محمد حسين يونس
عندما قال سيادة الرئيس محمد مرسي (( و ما أدراك ما الستينيات ))..كان مصدوما مثلي في الصورة التي كونها ذاتيا ولم تتحقق لعبد الناصر

صورة يشبه فيها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أو القائد المغوار صلاح الدين أو الشيخ العاقل سيد قطب .. فهو إبن الفلاح المعدم الذى إستفاد من قوانين الاصلاح الزراعي بحيث صبر علي تعليم ولدة حتي أصبح مهندسا فمبعوثا إلي أمريكا ثم دكتورا مهندسا .. وكان من المفترض أن يسبح ليل نهار بفضل يوليو و عبد الناصر

و لكن عكس ألمتوقع قد يدهشك مقدار نكرانه للجميل ..الذى أصبح .. سلوكا سائدا بين أبناء المعدمين الذين صعدوا للصفوف الأولي بسبب دعم عبد الناصر .

لقد تابعت هذا الموقف مع العديد من الاصدقاء او المعارف الذين إستفادوا من إنحياز عبد الناصر الشعبي فوجدت أنهم من أكثر المهاجمين ضراوة لما حدث في الستينيات ..

لماذا ... ؟ لان صورة عبد النصر الذى في مخيلتهم لم تتحقق هي وعدالته الاجتماعية..

بينما معارفنا الذين أضيروا .. حزنوا قليلا بعد التأميم ثم توقفوا عن النواح و إستعادوا بسرعة مكانتهم في المجتمع ..من خلال سراديب الثورة الخلفية لانهم كانوا يرون جانبا أخر لم ندركة أنا و مرسي من ثورة الاحرار و هو أنها لا تزيد عن أن تكون تنفيسا إنقلابيا مسلحا من البرجوازية الصغيرة لتجد لها مكانا في السوق بين الكبار .

عبد الناصر لم يكن جيفارا و لا هوشي منه .. و لا ماوتسي تونج .. و لا أمير المؤمنين أو الناصر صلاح الدين .. لقد كان ببساطة عبد الناصر الذى يستحق أن نراه علي صورته الواقعية .. و ليس كما تخيلة (أو تمناة ) كل منا .

كنت أود أن يقرأ الاحفاد حقيقة ما حدث بعيدا عن تلفيقات أصحاب الهوى من الانتهازين و المضارين و الذين في قلوبهم مرض أو السلفيين و الاخوان المسلمين..أو عملاء أمريكا و السعودية و اسرائيل أو من سار علي درب ابتغاء الفضل من صدقة الدولارات و الريالات و الدنانير .

و لكن يبدو أنه لم يبق علي مداود الناصرية الا تلك الاصوات التي تملأ دفاتر التلاميذ بالتراهات و تبث سمومها من خلال فضائيات التلفزيون ومحطات الاذاعه و أجهزة الاعلام التي اشتراها ملوك الجاز بعد أن قام زمن ردىء دام لاربعة عقود باقصاء من كانوا علي دراية و فهم و من كانت الحقيقة( ماعت ) دليلا لهم و الخلق القويم و الاستقامة(تحوت) دستورهم .. ليعتلي ظهر مصر من حذر رسول الاسلام ( صلعم ) من خطرهم اذا ما تلقوا العلم و تحكموا في الرقاب و الاقدار.

كنت أرجو ألا يكتب عن مصر( منتصف القرن الماضي) المحترفين من الذين أخرجهم نظام يوليو من عشش الكفور وكتاتيب القرى و حارات العشوائيات و فتح لهم مجانا المدارس ، الجامعات ، و بعثات التعليم بالخارج ومكنهم من احتلال مراكز القيادة التي كانت حلما بعيدا لم يراود الاباء و الاجداد من عبيد الارض..

فأرتدوا علي تاريخ الوطن يقلبون الحقائق ، يدينون رموزه و أبطاله ، يخرجون رفات القتلة و السفاحين النجسه من القبور ليحيطونها بورود التكريم و اكاليل الغار بينما ترقد جثث ابناء مصر البرره في أضرحه مهجورة مهملة أقرب للخرابات .. متجاهلين حقيقة أنه لو ضباط يوليو 52 (كانوا) قد طبقوا التعاليم التي يبشر بها نجوم الدعاة السلفيين من فرض سنن الاولين لما غادر الاطباء و المهندسون و رجال الاعمال ذوى اللحي الطويلة و القصيرة - بما فيهم المرشد - كفورهم و قراهم و لظلوا بجوار الاباء يسوطهم صاحب الارض الاقطاعي مع أى بادرة كسل او تملل .

مرت عقود طويلة من الزمان عقد خلف الأخر .. والحال علي ما هو علية ..ففي يوم 23 يوليو من كل سنة أثناء الإحتفال .. تتكرر نفس الخطابات و تعرض نفس الافلام السنيمائية التي صورت لتمجد ما حدث منذ 68 سنة ..

إستمر الشو حتي في أصعب الظروف بعد أن عادت الرأسمالية الطفيلية تحتل مقاعد الصدارة ..أو بعد التغييرات الاجتماعية و السياسية .. و النكسات العسكرية و أصبح لا مكانا لها من الاعراب .

هذا العجز عن الخروج من شرنقة (إنجي و علي ).. التي نسجت حول عقولنا .. لم يسمح لان يتعرف المصريون علي خطابات أخرى تحمل تحليلا أكثر حيادا ، علميا، تاريخيا ،موثقا ( رغم وجود العديد من المستندات و الوقائع بحوزة بحاث اليوم ) .. لهذا لم يتفق المصريون خلال نصف قرن .. هل 23 يوليو كان يوم فخار وعزة و مجد .. ام كان بداية الانحدار والتخلف والنكوص بسبب ديكتاتورية الضباط .. بعيدا عن حركة الانسان المعاصرالمتسارعة.

إستعراض مساحات الفشل والنجاح للسلطة التي إستمرت في التسلط علي المصريين و عقولهم - رغم ما تقوم به من تغيير لوجوهها وسياساتها لم يتوقف خلال سبعة عقود - هو عمل يحتاج لجهد مؤسسي غير منحاز وليس علي جهد قاصر النظر لفلان أو علان بما فيهم (أنا) ...الذى يرى أن كلمة نجاح علي كل المستويات لم تتحقق .. إذ .. قد تكون غيردقيقة مع الهزائم و الديون و التدهور الذى نعيشه ..

فما شاهدته .. منذ ذلك الزمن و حتي اليوم سلسلة متماسكة من حلقات الفشل المترابطه التي تسلم فيها كل حلقة ما تتلوها اوزار الحلقات السابقة علي هيئة أطنان من المشاكل و الخيبات التي تثقل كاهلها .. و تضيق الطريق أمامها .. حتي تسلك مسارا .. وحيدا إجباريا .. لا بديل له ترسمه لنا القوى (الخارجية) المسيطره علي الكوكب الازرق.

(( نكمل حديثنا باكر ))