محمد حسين يونس
الفهم البسيط للأية الكريمة (( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَاَ فأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا))...أن الله سبحانه .. أوجد (النفس ) .. و هي ظنا تلك الخاصية التي تميز الكائنات الحية عن الجمادات بمعني النبات و الحيوان و الانسان .. وقد نضم لها ما لم يكن معروفا في ذلك الزمن .. من البكتريا و الجراثيم المتعددة..وأنه سبحانه (سواها ) قادرة علي إستقبال الاشارات الربانية أى (الالهام ) الذى يجعلها تسلك سلوكا (فاجرا ) او (تقيا ) طبقا لهذا الالهام.

المصريون القدماء كما ذكر الاستاذ الدكتور ثروت عكاشة في موسوعته الفن المصرى الجزء الاول صفحة (198 ) (( إنتهوا إلي الاعتقاد بأن جسم الانسان له ظاهر وباطن .. وأن الظاهر هو الجسد و أما باطنة فقلب (عقل ) و (نفس ) و بهما تتم حركة الانسان و رمزوا (للنفس و العقل ) بطائر له رأس إنسان وذراعان وترى صورته علي القبور و في توابيت الموتي يظل المومياء مادا لها بإحدى يديه شراعا منشورا وهو الرمز المصرى للهواء أو (النفًس ) مادا بيده الاخرى شارة هيروغليفية ترمز للحياة .

وكانوا يسمون هذا الطائر الذى لا يظهر إلا عند موت الانسان ال(با) .. وكان المصريون يعتقدون أن الانسان يبقي بعد موته علي صورته الجسدية التي كان عليها في الدنيا ))

أى أن الفارق بين الحياة و الموت هو وجود (البا )أو النفس داخل القلب من عدمه

(فالنفس ) التي يقسم بها صاحب الجلال كانت هكذا معروفة للقدماء ونستطيع تتبعها عند الهندوس وفي البوذية. واليهودية وعند الفلاسفة اليونان و المحدثين و الجميع يرونها بصورة أو أخرى علي أساس أنها معجزة يختص بها الاله (غير ممكن إستحداثها ) وتحمل كل القداسة والتقدير لانها للكائن حياته و بدونها سيفني

من هذا يمكننا أن نقول بقدر ما من اليقين أن النفس (عموما ) كما جاءت في تراث البشرإنما هي من تصميم وقدرة انتاج الارادة الربانية .. التي جعلت منها قابلة لان تتلقي (الالهام ) و الذى لم يكن دائما (تقوى ).

النباتات .. و البكتريا .. لها (نفس) ولكن ليس لديها ما هو فاجر أو ما هو تقي .. بشكل عام إلا إذا قسنا هذا بإنعكاس سلوكها علي باقي الكائنات .. فقد تصبح مفيدة و دواء.. و قد تكون هي الداء.

أما الحيوان فإن ( نفسه) تتحرك تحت تأثير عاملين ..أحدهما الرغبة في البقاء (حيا ).. بأن يجد الماء و الطعام و الامن و الدفء.. ولكل ( نفس حيوانية )وسائلها التي تم تصميمها علي أساسها .. و العامل الاخر هو إستمرار النوع .. بالتكاثر .. والذى له أيضا قوانين مختلفة .. و لكنها تدور حول ذكر و أنثي .. وإجتماعهما .

و الحيوان في هذا لا يوجد لديه أى قياسات للفجر أو التقوى أيضا .. والاشارات التي تصلها كإلهام غريزى من الخالق تدور كلها حول (أكون أو لا أكون ) الشكسبيرية

يبقي الانسان الذى يتطابق مع باقي الكائنات في كون (نفسه تجاهد في سبيل التواجد و الاستمرار الغريزى) ولكنه يختلف كثيرا عن باقي الكائنات في كونه يمتلك عقلا .. وقدرة علي مراكمة الخبرات .. و إسترجاع التاريخ .. و يتعامل مع المنطق و يستخدم لغات رمزية تجريدية يوضح بها ما بداخلة فيفهمة الاخر و تقوده(اى رموز اللغة ) الي العلوم و إبداعات الفنون ..

وهو يتلقي أيضا إلهام الخالق ولكن بصور متعددة تفوق الحس الغريزى منها المخاطبة والوحي ..و ما خفي من أساليب إلهام( ميتافيزيقية )غير محدد كيفية إنتقالها من الذات العليا للبشرتحمل إيحاءات تجعل سلوكهم فاجرا أو تقيا .

و هنا سنصطدم .. بمعني الكلمتين .. هل هما المعادل للشر (كفجور ) و الخير (كتقوى ) أم تشيران للسلوك (الشاذ عن المجتمع ) و السلوك ( القويم المتفق معه )..أم هما الكفر و الايمان .. الحق و الخير .. وعكسهما كباطل وبغي و عدوان .. أم كل هذه الكلمات التي قدمتها لنا الفلسفة الحديثة ولازلنا نحاول وضع قياسات لها دون جدوى.

