الجمعة ٢١ يونيو ٢٠١٣ -
٠٢:
٠٥ م +02:00 EET
بقلم: القمص أثناسيوس فهمي جورج
قديسان من عصرنا؛ عرفنا تفاصيل حياتهما؛ بل وهناك مَن عاش معهما؛ وجمع منهجيًا معلومات وأقوالاً عنهما. ففي حياتهما وبعد رُقادهما ظهرت أعمال ومنجزات وعجائب وظهورات هي علامات للقديسين؛ لأنهما كانا موهوبيْن بالنعمة الإلهية عامليْن بها، وفي النهاية لا يستطيع أحد أن يمنع الصوت الإلهي.. فقد حازا ثقة الشعب وحبه كصدى لليقين السماوي.. وقد تجمّعت حولهما الشهادات التقية الموثقة؛ عن أفعال النعمة الإلهية في حياتهما وسلوكهما الطاهر؛ الذي كان أعظم ضمانة لاستقامة رأيهما؛ والتي ما كان لها أن تبقى مخفية تحت المكيال، لذا وُضعت على المنارة لتضيء لكل مَن في البيت (الكنيسة)، وأعمال سيرتهما تجمعت ككنوز روحية؛ طردت ظلام الجهل؛ وكنست المكان بمكنسة التواضع؛ وأعادت الأمجاد.. فتراكضت على البابا كيرلس الجموع من أجل نوال البركة والصلاة والتسبيح والسهر والتجرد وأعمال الشفاء والقيادة الروحية وعِشرة القديسين...
وكانوا قد تراكضوا من قبل نحو الأرشيدياكون حبيب جرجس من أجل التعليم والتلمذة والتربية والتأليف والتكوين والنهضة والإشعاع الروحي كشعلة من نار بالعضد الإلهي..، وكلاهما أخفيا الكثير من ثمرة الروح الحلو، حافظيْن التقليد؛ وهما لا زالا يعملان حتى الآن في لُجة الحب الإلهي ويضيئون مثل الشموع أمام ابن الله.
فاح عبير سلوكهما وجهادهما ومسيرة حياتهما؛ بالقداسة والتقوى وكانا قدوة وأمثلة حية للإنجيل المعاش؛ ومنهجًا تعليميًا للحياة الروحية المستقيمة.. طُعِّموا في المسيح وتمثلوا به، لذا نظرت الكنيسة إلى نهاية سيرتهما كي نتمثل نحن بإيمانهم (عب ٧:١٣). ففي جلسة المجمع المقدس للكنيسة القبطية؛ المنعقدة في ٢٠ يونيو ٢٠١٣ وفي عهد البابا تاوضروس الثان ال ١١٨ تم تقنينهما كقديسيْن وإعلان طوباويتهما ضمن (مجمع قديسي الكنيسة) الذين هم أحباء الله القدوس ومَلِك القديسين.
ولتقنين القديسين معانٍ ومعايير في كنيستنا؛ إذ أنها مختصة بأولئك المطوَّبين الذين تميزت سيرة حياتهم بالفضيلة والاستقامة والمعرفة في أعلى وأنقى صورها، فتأتي متحققة من اشتهار قداستهم بإجراءات دقيقة لاحقة وموثقة، للتأكيد على أنهم أحباء وخُدام وشهود لله، أحياء عند إله الأحياء، وسيرتهم تكون سببًا في جعلهم مستحقين للتكريم، فتُشيَّد على أسمائهم المذابح؛ ونتسمىَ بأسمائهم لنتمثل بهم؛ ونحتفل بتذكاراتهم ضمن سنكسار الكنيسة (كتالوج حياة وسِيَر القديسين)، كي نُعان بصلواتهم مع أولئك الذين تكملوا في الإيمان بالمسيح منذ البدء، سائلين صلواتهم وشفاعاتهم وتوسلاتهم عند ربنا وربهم ورب كل أحد.
إن إعلان قداسة البابا كيرلس السادس رجل الصلاة والمعجزات؛ وكذلك إعلان قداسة الأرشيدياكون حبيب جرجس رائد النهضة التعليمية الحديثة في كنيستنا؛ لَعملٌ كنسي ذات دلالة؛ على أن الكنيسة أمنا كنيسة وَلوُد؛ وأن حياة البر ليست حِكرًا على الاكليروس؛ وهي ليست مرتبطة لا بزي ولا بشكل ولا برتبة ولا بمكان ولا بزمان... لأن العبرة ليست بعدد الوزنات؛ لكن فيمَن تاجر بها وربح.
أعمالهما قد تبعتهما وأظهرت مجد الله العجيب فيهما؛ وكشفت عن قداستهما اللامعة التي تبرهنت على مدى السنين بشهادات روح الآباء والسلوك اللائق بالقديسين؛ والذي يمكن لكل مؤمن أن يدرسها ويقتفي طريقها؛ فتستنير حياة المؤمنين وتُثرىَ؛ وتغتني بخبرات معايير القداسة القانونية كما اختبرتها الكنيسة الأولى.
إن الكنيسة تحثنا كي نذكرهما ونسلك على أثرهما؛ ونقتفي طريق جهادهما بالدم والعرق والتغصب والتفتيش، متقوّين بنموذجيهما لنسلمه للآتين من بعدنا.. فتذكارهما شهادة شكر لله الحي من أجل عمله في وسط السنين؛ لأن عصر الآباء لم ينتهِ؛ لكنه مستمر بديمومة لا تنقطع إلى الانقضاء، فكما كان هكذا يكون من جيل إلى جيل.
لقد صار تقنينهما تأكيدًا وتصديقًا لليقين الشعبي على قداستهما؛ واعترافًا كنسيًا مجمعيًا ليكون تكريمهما ليتورجيًا؛ الأمر الذي له حيثياته ومعاييره؛ كي يكونا مثبتيْن على مدى الجيال (زمنيًا)، وذكرهما أبديًا في الكائنة من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها (مكانيًا وجغرافيًا). وهما إلى الآن يعملان ويشفعان عنا حتى نكمل سيرتنا، وقد ابتهجت الكنيسة كلها وتهللت بقرار تقنينهما وبمطابقته لمشيئة الروح القدس، وبالقبول الشعبي بالوعي الروحي المناسب.
فبمنتهى الجلاء قد عرفنا جميعًا ولمسنا الحياة المليئة بالفضيلة التي لصاحبي هذا التكريم؛ ودورهما العام في حياة الكنيسة المعاصرة؛ وما أدوه بفضيلة عالية كشهداء بدون سفك دم؛ وبجهاد في مِيتات كثيرة وعبور فصحي بلا توقف؛ وموت مُحيي (استشهاد نسكي وعملي طويل الأمد). ولقبهما التكريمي وذكرهما الليتورجي قد أدخل الفرح والسرور على قلوب ملايين الأقباط في العالم كله؛ من عارِفي فضليهما.. الذين أحاطوهما بكل الإعزاز من أجل ثمرهما السماوي. ومن اليوم سنشارك في تذكاريهما كأمر الابن الوحيد.. ونطلب معونتهما لأن الرب قد عظم الصنيع معهما؛ بعد أن مجدوه وخدموه وأكرموا اسمه وعرّفونا به، كاشفين لنا بحياتهم وجه المسيح المريح العجيب؛ بصبره وتدبيره وبخيط الزنار الذي لفّا به حزمتهما الروحية بإحكام.