محمد حسين يونس
في يوم من الأيام .. كان البحر الأبيض يغطي أرض مصر ويصل إلي قرب أسوان .. ثم بدأ النيل يغالبه و يكسب منه أرضا بترسيب طبقات من الطمي .. حتي كون الوادى الذى نعيش علي أرضة اليوم ..

قصة صراع البحر مع النيل قصة إستغرقت عشرات الألاف من السنين .. أما قصة إستيطان هذا الوادى .. فهي الأكثر إمتاعا.... و تجاهلا من المصريين المحدثين .. و التي أرجو في يوم أن أناقشها مع حضراتكم.

ملامح المنطقة .. حول الوادى ..كانت مختلفة .. عن شكلها الأن .. فالصحارى المجاورة كانت غابات ممطرة .. مسكونة بالكائنات ..و الحيوانات و الانسان القادم من الجنوب أو الشرق .. ثم حدث تغير في المناخ و أصبحت المنطقة غير مطيرة .. لتموت الأشجار .. و تزحف الكائنات تجاة الشرق حيث كون النيل واد ( كيميت ) أى الأرض السوداء .. تملأه المستنقعات .. و تعيش فية الحيوانات .. الخطرة .., و الحشرات الضارة

علي هوامش الوادى و منذ ثمانية الأف عام تقريبا .. عاش بشر هم أجداد المصريين رصد الدكتور ثروت عكاشة وجودهم من خلال بقاياهم المودعه في حفرالدفن و ذلك في موسوعته ((تاريخ الفن )) .. (( العين تسمع و الأذن ترى ))الجزء الأول (( الفن المصرى )) حيث ذكر نقلا عن (( فليندر بيترى ))

أن عصور ما قبل الاسرات تعود إلي 6000 سنة ق.م حيث وجد في قرية (العمرة ) قرب البلينا ما يطلق علية حضارة (( نقادة الأولي)) .. و في قرية (جرزة) قرب العياط ما يسمي بحضارة ((نقادة الثانية)) ثم ((أثار السيمانية)) مركز دشنا محافظة قنا .. و في (( المعادى )) نجد أثار حضارة أواخر العصر الحجرى الحديث .

خلال الفين سنة تالية ..و قريبا من 4000 ق.م أصبح علي أرض الوادى دولتين أحدهما في الجنوب و الأخرى في الدلتا ..و كان لكل منهما ملك و تاج .. و ما يسمي ( بالنتر ) أو الكائنات المقدسة ... و كان السكان يزرعون .. و يربون الحيوانات الأليفة و الدواجن .. و يصنعون من الحجارة .. أسلحتهم و أدواتهم .. و يتحركون بين القرى .. بمراكب عبر النيل . يتواصلون و يتاجرون .

حدثت محاولات (من الطرفين) لتوحيد القطرين عدة مرات خلال الف سنة تالية و بائت بالفشل في الإستمرار.. حتي قام ( نارمر ) عام 3100 ق.م بضم المملكة الشمالية .. للجنوبية و لبس تاجا مزدوجا مكونا من التاجين ( الأحمر و الأبيض ) .. و دون ذلك علي لوح من حجر الشيست الأخضر.. ليبدأ عصر الأسرات الأولي و الثانية و الذى إستمر لثلاثة قرون حتي 2780 ق.م

في ذلك الزمن .. كان سكان الوادى .. قد إكتشفوا النحاس .. و صنعوا منه البرونز .. و سبكوا الحديد .. و صنعوا التماثيل .. و تعلموا الكتابة .. ونقشوا سيرتهم علي جدران المقابر .

الدولة القديمة (( عصر بناة الأهرامات )) إستمرت لخمسمائة سنة .. من 2780 ق.م إلي 2280 ق.م و تشمل من الأسرة الثالثة إلي السادسة كانت أثناءها وسائل الدفن قد تطورت عبر 1200 سنة.. من حفرة يوضع فيها المتوفي علي شكل القرفصاء مثل الجنين .. متجها برأسة ناحية الغرب .. و معه بعض الأدوات التي كان يستخدمها .. إلي أن يبني فوقها مصطبة تمنع الحيوانات من نبش القبر .. ثم عدة مصاطب .. حتي نصل إلي الهرم المدرج لزوسر في سقارة .. يلية الهرم الناقص في ( ميدوم ) لسنفرو ..ثم الهرم الأحمر لسنفرو أيضا في (دهشور) ثم هرم خوفو بالجيزة ..

