محمد حسين يونس
في بلاد الواق الواق .. يقدمون إلي جانب العلوم بالمدارس.. العمل الفني و المتحف و المسرح و فرصة للتبحر و الفهم .. عن طريق الكتاب .. سواء كان متخصصا أو مبسطا .. و الطالب علية عمل ابحاثة و دراساته التي تتيح له الإبحار .. إلي المياة العميقة دون تابوهات أو موانع ....

هذا هو ما كان يفعله الرواد في صدر شبابي .. لقد كان سلامة موسي و عباس العقاد .. كلاهما لم يتجاوز في تعليمة المرحلة الإبتدائية .. و لكنهما بالتثقيف الذاتي كان كل منهما قادر علي الخوض في علوم وفلسفات و فنون .. لم يكن يعلم عنها خريجي المدارس الكثير.

فإذا ما إفتقدنا للقيادة المستنيرة .. و كانت مدارس اليوم و الجامعات .. لا تقدم لأبنائها إلا القليل من العلم و المعرفة .. أو فلنقل عناوين المواضيع ..فإن الفن و الثقافة و مؤسسات المجتمع المدني و المبادرة الذاتية والجهد الفردى .. قد يغطي ما عجزت عنه الحكومات .

التثقيف الذاتي و إمتلاك أكثر من لغة .. وتنمية المهارات العصرية كلها أدوات الخروج من الركود الأسن.

السؤال من الذى سيقوم بوضع الجرس في رقبة القط
الشاب الذى ولد و في فمة معلقة ذهب .. لم يتميز وينتج و ينافس في السوق العالمي .. رغم أن لدية كل الإمكانيات التي من المفترض أن تضمن له تفوقا ..

أبناء وبنات الرؤساء (جمال و السادات و مبارك )..أبناء رؤساء الوزارات و البرلمانات و المحافظين ومديرى الجامعات ..

أبناء أساتذة مراكز البحوث و العلماء .. و الفنانين الكبار ..ورجال الأعمال ..و قادة الشرطة و القوات المسلحة ..أين هم!!

إذا تتبعت سيرة حياة عدد من هؤلاء المحظوظين فالغريب أنك قد لا تجد بينهم من جاء أداؤة أفضل أو في مستوى أبيه ..إن الأغلبية أطلقت علي نفسها (بزينيس مان ) و تعمل في السمسرة وشركات (الريال ستيت ) و المقاولات أو في إدارة وكالات بيع الماركات العالمية ..و الخيبان ستجده (خبيرا إستشاريا ) عند أونكل في الوزارة بمرتبات خيالية ..
.
ما السبب في أن الطفل و الصبي أو الصبية الذى نال أفضل تعليم بالداخل و الخارج .. و تيسرت له سبل التمويل الكافي .. و تم حمايته من غيلان البيروقراطية المعوقين ..أو منافسة زملاء الدراسة والعمل ..يجيء إنتاجه في النهاية .. إن لم يكن متوسطا .. فهو لا يرقي لمستوى الإبهار و المنافسة .

هل الحماية الزائدة كما يقول علماء النفس .. لها عيوبها التربوية و أن الشاب الذى يسير في ظل أهله يعاني من مشاكل سلوكية تجعله مغرورا ، أنانيا ، محدود الذكاء ، متعافي ، فارغ من الداخل ، نمطي غير مبتكر يعتمد علي نفوذ العشيرة في إنجاز مهامة .. و قد يكون ضحية سهلة لتجار المغيبات سواء كانت فكرية أومخدرات فعلية .

أم أن الشاب الغني حتي لو بدا ناجحا إجتماعيا .. فنجاحه مبني علي علاقات إنتهازية من المحيطين به كما كانوا يبررون لنا أسباب التلف الأخلاقي للملك السابق فاروق ويرجعونه لنفوذ حاشيته محدودة الكفاءة .

