محمد حسين يونس
في القرن السابع الميلادى و بالتحديد عام (639 م ) إحتل البدو مصر و إستعمروها إستعمارا إستيطانيا لمدة ثلاثة قرون ونصف
ثم إستعمرها الفاطميون لقرنين و المماليك المجلوبين بنخاس من شمال شرق أسيا لثلاثة قرون ...و العثمانيون لثلاثة قرون اخرى بدأت في 1500 م وإستمرت حتي نهاية القرن الثامن عشر ليبدأ إلاحتلال الاوروبي (بالحملة الفرنسية )
وكأن علي مصر لمدة 12 قرن. أن تغير ...كل ثلاثة قرون ...هوية الغاصب المحتل

الإنكشارية العثمانية هم أحط من إستعمروها و وصلوا بها إلي الحضيض ..خلال هذه الفترة .

كانت البداية درامية ..لقدإدعي سليم الاول (مثل كل الغزاة )بعد هزيمتة(لقنصوة الغورى) في (مرج دابق) أن الشعب المصرى يتوق لكرابيج الانكشارية عوضا عن شومة البلطجة المملوكية السادرة في الشارع دون رادع
وأن عرب غزالة وهوارة و بني عدى وغيرهم يستنجدون به لانقاذهم من جور المماليك.

وهكذا عندما عرض علي (طومان باى) الخضوع ودفع الجزية أبي هذا ،ولكن بعد فترة وبسبب خيانة ومساعده خاير بك و بعض شيوخ القبائل العربية إستطاع (سليم الاول) أسر(طومان باى )و تعليقه علي باب زويلة و إحتلال مصر ثم نهب المتوفر من ثروات المماليك وفرغ البلد من كريمة الصناع والحرفيين المهرة وسلمها للخائن خرب الذمة جاسوسه خاير بك قائلا ((أعطيتك هذه المملكة اقطاعا لك الي ان تموت ))

(( بعد استيلاء العثمانيون على مصر بدأ السلطان سليم الأول فى وضع نظام جديد للحكم وهو النظام الذى ظلت مصر تحكم به لنحو ثلاثة قرون متعاقبة ،تلخص فى وجود سلطتين تتنازعان وتراقب كلا منهما الأخرى

الأولي سلطة نائب السلطان أو الوالي العثماني ويلقب بالباشا ومقره القلعة وكانت مدة ولايته سنة تنتهي ما لم يصدر فرمان بتجديدها لسنة أخرى ،
والسلطة الثانية سلطة رؤساء الجند وهم قواد الفرق التي تركها سليم الأول بمصر بعد مغادرته وكانت تتألف من نحو اثني عشر ألفا منتظمين فى ست فرق تسمي كل فرقة ( وجاق ) أشهرها وجاق (الإنكشارية ) وكان مقرهم بنفس قلعة صلاح الدين بالقاهرة ،

كما تم وضع نواة لسلطة ثالثة وهى سلطة البكوات المماليك والذين تم تعيينهم بأقاليم مصر التي كانت فى ذلك الوقت يطلق عليها مديريات)) .

(( إلا أن النظام الذى وضعه السلطان سليم الأول لم يستمرفي سلام طويل فبدأ التنازع والحروب وانتهز المماليك هذه الفرصة وعملوا على الانفراد بالحكومة وبمرور الوقت انتهي هذا الصراع فى النصف الثاني من القرن السابع عشر إلى تغلب سلطة المماليك البكوات وساعدهم فى ذلك ما صارت إليه السلطنة العثمانية من الضعف فى أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر بسبب حروبها المتواصلة واختلال الشئون الداخلية وفساد الحكم ،
كما زاد من نفوذ البكوات المماليك كثرة تغيير الولاة العثمانيين وعزلهم فضعف شأنهم وتراجع نفوذهم فى حين أن المماليك احتفظوا بعصبيتهم بشرائهم العديد من الجند والاتباع واستمالوا أفراد الحامية العسكرية أو الوجاقات الذين استوطنوا مصر واستقروا بها ، وهكذا أصبحت مصر تحت وطأة الحكم العثماني مسرحا للفتن بين السلطات الثلاث التى تنازعت الحكم وزال عنها استقلالها فحال ذلك دون قيام حكومة مستقرة)).

فلنقرا ماذا كتب الدكتور احمد عبد الرحيم في مقدمة كتابه عن الجبرتي
((ثم طرأت عدة عوامل كان لها أثرها في غروب شمس الحضارة عن المنطقة ليس فقط في مصر بل في قواعدها الاخرى بالمشرق و المغرب فلقد إستهلكت الحضارة العربية حيويتها ثم تأثرت تأثرا بالغا بتحول طرق التجارة من مصر والمشرق العربي الي رأس الرجاء الصالح و في النهاية وقعت الكتلة العربية في العالم الاسلامي في أيدى الاتراك العثمانيين الذين أثروا لاسباب عسكرية و دينية أن يعزلوا ملكهم عن العالم الخارجي وحدث كل ذلك في الوقت الذى عرفت فيه اوروبا النهضة و الاصلاح الديني وظهور الملكيات الحديثة التي خصخصت الاقطاع و تحالفت مع الطبقة الوسطي لتدعم الدولة الحديثة مصطنعة أساليب مستجدة تقوم علي وسائل الكشف و الاختراع)) .

روشته عالم يعرف الداء و الدواء و لكنه يزعق بين صم بكم لا يعون .

((كانت مصر حتي الحملة الفرنسية لا تزال غارقة في سبات العصور الوسطي إلي أن أذنت الحملة برجوعها الي المشاركة في الفكر العالمي و الفارق كبير بين العقلية الاوروبية التي مثلتها الحملة وبين العقلية الشرقية التي واجهتها في مصر المملوكة للعثمانيين بمقدار الفارق الزمني الذى قطعناه في تأخر وقطعته اوروبا في تقدم))).

المصريون (أو العقلاء منهم ) أصابهم الذهول من الفارق بين الحكمين (العثماني ) و (الفرنسي) ترجم الجبرتي هذا الذهول في (( عجائب الاثار في تراجم الاخبار )) فهو عندما يكتب عن قوات إبراهيم و مراد بك يقول :

((الاجناد متنافرة قلوبهم ،منحلة عزائمهم ،خائرة ،مختلفة أراؤهم ،حريصون علي حياتهم وتنعيمهم و رفاهيتهم ،مختالون في ريشهم ،معتزون بجمعهم، محتقرون شأن عدوهم ،مرتبكون في رؤيتهم ،مغمورون في غفلتهم وهذا كله من أسباب ما وقع من خذلانهم وهزيمتهم)).

وعندما كتب عن الفرنسيين قال ((حتي أسافلهم من العساكر إذا حضر إليهم بعض المسلمين ممن يريدون الفرجة لا يمنعون الدخول إلي أعز أماكنهم و يتلقونه بالبشيشة والضحك وإظهار السرور بمجيئه اليهم خصوصا إذا رأوا فيه قابلية اومعرفة او تطلعا للنظر في المعارف بذلوا له كل مودتهم ومحبتهم ويحضرون له أنواع الكتب المطبوع بها أنواع التصاوير وكرات البلاد و الاقاليم و الحيوانات و الطيور والنباتات وتواريخ القدماء وسير الامم وقصص الانبياء ))

الجبرتي هنا يتكلم عن المجمع العلمي الذى وصف بالتفصيل أسلوب إنشائه و الذى تم حرقه ونهب محتوياته بعد ذلك بواسطة منتفضي 25 يناير 2011
و المجمع((أقيم في القاهرة 20 أغسطس 1798 بقرار من نابليون ،كان مقره في دار أحد بكوات المماليك ثم نقل إلى الاسكندرية عام 1859 وأطلق عليه اسم المجمع العلمي المصري ثم عاد للقاهرة عام 1880، وكانت أهداف المجمع العمل على التقدم العلمي، ونشر العلم والمعرفة.)).. نكمل حيثنا غدا .