محمد حسين يونس
2 - ((هذا النظام الكهل .. هو نفسه ذاك الطفل )) فلنتأمل المشاهد المتتالية الا تحمل نفس الملامح.

التعامل مع حكم الضباط لمصر علي أساس أنه مراحل منفصلة .. خطأ لا يمكن قبوله .. فما حدث كان تغيرات حياتية طبيعية جرت بشكل منطقي متسلسل متسق جعل من الجمهوريات المتتالية منظومة واحدة

منظومة كانت في البداية تعثرا و تخبطا لتجارب شباب ما بعد الحرب العالمية الثانية ( ناصر و السادات ) ..ثم إستمرت و دامت مع أبناء جيش67 ( مبارك و طنطاوى ) وإنتهت بعد سبعة عقود إلي ( يد تبني و يد تحمل السلاح ) أى ما نحن علية اليوم..

نفس ملامح البداية ظلت علي حالها لم تتغير .. سلطة ديكتاتورية مركزية .. إنفصام بين الحكام ( الأوصياء ) والشعب ( القاصر ) و عدم ثقة متبادلة .. طبقة تعيش في رغد و بحبوحة الأباطرة .. و اغلبية تعاني من الفقر و الجهل و التغييب ..

لقد شكل الضباط هيكل دولة لها الملامح المعتادة حولنا.. و لكنها تفتقد إلي المضمون الحداثي

مجلس أمة لا يختلف عن مجلس الشعب أو البرلمان .. يضم أفرادا ينتقيهم جهاز الأمن بعناية .. و ينفق عليهم ببذخ .. يضعون القوانين التي تأمر بها السلطة المختصة ..و يصفقون للهزيمة و للنصر .

مجلس وزراء سكرتارية فنية ( سواء كانوا 15 وزيرا أو ثلاثين) .. ما أسهل تغييرة .. لا يعرف أحد كيف يتم إختيار أعضاؤة .. و كيف يقالون أو يستبعدون.. البعض يؤبد علي الكرسي ما دام مطيعا .. و البعض ينكل به لو كانت وجهة نظرة مختلفة عن رؤية القائد

دستور مؤقت أو دائم مكتوب بحرفية تضمن كامل التحكم مركزيا في مسار الشعب يغيرة القائد أو يعدل موادة متي أراد من خلال إستفتاءات شكلية ... يقال عنها عرسا ديموقراطيا .

نظام قضائي.. متحكم فيه.. بواسطة أجهزة الامن ينفذ سياسة الحاكم الأعلي .. أفراده يسيرون جنب الحيط فأكثر من جهه ترصد تصرفاتهم .

و منظومة رقابة شكلية سواء كجهاز مركزى للمحاسبات أو رقابة و نيابة إدارية .. أو مؤسسات دولة مناط بهذا ضبط الأسواق .. وتصويب البورصة ..و توجيه شركات القطاع الخاص ..أو إجهزة جباية تفتقد للمنطق عند المحاسبة و السلب..أو نقابات و إتحادات نوعية ..كلها تعمل دون أى قدرة علي التصحيح أو الإصلاح ..ولا نسمع عنها إلا عندما يراد التشهير بأحدهم

تعليم شكلي .. منظومة صحية فاشلة .. جهاز حكم محلي معوق يحتله من أحيل علي المعاش من الضباط بدل م يقعدوا في النادى .. وزارة للتخطيط .. و أخرى للقوى العاملة ..أو للبيئة .. و رابعة للثقافة .. دون وظيفة إلا إستهلاك ميزانيات تمثل عبئا علي كاهل دافع الضريبة

ومع ذلك تحقق خلال العقود الستة نجاحين او ثلاثة .. يجب عدم إغفالها .

الاول هو .. خلق ميديا دعائية واسعه .. كانت دائما مؤثره محليا .. و في بعض الأحيان علي سكان بالمنطقة .. هي رغم كل التزوير و الغش و التدليس الذى أصبح من تقاليدها المهنية قادرة علي إشاعة رأى عام مطابق لإرادة الحاكم .

نظام يوليو .. قدم لنا .. جوقات مديح ( تقودها أجهزة الامن و المخابرات ) .. لا مثيل لها في إصدار فن علي درجات متفاوته من الاتقان ... في البداية كان مقنعا ...إذا ما تذكرنا صلاح جاهين و الابنودى و كمال الطويل و عبدالوهاب و الموجي .. وعبد الحليم و ام كلثوم .. ثم تدهور حتي أصبح مخيبا للأمال حين وصل إلي صراع بين نقابة الموسيقيين .. و مغني الأفراح الشعبية ..و المنع بقوة القانون .

كذلك كان هيكل بأهرامه و يوسف شاهين بأفلامه الوجه الأخر لمنظومة الدعاية.. بمعلومات مغلوطه و مزيفة (بفن ) رسخت في العقول و الافئدة كالطفيليات التى لا تريد التنازل عن مص دم عائلها ... ثم يتتدهور (الفن ) في سقوط حر متتالي حتي نشهد أفلام السبكي وبرامج إعلام أجهزة الأمن التي تخاطب فئات مغيبة من البشر و تجد لديهم صدى .. و إقبال . .

جهاز البث و الدعاية الحكومي الجبار .. هو نجاح للنظام (بل قد يكون النجاح الاوحد الملحوظ و المؤثر )

النجاح الثاني .. هو حرفية حماية القائد الملهم .. الذى لم يجد الزمان بمثلة دائما .. إن التقنيات التي تتوارثها ..اجهزة الحماية .. و التى جعلت منها مطلعة علي أحدث الاساليب الامريكية بل تفوقها حرصا في بعض الاحيان ..

أصبحت تدرس لجميع فرق حماية المسئول الاول في المنطقة .. و للمصريين بالطبع السبق الاعظم فيها منذ أن كانت الحماية ثلاث أو أربع أفندية متعلقين بعربة عبد الناصر المكشوفة .. حتي أصبحت مئات الرجال و عشرات العربات التي تحمل المتخصصين المدربين .. تسبق و توازى .. و تتبع التشريفة التي يخلي لها الشوارع و الميادين بالساعات.

اما النجاح الثالث .. فهو إشاعة الرضا و السكون و البلادة .. الذى أصبح علية المصرى ..و السعادة الناتجة عن تعاطي المخدرات الفكرية و الايديولوجية و العقائدية .. التي يعيش .. تحت غيمات ضبابها ..

هذا الشعب المكلوم .. بالحماس للقضية الفلسطينية تارة.. ثم بتعاطي مخدرات العزة القومية العربية .. أصبح .. لا يفيق من خدر تعاليم السلفية الدينيه .. يتحرك كالمنوم .. يدمر و يحرق .. ويغتال و يذبح بحماس .. غير مسبوق

أو ها هو يصفق و يهلل .. و يتغني بإنجازات اليوم التي تستثمر في الحجارة الغالي و الرخيص .. وتقتر و تهمل تنمية البشر .

برافو يوليو عملت و أنجزت .. و نجحت ..في صبغ مصريين بألوانك .. يؤيدون و يصفقون رغم مظاهر التدني النسبي لكل مستويات الحياة في بلدنا .. وسيادة وحوش الراسمالية الطفيلية التي تعتصر قلوب و دماء الخلق

فما دام الريس بخير آمنا تحيطة عناية الرحمن و أجهزته المباركة فكل شيء وردى القسمات ...(( نكمل حديثنا غدا )).