغتنا القبطية (الهيروغيفية والديموطيقية) قد انقرضت تماما بين الأقباط (هناك عائلة واحدة مصرية تتحدث القبطية), وأعتقد أن اللغة النوبية هى مزيج من القبطية والزنجية القادمة من جنوب الوادى. ولحسن الحظ قد حافظت الكنيسة الأرثوذوكسية على لغتنا من الضياع التام باستخدام اللغة القبطية فى الصلوات والألحان الكنسية وتدوين تاريخ شهداءها.
 
فى زمن الفراعنة كانت الكتابة بالصور وليست بالحروف مما صعب معه تداول كتابتها, وللتبسيط لجأت الكنيسة لاستخدام الحروف اليونانية بدلا من الصور, ولم تستخدم لحروف الرومانية كُرها فى الرومان المستعمرين الوثنيين الذين أذاقوا المسيحيين أقسى أنواع العذاب والتنكيل. والغريب أن اللغة القبطية كدراسة علمية تدرّس فى الجامعات والمؤسسات الأكاديمية لكثير من دول العالم المتحضر, ما عدا مصر..!!
 
وإننى من هذا المنبر أدعوا جميع أقباط مصر بالمطالبة بتدريس لغتنا الأصلية بمراحل التعليم العام والجامعى للحفاظ عليها من الضياع, بل والمحاربة من أجل النهوض والاعتزاز بها بجانب لغتنا العربية الجميلة, لأن لغتنا تؤكد قوميتنا المصرية التى نعشقها وندافع عن هويتها. وحتى يتم نجاح إعادة اللغة القبطية والتيسير على الدارسين أتمنى أن تقوم الكنيسة وكل دارس ومتعمق للغة القبطية ببذل الجهد لكتابتها بحروف انجليزية  لسهولة القراءة والنطق بدلا من الحروف اليوناية التى لا يجيدها طلاب العلم وحتى نضمن سهولة الإقبال على تعلمها, خاصة وقد انتفى الغرض من استخدام اليونانية الآن.
 
   وما ملأنى غيظا أيضا أننى أرى الدول من حولنا لها زيها الوطني الخاص بها ما عدا مصرنا الحبيبة لا زى وطنى لها, فللخليجيين العباءة والدشداشة والعقال, وللسودانيين الجلباب والعمامة, وللليبيين الزى الذى كنا نراه على الأخ الفقيد فى تنقلاته. وفكرت لماذا لا نعود لزينا الفرعونى الجميل, ونحمد الله أن أجدادنا قاموا برسم مفصل لأزيائهم على تماثيلهم وجدران معابدهم وقبورهم. على الأقل نبدأ باستخدام زينا الوطنى فى الحفلات والمقابلات الديبلوماسية حتى يدرك العالم مدى فخرنا واعتزازنا بمصريتنا. قلت لنفسى لماذا لا أبدأ أنا بتنفيذ هذه الفكرة؟  واقتنعت وخططت,  وذهبت لصديق مصمم أزياء وعرضت عليه الفكرة, فرحب مسرورا وفصل لى رداءا فرعونيا من الكتان باللون البيج وغطاء للرأس من الحرير المقلم باللونين الأسود والأصفر وحزام يربط على الوسط ويتدلى متسعا لأسفل من نفس قماش غطاء الرأس.
 
أعجبنى الزى ولبسته وأنا فى قمة الفرح والمرح, وخرجت إلى الشارع أستعرض زيى الوطنى متمنيا أن يعجب به كل من يراه ويحاول تقليدى حتى ينتشر ويعم, ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن, فبمجرد خروجى إلى الشارع التف حولى الصبية الصغار ظانون أننى معتوه أو قادم من كوكب آخر, مهللون صائحون وهم يلتفون حولى: العبيط اهو.. المجنون اهو. أصابتنى الكآبة والإحباط لهذا التصرف المشين من أقباط صغار لا يعرفون شيئا عن قوميتهم المصرية وزيهم الوطنى, وصحت بهم وأنا أحاول إزاحتهم من حولى: ابتعدوا يا أولاد الأفاعى..!  وفى محاولتى الاندفاع بعيدا عنهم, استيقظت على صوت ارتطام جسدى الواهن أسفل السرير متأوها من الألم, وأم العربى تبسمل وتحوقل متحسسة عظامى داعية الله ألا يكون قد أصابنى مكروه....

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter