كتبت – أماني موسى
قال الكاتب والإعلامي إبراهيم عيسى، أنه بنهاية سبعينات القرن الماضي مرورًا بالثمانينات وما بعدها كانت رياح الصحوة الوهابية القادمة من بلاد الحجاز قد عمت كل بلدان العالم العربي الإسلامي، رياحًا سوداء ملأت الأرض دماء وغل وعنف وتكفير، وأصبح المناخ العام ملبدًا بالغيوم، في ظل تصاعد نبرة التشدد والتطرف الديني التي تحكم المساجد والزوايا وتملأ البلاد بشرائط التكفير وكتيبات التطرف، بدأنا نسمع عن قوائم الاغتيالات بعدما كنا نسمع من الشيخ كشك وتلاميذه، بدأنا نسمع سخرية من الفن والفانين وتحريمات، بدأنا نسمع منابر تحرض على المخالفين بإطلاق النار وتدعو لقتلهم، فرجع المفكرون عدة خطوات للوراء خوفًا من الاشتباك مع هذا السرطان السلفي الوهابي الذي يغزو البلاد.
 
وتصاعد وجه الجماعات الإسلامية المسلحة، وارتفع السلاح في وجه الدولة ووجه الناس، هكذا كانت مصر في وقت تنامى فيه التطرف وعشنا في مناخ مسموم وفي تلك الأجواء ظهر فرج فودة، كاتب مغوار خاض المعركة وما حوله مجرد أصوات قليلة مساندة في زمن سكت فيه الكثيروين، وحينها كتب فرج فودة في مقدمة كتابه "نكون أو لا نكون": إهداء إلي زملاء أبني الصغير أحمد الذين رفضوا حضور عيد ميلاده تصديقًا لأقوال أبائهم عني.. إليهم حين يكبرون ويقرأون ويدركون أنني دافعت عنهم وعن مستقبلهم، وإن ما فعلوه كان أقصي عليّ من رصاص جيل أبائهم.
 
واستطرد عيسى في برنامجه "مختلف عليه" المقدم عبر قناة الحرة، الرصاص والتعبير العنيف عن منتهى الضعف، جملة قالها الكاتب الراحل فرج فودة في ندوة بمعرض الكتاب في مطلع التسعينات، وهذه الجملة وجهها لأبناء التيار الإسلامي الذين كانوا ولا يزالون يملأون البلاد بخطابهم الاستقصائي الداعي لاستخدام العنف مع كل من يخالفهم.
 
حيث دعي الكاتب التنويري الإصلاحي فرج فودة ومعه الكاتب والباحث د. محمد أحمد خلف الله، لمناظرة مع الشيخ محمد الغزالي والدكتور محمد عمارة والقيادي الإخواني الهضيبي، تحت عنوان "مصر بين الدولة المدنية والدولة الإسلامية"، وحينها قام التيار الإسلامي بحشد حشوده وامتلأت القاعة بالهتافات "الله غايتنا والرسول قدوتنا والجهاد سبيلنا والقرآن دستورنا"، وحينها حدث تشويش بالقاعة وامتلأت بالتشجيع استحسانًا لكلام المشايخ واستهجانًا لكلام د. فرج فودة ود. خلف الله، وختم د. فودة الندوة قائلاً: "لا أحد يختلف على الإسلام الدين ولكن المناظرة اليوم حول الدولة الدينية وبين الإسلام الدين والإسلام الدولة رؤية واجتهادًا وفقهًا، الإسلام الدين في أعلى عليين أما الدولة فهي كيان سياسي واقتصادي واجتماعي يلزمه برنامجًا تفصيلي.
 
وبعد هذه الندوة قامت حربًا إعلامية ضد الرجل وكتاباته، وهنا كان فودة قد ضرب في معقل الفكر التكفيري الذي كان سائدًا على جمهور القاعة، ووقعت على مسامعهم وقع الزلزال، ولذا في 3 يونيو 1992 نشرت جريدة النور الإسلامية بيانًا من جبهة علماء الأزهر موقع من عدد كبير من مشايخ ودعاة الأزهر يكفر فرج فودة ويدعو الدولة لوقف إنشاء حزبه الذي كان يزمع إنشاءه.
 
