محمد حسين يونس
علاقة .. مواطني دول الطوق ( فلسطين ، مصر ،سوريا ،الأردن،  لبنان ) بإسرائيل .. تخالف  تلك التي بينها وبين أبناء  الجزيرة العربية و الخليج والعراق ..أو الشمال الإفريقي .. و أهل  وادى النيل   .

  الموضوع بسيط .. فمن خاض الحرب .. و فقد الأبناء .. و تعطل إقتصادة .. و نزل ببنيه إلي الخنادق خوفا من قنابل الطائرات المغيرة .. غير ذلك الذى جرفه الحماس في يوم ما فظل يهتف في مظاهرة ( تسقط إسرائيل المزعومة ).. أو حرق علمها أمام كاميرات الإعلام ..أو   أرسل سرية أو كتيبة للمعاونه  في ميدان القتال .. أو أنفق بعض من ماله  لشراء سلاح للمعركة .. أو زاول مقاطعة لبيع البترول  .

كذلك  الحال ىبين مواطني دول الطوق من عاش الحروب الاربعة ( 48 ، 56 ، 67 ، 73 ) و يتذكر المعارك .. وعاني من  الهزائم و الهدنات .. وجارح المفاوضات ...أو شعر بفخر بعدعبور جيوش بلادة للمانع المائي أو إسترداد جزء من هضبة الجولان   في  مواجهه مع قوات العدو .. غير ذلك الشاب الذى أصبح الموضوع لديه تاريخا .. يدرسة في المدرسة أو يسمع عنه في وسائل البث و الإعلام .و من الجدود و الأباء  

بمعني أن الشاب الذى تحدثه عن أن بريطانيا و فرنسا و إيطاليا .. غزوا بلادة في يوم ما و إستعمروها .. ثم رحلوا .. سيتصور أن إسرائيل بالمثل غزت بلادنا و إستعمرت أجزاء منها  لفترة ثم رحلت ..

 و أن اليوم  .. أصبح هناك خطابات أخرى موجهه  لكل  من فرنسا و إنجلترا و إيطاليا ..فلماذا لا تشمل إسرائيل .. لماذا نحمل عداوة  لإسرائيل بالذات ..  بعد أن تم الجلاء و الإستقلال ..

 بمعني أنه يصبح من السذاجة أن نتصور أن كل سكان المنطقة بمختلف أعمارهم .. و ثقافتهم .. ستكون لهم نظرة موحدة .. و موقف ثابت  معادى.. من الجارة إسرائيل و سكانها .

  علي أقصي اليسار
سيكون مواطن من دول الطوق .. عاصر ثلاثة حروب  علي الاقل  (وقد يكون منها التي مع لبنان.. و إحتلال جزء من الجنوب  في مزارع شبعا )..
فإذا ما كان أحد الجنود الذين شاركوا  .. أو الضحايا ..أو له عزيز إستشهد .. أو فقد أرضة و ماله .. و إستقراره و ماضيه الذى أثر علي  حاضرة ..  فهذا الشخص دونا عن الملايين الذين يعيشون علي أرض المنطقة .. لن يستطيع إلا أن يرى .. في إسرائيل عدوا لا يستطيع أن ينسي له قدرته التدميرية .. وما فعله من  إرهابه هو و أهلة ..

 في أقصي اليمين ..
تاجر خليجي .. يمتلك المليارات .. و يرى أن في إسرائيل سوقا  واعدا مناسبا له و أنه سيستطيع من خلال تجارته الإستفادة من قدرة اليهود التسويقية .. و شطارتهم في التجارة .. و الصناعة .. و أن معاداتهم تعتبر في إطار تضييع الفرص .. التي سيلتقطها شخص أخر أكثر حنكة .

 بين من كانوا ضحايا إسرائيل ..و تجار الخليج .. توجد فرق عديدة .. بعضها .. بني موقفه  بناء علي فكر و دراسة .. و أخر تحركة عواطفه  ..

و لكن الأغلب الأعم ..أن حكام المنطقة يرى كل منهم الأمر بصورة براجماتية .. فمن الواضح أن هؤلاء الجيران .. أكثر منا تقدما .. و لديهم ترسانة سلاح مهولة .. علي رأسها قنابل ذرية و صواريخ حاملة لها .. و هم علي علاقة طيبة .. بمنتجي السلاح (الذين يوردونه لنا ) ..وهم يستطيعون في أى وقت تعويض الفاقد ..بعكسنا  .. و دول العالم تحيطهم بالحماية من كل جانب .. و نحن إذا حاربناهم فقد لا تسلم الجرة في هذه المرة .. و بالتالي  نبقي علي حالة من العلاقة  غير الدافئة .. بحيث تكفي لمنع أذاهم عنا .