ثم هل (الفجر و التقوى) مفاهيم ثابته منذ بداية الحياة لاتتغير وتسير طبقا لاسس غير مذكورة في النص و لكنها موضحة في نصوص أخرى تعكس تعاليم و إرادة الرب ..فمن يتبعها يصبح (تقيا ) و من يخالفها يصبح (فاجرا ).

ثم هل يمكن الانسان الذى تتلقي روحه الالهام ..أن يمتنع عن إتباع هذا الالهام ..أى هل هو مخير في مخالفة الهام الخالق .. أم ستكون هذه المخالفة إلهاما أخر ينسخ ما قبلة.

في الواقع .. ولاننا لدينا القدرة علي الفهم و التعامل مع التاريخ ودروسه سنجد أننا لو قارنا (الفجور) المقصود في النص منذ أربعة عشر قرنا بما هو واقع من (فجور )اليوم و إذا ما وحدنا مسطرة القياس .. وهي بداهة مدى الاضرار بالكائنات الحية والبيئة المحيطة..فقد يكون الاول بسيطا غير مركبا بالمقارنة بقدرة إنسان العصر الحديث علي إحداث أضرارا قد تؤدى إلي تدمير الكوكب.

و إذا كان البشر في السابق يحاربون لشهور و تكون النتيجة تدميرمنشأت قرية صغيرة و قتل مائة او الف من الاعداء.. فهل هذا يتساوى مع من يأمرون الان فيضغطون علي مفتاح صغيرة فتنطلق الصواريخ و القنابل تزيل في دقائق ملايين البشر و تنهي تواجد أقطار وبلاد كاملة .

كيف يلهم الله عبادة بأن ينتجوا مثل هذه الادوات الشريرة في إطارفجورنفوسهم... و هل هو بذلك فجورا جمعيا .

ان الرب الذى سوى هذه الروح وجعل التسبب في إنهاء تواجدها جرم لا يغفر.. هونفسة الذى برأ أرواح الجناة لانه يلهمها (فجورها ) الدائم و المستمر أو الوقتي و المتغير الضار بالانسانية و الوجود.

العالم الان أصبح قرية صغيرة بواسطة وسائل الاتصال .. و النقل ..ولم يعد شيخ القبيلة يفرض قوانينه علي أبنائها .. و أصبحت الاعمال الشريره مؤثرة و تطول أكثر البشر بعدا عن مكان حدوثها .. و أصبح علي البشر أن يتفقوا علي معني الفجور و التقوى .. الخير والشر .. السلام و العدوان فالتقوى التي كانت شائعه في زمن الرسالة أصبحت في الغالب طبقا لتطور منطق البشرأ مختلفة المعني ومتباينة عنها منذ بداية الانسانية .

ولاننا في مأزق( كون النص المقدس سبق بالفجورعلي التقوى )..ومع وجود البعض منا الذى يدمر و يسرق و يرهب و يزاول فجورا مقننا بفتاوى الكهان علي أساس أنها طقوس طاعة الرب فلقد أصبح من الضرورى أن نعدل من قرأتنا لمعاني الفجور و التقوى لننهي الاختلاف في الفهم و نصل الي تمييزعصرى محددين فيه من منا الاثير عند ربه الذى يلهمه بالتقوى هل هم (الذين يتعاونون علي البر و التقوى ) فيخففون من الام البشر و ينشرون المحبة و السلام .. ويطورون من أدواتهم العلمية والفنية و الفلسفية .. أم من ( يتعاونون علي الاثم و العدوان) يقتل و يذبح ويدمر و هو يصيح (الله أكبر )

إن الذى يعمل علي تخفيف الام البشر مهما كانت عقيدته أو درجة إيمانه هو الاحق بأن يكون الاكثر تقوى و الاقرب إلي الله سبحانة يلهمه بخير البشرية وله في خلقه شئون.

الارتكان إلي أن الله يلهم البعض ويسهل لهم تخطي المتعارف عليه من القياسات الانسانية كان دائما وسيلة الظالمين و تعزية المصابين( كإرادة للرب ) منذ أن وقف تيمور لنك علي مشارف دمشق ينظر للالاف الاطفال من أبناء الامة المهزومة الاسرى .. ثم يأمر بسوق الخيل عليهم فيقتلهم عن بكرة ابيهم ثم عندما يرجع إلي رفاقه يقول (( إنتظرت أن الله ينزل علي قلبي فيهم رحمة فما نزل )) ثم تلي هذا بتصريح نموذجي لسلوك الديكتاتور الذى يختفي تحت عباءة الدين.

((أنا غضب الله في أرضه يسلطني علي من يشاء من خلقة )) و يغسل بذلك يداه من دم الضحايا المسالمين .

الله خلق النفس وسواها ولكنه خلق أيضا للانسان عقل .. يجعلة يفرق بين ما يرضي عنه الاله .. من محبه و خير و تكافل وسلام .. وما يغضبه من عدوان وإرهاب و سبي وقتل .. وإغتصاب ....((وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)) صدق الله العظيم