محمد حسين يونس
((الخليفة عمر ساًل بعض الناس أن يرووا عن تجارب الجاهلية، أو ينشدوا بعضا من أشعارها فكان جوابهم .. لقد جب الله ذلك بالإسلام فلم الرجوع.))..

امتناعهم عن ذكر تاريخ الجاهلية في حضرة الخليفة .. علي الرغم من طلبه .. يدل على كره المسلمين المبكر لكل ما حدث قبل زمن إنتشار دينهم .. خوفا من قوة تأثيره علي عقيدتهم .

ينتهي الأمر بمعتنقي الدين الجديد إلي تجاهل بل محاولة طمس كل ما يتصل بالماضي .. سواء المادي ( أثار و كتب و مقتنيات ) ..أو الفكري ( فلسفات و علوم و رياضيات ) .. أو العقائدي ( أديان و قيم و أساليب حياة ) .. ..وصاروا علي مر العصور يعتنقون فكرة أحادية ..عن مسار الزمن مأخوذة من كتب مقدسة لديهم .

كره الفلسفة و العلوم ..و التاريخ أمر حرصت عليه الاجيال المتتالية من المسلمين ... بل من الغريب أن العلماء الذىن تضمهم قوائم الشرف العربية
( الفاربي ،إبن الهيثم،البيروني،الكندى ، جابر بن حيان ،.إبن المقفع.) ..جاءوا من خارج شبه الجزيرة أى( موالي ).. و لاقوا من العنت و التجاهل و المقاومة .. ما لا يمكن تصوره ..إلا بدراسة سيرتهم الذاتية ... وإنتهت حياة كل منهم بمأساة

من زمن حكم إبن العاص حتي زمن سيطرة الدواعش كره المسلمون آثار الأقدمين و قاموا بتدميرها أو إهمالها .. حتي الهرم الأكبر لم ينجو.. من محاولاتهم

بكلمات أخرى ..النظرة المتعالية للعرب المسلمين ..حكمت العلاقة بينهم و بين البؤساء الذين سقطوا تحت سنابك خيولهم ...في الأقطار المقهورة و أصبحوا موالي أو ذمة

السؤال الذى يجب أن نطرحة إذاء هذا التعالي.. ما الذى قام الدين الجديد بتغييرة في معتنقية بحيث حولهم بعد نطقهم بالشهادة من بدو كفار (منفرين) لمجاهدين اتقياء لا يخطئون مهما قامت الأدلة علي إرتكابهم للفظائع. ..فلنقرأ ما كتبه الأستاذ (جواد علي) في هذا الشأن

((إن معظم طقوس و اساليب القوم في الحياة لم تتغير باعتناقهم الدين الجديد إلا قليلا .. شهورهم قمرية و مناسك حجهم إبراهيمية و حرفتهم الغزو للمناطق الغنية او الزراعية .. قطع الطرق علي القوافل وسلبها سار كما إعتادوا ، و الكعبة لم تختلف الا بازاحة الاصنام من حرمها .. والتجارة في العبيد و الجوارى والاغنام و الابل كما هي ..وأسلوب تقسيم غنائم الغزوات و الحروب لم تختلف ..إحتقار المرأة حتي مستوى إعتبارها جلابة للعار و الشؤم ظلت قائمة .. الولاء لشيخ القبيلة المتحكم في الارزاق والامان..التفاخر بالانساب مع إلاقلال من شأن الاخر لم يتبدل حتي لو كان قيصرا او كسرى )) .

بمعني أننا عندما نقول أن المسلمين الأوائل كانوا بدوا .. فلا نبعد كثيرا عن الحقيقة .. و لكن يصيبنا ما أصاب الدكتور طه حسين عندما دلنا عليها .

الإستعمار البدوى الذى حل بمصر .. بعد سقوط الأسكندرية ..لم يتخل عن عنصريته .. و هو يحكم أمة عمرها الأف السنين ...فلنقرأ ماذا كتب المسعودى عن المصريين

((نساؤها شر نساء الارض وعندهم خبث ودهاء و مكر ورياء وهي بلد مكسب لا مسكن .. فكن منهم علي حذر ))..

