كتب – روماني صبري 
 
يعد "عبد الرزاق السنهوري" من أهم أعلام الفقه والقانون في الوطن العربي، كان عمل مدرسا للقانون المدني، وطالب بإقرار قانون مدني جديد، فلبت الحكومة، تقلد منصب وزير المعارف 4 مرات، واختير ليكون رئيسا لمجلس الدولة  من عام 1949 م حتى 1954، من أهم الموالين لثورة يوليو وشارك في مشاورات خلع الملك فاروق مع محمد نجيب وجمال سالم وأنور السادات، له دور بارز في مشروع الإصلاح الزراعي وطلب إرساء الديمقراطية وحل مجلس قيادة الثورة وعودة الجيش إلى الثكنات إلا أن المظاهرات العمالية دمرت كل ذلك، حيث اعتدى عليه العمال الغاضبون ووصفوه بالجاهل والخائن كونه كان رئيس مجلس الدولة وقتها وكان ذلك عام 1954، مطالبين بحل الأحزاب وإسقاط الدستور والحرية والديمقراطية وإسقاط السنهوري نفسه.
السنهوري يناهض المناهج العلمانية
 باتت مؤلفاته كنزا للمكتبة القانونية حيث كان عضوا في مجمع اللغة العربية منذ عام 1646 م ، بذل الكثير من الجهود لوضع كثير من المصطلحات القانونية، بعد سفره إلى فرنسا سنة 1921م في بعثة علمية لدراسة القانون بجامعة ليون، راح يعتنق الموقف النقدي من الحضارة الغربية، فهاجم كل المنبهرين بالغرب، وهاجم تبني د/ منصور فهمي لمقولات المستشرقين، وهاجم موقف الشيخ علي عبد الرازق صاحب كتاب الإسلام وأصول الحكم من الخلافة الإسلامية، حيث قال :" تأثر بالمناهج العلمانية والرؤية النصرانية.
البداية ..  طفولة بائسة 
تربى السنهوري المولود في أغسطس عام 1895 بالإسكندرية في كنف أسرة فقيرة، وسرعان ما عرفه اليتم بعدما ودع والده الموظف بمجلس بلدية الإسكندرية الحياة تاركا أمه و7 من البنين والبنات ولم يكن عبد الرازق يبلغ من العمر أكثر من ست سنوات.
 
ارتاد "الكُتَّاب" بتشجيع من والده الذي كان يقدم له الجوائز ترغيبا له في التعليم، ثم انتقل بعد وفاة والده إلى مدرسة راتب باشا الابتدائية ثم التحق بمدرسة رأس التين الثانوية فالمدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية ومنها حصل على الشهادة الثانوية عام 1913 م وكان ترتيبه الثاني على طلاب القطر المصري، قرأ في مرحلة مبكرة من عمره درر التراث العربي، حيث قرأ كتب: الأغاني، والأمالي، والعقد الفريد، وقرأ ديوان المتنبي، وكان يتردد على المكتبات العامة ومكتبة المعهد الديني للإطلاع وكان كثير الإعجاب بالمتنبي ويفضله على غيره من شعراء العربية.
 
لابد من إنشاء جامعة إسلامية 
في عام 1917 حصل على درجة الليسانس في الحقوق من مدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة باللغة الإنجليزية، وكان ترتيبه الأول على جميع الطلاب، رغم أنه كان يعمل موظفا بوزارة المالية إلى جانب دراسته، اثر عليه في مرحلة الشباب الزعيم المصري الوطني المصري "مصطفى كامل"، وتبنى فكرة الجامعة الإسلامية التي كان يدعو إليها، كما كان معجبا بالكواكبي وعبد العزيز جاويش ومحمد فريد وجدي.
 
الاستعمار يعاقبه 
بعدما نال ليسانس الحقوق بالنيابة العامة عمل في القضاء بمدينة المنصور بشمال مصر، وخلال عمله بالنيابة العامة قرر المشاركة  في ثورة 1919م  فعاقبته سلطات الاستعمار الإنجليزي بالنقل إلى مدينة أسيوط أقصى جنوب مصر، ظفر بترقية سنة 1920 م فتقلد منصب وكيل النائب العام، وفي نفس العام انتقل من العمل بالنيابة إلى تدريس القانون في مدرسة القضاء الشرعي، وهي واحدة من أهم مؤسسات التعليم العالي المصري التي أسهمت في تجديد الفكر الإسلامي منذ إنشائها سنة 1907م، وزامل فيها كوكبة من أعلام التجديد والاجتهاد، مثل الأساتذة أحمد إبراهيم وعبد الوهاب خلاف وعبد الوهاب عزام وأحمد أمين، وتتلمذ عليه عدد من أشهر علماء مصر، وعلى رأسهم الشيخ محمد أبو زهرة.
 
رسالته الإصلاحية
وهو في فرنسا وضع رسالته الإصلاحية التي عرفت بـ (مواد البرنامج) الذي يتضمن رؤيته في الإصلاح، وأنجز خلال وجوده في فرنسا رسالته للدكتوراه (القيود التعاقدية على حرية العمل في القضاء الإنجليزي)، وحصل عنها جائزة أحسن رسالة دكتوراه، وخلال وجوده هناك ألغيت الخلافة الإسلامية، فأنجز رسالة أخرى للدكتوراه عن (فقه الخلافة وتطورها لتصبح هيئة أمم شرقية) رغم عدم تكليفه بها وتحذير أساتذته من صعوبتها والمناخ الأوروبي السياسي والفكري المعادي لفكرتها.
 
 
عبد الناصر يطيح السنهوري من الساحة القانونية 
 
تسبب الخلاف الذي وقع بين السنهوري وبين جمال عبد الناصر في حل مجلس الدولة وعمل تصفية من جانب السلطة (وهي الثورة آنذاك) لرجال القضاء العاملين بمحراب مجلس الدولة ثم إصدار عبد الناصر قانون جديد ينظمه، ويذهب البعض إلى أن الخلاف يكمن في رغبة السنهوري في تحقيق الثورة لمبادئها وتمثيل ذلك في جعل سلطة قضائية تكون هي الحكم بين الدولة الجديدة وبين الجماهير، في إطار رئاسته الهيئة القضائية تم إلغاء العديد من القرارات الحكومية الصادرة من عبد الناصر نفسه، مما وضع الخلاف بين رجل القانون ورجل السياسة على مستوى الأزمة، وبالطبع حسم السياسي الأزمة لصالحه بإخراج السنهوري من الساحة القانونية.
 
واضع دساتير دول عربية 
نجح السنهوري جراء خبرته  في كتابة عدة دساتير لدول عربية منها الكويت ، القانون المدني السوري، القانون المدني الليبي، الدستور المدني السوداني وكذا الإماراتي، وكان وضع مشروع القانون المدني الجديد بالعراق ودمشق وليبيا، وفي عام 1971 ودع الحياة بالقاهرة، تاركا خلفه أرثا من الكتب في القانون.