هل حققوا إنجازا إقتصاديا و كان نجاحهم نتيجة لخبرة و دراسة و تجربة أم إنه يحمل علامات و شبهات من لا يورد لخزانة الدولة الضرائب التي تجبي من الغير بقسوة، أو لا يوفي بالإلتزامات التي يرتبط بها الاخرون، أو لأن لديه القدرة علي معرفة أسرار غير متوفره للعامة فيتلاعب (مثلا ) بالبورصة ..أو يكسب الملايين بتخزين سلعة قبل رفع أسعارها .. أو يغير القوانين و يستورد دجاج معفي من الجمارك

أبناء أصحاب النفوذ و الثروة في المجتمعات التي لا يحكمها القانون .. و يكفل المساواة بين المواطنين .. و يعلي من قيمة المنافسة ..و تداول السلطة سلميا .. هم رغم نموهم الجسدى يظلون أطفالا غير ناضجين .. يسعون إلي ترف إستهلاكي .. و متع وقتية .. و سيطرة متلفة ضارة علي مصادر الثروة .. ويظهرون عدم الإنتماء لوطنهم بقدر إنتماؤهم لذويهم .. أو ببساطة يقعون بسهولة في سلوكيات الكومبرادور الطفيلي .

ستراهم اليوم في خمارات الفنادق الخمسة نجوم يتزوجون و يعقدون الصفقات و في كازينوهات الساحل أو الجونة أو الغردقة ينفقون بسفة..و سترى عرباتهم تتحرك بنزق .. و ملابسهم مستوردة من جميع بقاع العالم فيما عدا بلدهم .

ستراهم و هم يشترون العقارات بملايين الجنيهات دون أن يجفل لهم رمش .. و يضاربون في السوق بأسعار الأراضي و المنشأت .. و يتكالبون علي السكن في محميات مرتفعة الأسوار و يتزوجون بعضهم بعضا .. ثم ينفصلون بعد شهور من الفرح بعد أن ينفق بابا علي إقامته الملايين .

كريمة هذا الوطن فاسدة .. أتلفها التدليل.. و من منحهم فرصة و تميزا لا يستحقونه.. ومن تسبب في كسبهم لأموال سهلة .. يبعثرونها .. كما لو كانوا من أمراء الخليج .. و أباطرة البترول.

لماذا لا يحدث هذا في بلاد الواق الواق ..
لأن الطبقات هناك إستقرت و لم تعد تعاني من الزلازل الطبقية التي شهدتها بلادنا منذ إنقلاب البكباشية و عندما يحدث صعودا طبقيا لأحدهم لا يحدث بالصدفة.. كما هوحال (النفو ريش ) في بلدنا ..

الطفل هناك سواء كان إبن ملك أو صعلوك .. يعامل علي أساس أنه ثروة قومية عليهم الحفاظ عليها و تعليمها و تدريبها .. حتي تصبح قوة منتجه فعالة . ومع ذلك فإبن صاحب ( الكوربريشن) الصناعي في مرحلة بعينها يتدرب و يتعلم ..و يؤهل ليكون مديرا جديدا يطورالأداء و صاحب رؤية معاصرة أفضل من أبيه .

وهكذا كان حال إبن الإقطاعي صاحب الأرض في زمن سابق ..فهو عند مرحلة ما يبدأ تدريبة علي أن يسلك نفس السلوك الذى كانت علية أسرته ابا عن جد عن جد جد ..و يكتسب خبرات و حكمة طبقته بحيث يستحيل أن يصعد فجأة إبن الجنايني ليتولي إدارة العزبة .

ومع ذلك فمن حق أى مواطن أن يغير مساره الطبقي بجهده .. بالعلم و التدريب .. و الإبتكار .. و الإندماج في مجتمعه يصعد خطوة خطوة من خلال آليات عمل إجتماعي في وحدات القاعدة ينتهي به لأن يشغل أكبر منصب سياسي لو كانت لدية أو لديها الكفاءة لان يختارة الناخبون .

في بلدنا الطرق بين الشرائح الطبقية المختلفة أصبحت مسدودة.. بأبناء من يجلسون علي كراسي اتخاذ القرار ..و لا توجد أحزاب يسمح لها بتداول سلمي للسلطة .. فلا يبق علي المداود إلا أنصاف المتعلمين...من محدودى الكفاءة إن لم يكن منعدميها .و تتدهور البلاد .. علي كل درب من دروب الحياة .

لهذا عندما نتكلم عن المواطنه المتساوية .. و الفرص المتساوية .. فإننا لا نحلم مرددين شعارات الثورة الفرنسية ( حرية أخاء مساواة ) التى غيرت أوروبا و كفلت لها الأمان لتتطور سلميا.. بقدر ما نأمل .. أن نسير علي نفس الممر ..و هو الأمر المطروح علي أى مجتمع يريد أن يكون له دورة في تقدم البشرية (( باكر لنا حديث أخر )) .