ماذا كتب عنهم ابو الصلت ((أهل مصر الغالب عليهم إتباع الشهوات و الانهماك في اللذات و الانشغال بالترهات .. و التصديق بالمحالات وعندهم مكر وخداع ولهم كيد و حيل )).

وأستطيع أن أقدم لحضراتكم عشرات الجمل التي تدل علي العنصرية والإستهانه بهذا الشعب .. و حضارته.. والتي يرددها البعض منا اليوم نقلا عن معلمي الأزهر ولكنني سأكتفي بقولين

عن كعب الأحبار ( رضي الله عنه ) قال (( لما خلق الله تعالي الأشياء قال العقل أنا لاحق بالشام فقالت الفتنه و أنا معك ..وقال الخصب أنا لاحق بمصر فقال الذل و أنا معك .. و قال الشقاء أنا لاحق بالبادية فقالت الصحة أنا معك و قال الكبر أنا لاحق بالعراق فقال النفاق و أنا معك )).

وعن إبن إياس و المقريزى ..((أهل مصر يغلب عليهم الدعة والجبن والقنوط والشح وقلة الصبر وسرعة الخوف والحسد والنميمة والكذب والسعي إلى السلطان وذم الناس بالجملة، كما يغلب عليهم الشر والدنية التي تكون من دناءة النفس والطبع .....ومن أجل توليد أرض مصر الجبن والشرور والدنية لم تسكنها الأُسد، حتى كلابها أقل جرأة من كلاب غيرها من الأمصار، وكذلك سائر ما فيها أضعف من نظيره في البلدان الأخرى، ماخلا ما كان منها في طبعه ملايمة لهذا الحال كالحمار والأرنب ))..

ما الذى جعلنا نقبل هذه الدونية و التهميش و ( سوء القول ) و التهكم علينا و تسميتنا ( هز القحوف في سيرة أبو شادوف ) ..و متي ترسبت لدينا القناعة بأننا أدني من البدو ( عربا أو تركا أو يهودا )..هل هو تراكم عبرمعاناة طويلة من الظلم و القهر وقلة الحيلة ليصل الأمر في النهاية أن يتملص الفرد من مصريته و يتمسح بالعربي و التركي ..

سلوك التفوق الذى مارسة البدو كان تعويضا ورد فعل عكسي لما أصابهم من الإنبهار بطبيعة المكان خضرة و ماء و منشئات و قد يكون حيل نفسية تبرر ..العنف في الإستيلاءعلي ثروات الشعوب المنكسرة

و لكن عندما ترضي أن تكون (مولي ) أو (ذمة ) أو من الأتباع و تدفع الجزية و أنت صاغر .. و لا تستطيع أن تمتطي حصانا أو تمر علي بدوى و أنت فوق ركوبه فلابد أن يصفك ((بالدعة والجبن والقنوط والشح وقلة الصبر وسرعة الخوف )) .. ويهزأ بك و يسميك ( أبو شادوف ) ..و تكتفي أنت بان تشعر بالدونية و التهميش .. ثم مع متلازمة ستوكهولم ((من يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من أشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له)) تسعي لتوقيرة .. و تقلدة ..و تحاول أن تقنعه أنك من الأقرباء .

نستطيع بدرجة مناسبة من الثقة أن نقول ان الثقافة التي سادت في بداية ظهور الإسلام وزمن الغزوات الاولي و إستمرت حتي العصر الأموى كانت بدوية جاهلية الطابع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وأن كل ما حدث أن الدين الجديد حول (لبيد) العنف الذى ولدته الصحراء ..وكان يستهلك في الصراع الداخلي دوما علي الكلاء و الماء ووجهه للتوحد و التماسك بين القبائل لهزيمة.. اضخم إمبراطوريتين عرفهما الزمن القديم.

الإيمان أمر شديد الخصوصية ولكن فرضه بالمنطق و الحوار يحوله إلي سياسة .. أما الفرض بالقوة فهوبالتأكيد إرهابا . (( نكمل حديثنا غدا عن إنكسار أهلك يا مصر ..))