هذا التفكير الإنتهازى .. زاوله كل حكام دول الطوق .. منذ توقيع معاهدة السلام .. حتي اليوم  و ليس لديهم خيار أخر .. إذ أن كراسيهم نفسها مهددة .. في حالة الخروج عن إتفاقات السلم .

  فريق أخر .. من الذين يقتربون  يسارا .. يرى أن حكام المنطقة و خصوصا دول الطوق ..أضاعوا إمكانيات تفوقهم .. بعدم الوثوق في شعوبهم .. و تعليمهم .. و تدريبهم ..و تنميه مهاراتهم .. بالعمل .. و الحرية .. و الديموقراطية ..

و أن الفترة التي مرت بين 67 و 73 أثبتت أن الشعب المتحمس الحر قادر علي صنع المعجزة .

و بالعكس ففترة خمسين سنة بدون حرب كانت من الممكن أن تغير القوى علي تخته الرمل .. و تجعل من شعوبنا .. ثقل مقاومة .,. تفرض السلام .. من واقع القوة .. و ليس الإستسلام ... لو أن حكامنا كانوا من العقلاء .

و في راي الشخصي الذى تناولته منذ نصف قرن  في كتابي (( خطوات علي الأرض المحبوسة )).. أنه إذا كانت الحروب قد بدأت و نحن علي الجانبين متقاربين .. إلا أن السنين العجاف التي عشناها  تحت حكم ديكتاتورى لم تجعل التقدم من نصيبنا ..

 إن رفض المصريون للتطبيع .. و رؤيتهم المعادية .. للدولة الإسرائيلية .. سببها رد فعل لاشعورى بسبب أنهم لم ينجحوا في أن يكونوا خصوما علي نفس المستوى .. فتحولت لديهم قوى الإحباط إلي مشاهر كراهية و رفض عنيد غير عقلاني .

  السؤال الأن هل إسرائيل مثلها مثل إيران أو تركيا أو اليونان أو أسبانيا .. جار

.. نعم هي جار و لكنه ليس ككل الجيران .. إنه يرى نفسه الأحق بالتحكم في هذا السوق الواسع ..  يستخدم الأموال المكنوزة .. و القوة البشرية العاطله ..  و ينتج بها ما يحول الدويلة الصغيرة إلي قوة إقتصادية لا يستهان بها .. تصنع توازن في مقابل كتلة أوروبا و كتلة الصين و جنوب شرق أسيا .. و كتلة أمريكا و مناطق نفوذها .. .

إن كل خطط إسرائيل منذ 67  و سلوكات أهلها تقود لهذا الحلم .. السيطرة الإقتصادية .. و هي لكي تقوم بهذا الدور يلزمها الأتي .

1- أن يتحكم في جيرانها  طبقات هشة  من الكومبرادور الذين سوف يتميزون  بين أهلهم بسبب خدمتها  
2-  تفتيت الدول المحيطة إلي دويلات تعاني من الصراع الإثني أو الطبقي و عدم الإستقرار   .

3- قبول جماهيرى .. لسلعها و فنها .. و أفكارها  يجعل ريادتها أمر طبيعي
4- نزاعات لا تتوقف ( علي الماء و البترول و الدين ) بحيث تتحول بشكل طبيعي إلي شرطي المنطقة .

5- تأمين الحدود في إفريقيا و الجزيرة العربية و الخليج .. ثم مع إيران و تركيا .
6- توزيع العمل  بين السكان و الذى ينتهي بتحكمها في أجهزة الإعلام و الفنون .. و البنوك  و السياحة
7-  ضمان أنها ستكون القوة  العسكرية الأساسية في المنطقة ..و تحل مكان مصرالثلاثينيات  بحيث تصبح المركز العلمي و الإقتصادى .. و الحضارى  الوحيد  في المنطقة وملجأ المثقفين و النابهين ..و المنتجين للفنون و العلوم ..و المنادين بالحريات

إسرائيل ليس حلمها من الفرات إلي النيل كما تتصورون .. بقدر ما هو السيطرة علي المنطقة من الخليج للمحيط .. و من حدود تركيا إلي حدود ‘إثيوبيا .. و هي تعمل علي تحقيق هذا خطوة خطوة .. و جيل بعد أخر .. لذلك فعندما نتحدث عن العلاقة مع إسرائيل أبتسم .. إن علينا تعلم الدرس ..فنحن نخطيء في قراءة تخته الرمل ..إن  علينا.. تحويل بلدنا إلي منطقة عصرية منافسة .. قبل أن نفكر في تحقيق  نصر حضارى ووقف محاولات إحتواءنا .. و تبعيتنا .. للاقوى . و حتي يتم هذا سنظل مفعول به تحركنا إسرائيل و من يدعمها .. لا يقوى علي الصراع .