الرحلة من المصطبة حتي الهرم الأكبر ..تدل علي أن المصرى كان قادرا علي أن يطور أساليب بناء ظلت تتحسن حتي وصلت لإنشاء معجزة العالم القديم .( و ليست كائنات فضائية كما يدعون ) .

ما وصل لنا من أثار الدولة القديمة يدعو للدهشة .. خصوصا تمثال خفرع المنحوت من مادة الديوريت الأخضر شديدة الصلابة.. و مع ذلك وضع فيه الفنان تفاصيل .. أقرب للمعجزة .. تمثالي الأميررع حتب و الأميرة نفرت .. يكاد كل منها أن ينطق و يقص ما دار في عصرهما .. كذلك تمثال شيخ البلد من الخشب .. .. تنوع غريب في إستخدام المواد من الحجارة الصلبة .. حتي النحاس(البرونز ) .. وزيادة مبالغ فيها في الحجم..

المثال المصرى القديم عندما يصور ملك كان يقدمه في أفضل حال .. فلقد تصور أنه لو فنيت الجثة .. فإن الروح ستجد التمثال .. لتحل فية..

في ذلك الزمن .. وجدنا علي جدران المقابر ما يسمي ( بنصوص الهرم ) أقدمها وجد علي هرم الملك (يونس أو أوناس ).. و توجد له ترجمه بالعربية في كتاب ألهة المصريين .. كذلك توجد رسوم تصور الحياة في ذلك الزمن .. علي جدران مقبرة تيتي .. بسقارة .. تدل علي المهن التي كان يعمل بها سكان ( كيميت ) و تفاصيل حياتهم التي وصلت براعة نقشها إلي درجة .. مدهشة حتي لأبناء القرن الحادى و العشرين

دولة بناة الأهرامات .. تغيرت مع الزمن .. و بدأت أثارها تصغر .. حتي توقفت .. بعد الاسرة السادسة ليبدأ ما يسمي بفترة الإنتقال الأول من 2280 ق.م إلي 2052 ق.م أى من الأسرة السابعة حتي العاشرة عمت الفوضي و دامت لقرنين توقف فيها الإبداع و تم السطو و التخريب علي الأثار و توقف البناء خصوصا للمنشئات الضخمة

لذلك لم يكن غريبا أن تختفي في الدولة الوسطي التي دامت حتي 1178 ق.م .و شملت الأسرتان الحادية عشر و الثانية عشر الأهرامات و يحل محلها مقابر منقورة بالجبل أشهرها .. ( مقابر بني حسن ) قرب المنيا ..

ما دون علي جدران المقابر .. وصفا للحياة في ذلك الزمن .. يوضح أن معظم تراث البشرية .. قد بدأ من علي هذه الأرض .. و كنموذج ألعاب المصارعة .. و الكرة .. و الرقص التوقيعي .. و طقوس الديانة.. و حفلات .. الطهور و الميلاد و الوفاة ..

الإنتقال الثاني ..من الأسرة الثالثة عشر إلي السابعة عشر صاحبه غزو الهكسوس (( 1780 إلي 1570 ق.م )) و دام لقرنين وصل بكميت إلي مستوى لم تعهده من التفكك و الضعف .. نستطيع أن نفهم هذا عندما تقرأ قصة الفلاح الفصيح .. أو تلك الحكم التي كتبها ( كاجيمني .. و بتاح حتب .. و أني )
((كل يوم يستيقظ الرجال في الصباح لكي يعانوا .. و ليس للفقير قوة تنقذه ممن يفوقه ...تمر مصائب اليوم .. و لكن أحزان الغد ليست ماضية بعد ))..

ومع ذلك لم تدم الأحزان .. فسرعان ما قام ملوك طيبة (الأقصر ) .. بمحاربة المحتل .. و الإنتصار علية .. و طردة خارج البلاد .. لتبدأ مع الأسرة الثامنة عشر الدولة الحديثة و تستمر حتي الأسرة العشرين (( 1570 إلي 1090 ق.م)). ...( نكمل حديثنا باكر )