وبعد 5 أيام فقط من بيان جريدة النور، انتظر شابان من الجماعة الإسلامية على دراجة بخارية أمام جمعية التنوير التي كان يرأسها دكتور فودة، وفي تمام السادسة ونصف مساءً، عند خروجه من الجمعية المتواجدة بمصر الجديدة بصحبة ابنه أحمد وصديق له، أطلقوا عليه الرصاص ففاضت روحه لبارئها.
 
وفي التحقيقات مع أحد القتلة الإرهابيين، سأله المحقق لماذا قتلت فرج فودة؟ فأجاب لأنه ينشر كتبًا تدعو إلى الكفر والإلحاد، فسأله المحقق: وهل قرأت هذه الكتب، فأجاب القاتل: لا أنا لا أقرأ ولا أكتب.
 
وتابع عيسى، كتابات فرج فودة ومواقفه كانت تستعدي عليه كل التيارات الدينية في ذلك الوقت، حتى التي تتظاهر برفع شعار الوسطية وقبول النقد، بينما هو شعاؤ زائف يخفي أصولية مقيتة، ففرج فودة واجه ظواهر تسلف المجتمع ووقف أيضًا بحدة ضد ظاهرة توظيف الأموال التي احتالت على الشعب آنذاك باسم الدين.
 
فالتيار السلفي المتشدد كان يتسلل ببطء إلى كل طبقات المجتمع، فنسمع شيوخًا يكفرون المسيحيين، وشيوخ آخرين يطالبون بارتداء الشورت الشرعي، وشيوخ تدعو للجهاد داخل وخارج البلاد، فالنوادي تُحرق، ومحلات الذهب المملوكة للمسيحيين تُنهب، والأتوبيسات السياحية تُفجر، وحينها كان فرج فودة وقلة قليلة يعلنون عن رأيهم في ذلك المناخ ورفضهم لكل العمليات الإرهابية التي تتم على أيدي المتشددين دينيًا.
 
وتساءل عيسى: لك أن تتخيل ماذا يمكن أن ينتظر فودة بعد كتاباته المثيرة للجدل والمنيرة للعقل والوعي، وآرائه التي كان يفصح عنها بلا خوف وبمنتهى الشجاعة.
 
واستعرض إبراهيم عيسى أبرز كتابات المفكر الراحل فرج فودة، وآرائه التي ناهض فيها خلط الدين بالسياسة، باعتبار أن الدين ثابت والسياسة متغيرة.
 
وأردف، ذهب فرج فودة بشجاعة شديدة ليناظر من يسمون أنفسهم بالعلماء ورؤوس التيار الديني، رجل تسلح بفكره في مواجهة دعاة الدولة الدينية أصحاب الصوت الأعلى والأحد وأصحاب أسلحة التكفير والكلاشينكوف، وتحداهم أن يأتونه بدليل على ما يسمونه الدولة الدينية، وحينها كان فرج فودة وكأنما يعلن أمام هؤلاء ضعفهم وكأنها كانت اللحظة لإعلان قرارهم بقتل فرج فودة.
 
من جانبه قال مدحت صفوت، أستاذ الفسلفة الإسلامية، فرج فودة واحد من الذين قاوموا وناضلوا الخطاب الأصولي والتطرف الديني ودعا إلى التفكير الحر والعقلاني في وقت كان صعبًا للغاية.
 
وتابع، في سبعينيات القرن الماضي كان فرج فودة في الثلاثينات من عمره وكانت مصر على موعد مع نقطة تحول كبرى وهو الخلافة الأصولية وانتشار الجماعات الدينية المتطرفة كالإخوان والتكفير والهجرة والجماعة الإسلامية، ودعم السادات هذه الأصولية، وبمقتله بدت هذه الأصولية بادية للعيان، وكان فرج فودة من المفكرين المصريين القلائل الذين فتحوا الباب لمواجهة هذا التيار بجرأة، وناقش القضايا التي تثار آنذاك مثل قضايا الخلافة والحجاب، وقتل غير المسلم وقتل المرتد، وغيرها من القضايا التي نشرتها الجماعات الدينية المتطرفة.