يحدث بعد الثورات العنيفة، أن تنهار المؤسسة العسكرية فتتمزق صفوف الجيش ويفقد سيطرته على مخازن السلاح والعتاد، وعلى الفور تندفع جماعات من البشر لتهاجم هذه المخازن وتستولي على ما فيها لتبدأ بعد ذلك معارك الهدف منها هو السيطرة على بقية الفرقاء، في حالة واضحة للتنفيس عن عدوان طال كبته وبحثا عن قوة افتقروا إليها طويلا، أما الأذكياء بينهم فلا ينشغلون بالقتال بل بالتهريب، يبدأون على الفور في البحث عن زبائن من الميسورين يبيعون لهم المدافع والصواريخ والذخيرة، كان هذا واضحا في الحالة الليبية، غير أن مصر والحمد لله لم تتعرض لذلك لتماسك المؤسسة العسكرية وقدرتها على الصمود في مواجهة الأحداث التي قضت على النظام. غير أن شيئا شبيها بذلك حدث، حدث هجوم كثيف على مخازن القوانين والتشريعات، حدثت لها عملية نهب منظمة، كل جماعة مهاجمة استولت على القوانين والتشريعات اللازمة لمهاجمة الجماعات الأخرى، وحتى الآن وعلى الرغم من سخونة المعركة وضراوتها، فإن أحدا من هذه الجماعات المتناحرة لم يصب بسوء، الضحية الوحيدة كان الشعب المصري، الذي تنهمر عليه صواريخ هذه التشريعات من كل العيارات، ثم التشريعات المضادة، ثم التشريعات المفسدة للمضادة ثم المعدلة لها ثم المبطلة لها جميعا. هي بالفعل جماعات مقاتلة يلعب فيها أساتذة الجامعات دور الجنرالات. شاهدهم على شاشات التلفزيون وكل منهم يخرج قانونه من غمده ويطعن به الآخر أمام الكاميرا، فيزوغ منه بحركة رشيقة ويخرج من جيبه تشريعا ينزع منه مسمار الأمان بأسنانه ويقذفه به فينفجر في وجهه غير أنه يتماسك ويخرج بخاخة قوانين صغيرة ويبخ بها وجه الجنرال الآخر الذي يصرخ.. آه.. آه عيني.. فيصيح به الجنرال الآخر.. لا تقاطعني.