جمعة: مصر دولة لا تعرف سوى البناء والإعمار

 
ألقى محمد مختار جمعة وزير الأوقاف اليوم الجمعة، خطبة الجمعة بمسجد "أبو شقة" بالشيخ زايد بمدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة، بحضور اللواء أحمد راشد محافظ الجيزة ، والدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء، وطارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية، والمستشار بهاء الدين أبو شقة وكيل أول مجلس الشيوخ ورئيس حزب الوفد، والمستشار أحمد سعد وكيل أول مجلس النواب، ومحمد أبو العينين وكيل مجلس النواب.
 
وأكد جمعة، أن كف الأذى عن الناس صدقة حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فإنَّها صَدَقَةٌ"، وكف الأذى عن الناس شعبة من شعب الإيمان: "الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبعُونَ أَوْ بِضعٌ وسِتُونَ شُعْبَةً: فَأفْضَلُهَا قَولُ: لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ، والحَياءُ شُعبَةٌ مِنَ الإيمان"، وكذلك كف الأذى عن طرقات الناس صدقة يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "بينَما رجُلٌ يمشي بطريقٍ وجَد غُصْنَ شوكٍ على الطَّريقِ فأخَذه فشكَر اللهُ له فغفَر له".
 
ولفت جمعة إلى أنه كما رسخ الإسلام حق الجوار في المنزل والعمل، رسخ لحق الجوار الدولي، كما يحترم حق الجوار بين الناس، فحرمة الدول لا تقل عن حرمة البيوت، فكما لا يجوز أن تدخل بيت أحد إلا بإذنه، كذلك لا يجوز أن تدخل دولة من الدول إلا من خلال الإذن المعتبر قانونًا لأهلها، وكما لا يجوز للحر الشريف أن يُؤذي جيرانه، أو أن يسمح أن يُؤذى جيرانه من قبله، كذلك الدول العظيمة لا تسمح أن يُؤذى جيرانها من قبلها ، بل ذهب الإسلام إلى أبعد من هذا، فقد كانَ بينَ سيدنا معاويةَ (رضي الله عنه) وبينَ الرُّومِ عَهْدٌ، وَكانَ يسيرُ نحوَ بلادِهِم حتَّى إذا انقَضى العَهْدُ غَزاهم، فجاءَ رجلٌ على فرسٍ أو بِرذونٍ وَهوَ يقولُ : اللَّهُ أَكْبرُ ، اللَّهُ أَكْبرُ ، وفاءٌ لا غدرَ ، فنظَروا فإذا هو عمرُو بنُ عَبسةَ (رضي الله عنه) ، فأرسلَ إليهِ معاويةُ (رضي الله عنه) فسألَهُ ، فقالَ : سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ (صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ) يقولُ : من كانَ بينَهُ وبينَ قومٍ عَهْدٌ فلا يَشدُّ عقدةً ولا يَحلُّها حتَّى ينقضيَ أمدُها، أو ينبِذَ إليهم على سواءٍ فرجعَ معاويةُ (رضي الله عنه) ، فالإنسان المسلم كما قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : "‏الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِه" ، لأن المسلم لا يكون مسلمًا ، ولا يكون لعبادته أثر إلا إذا قومت سلوكه.
 
وأوضح أن بعض الناس ربما يفهم أن مفهوم كف الأذى عن الناس صدقة، أنه شيء إن فعلته أخذت ثوابًا ، وإذا لم تفعله فلا شيء عليك، إلا أن كف الأذى يمكن أن يكون صدقة عندما يكون تطوعًا ، كالذي تطوع وأزال غصن الشوك من طريق الناس ، وقد يكون واجبًا عينيًّا على كل أحد منا بألا يؤذي جيرانه ولا زملاءه ، ولا أحدًا من الخلق، وقد يكون واجبًا كفائيًّا على الجندي أو الشرطي المكلف بالحفاظ على الأمن، لكف أذى أهل الشر عن الناس في حدود ما كلف به، وهذا ما تقوم به قواتنا المسلحة الباسلة وشرطتنا الوطنية في مواجهة الإرهاب، وهذا ثوابه عظيم وصدقة عظيمة، فإذا كان من نحى غصن الشوك فشكر الله له فدخل الجنة، فكيف بمن يضحي بحياته لكف الأذى ودفع الشر عن الناس.
 
وأشاد بدور الدولة المصرية والقيادة المصرية والمبادرة العظيمة التي أطلقها سيادة الرئيس لإعادة إعمار غزة، بتخصيص 500 مليون دولار ، في وقت يعاني العالم كله من ظروف اقتصادية نتيجة الظروف التي يمر بها العالم ، وبجهود الدولة المصرية التي أثمرت وقف العدوان على غزة ، فهذا أيضًا كف الأذى عن الناس، وشتان بين دول تبني ، وعصابات وجماعات أهل الشر التي تهدم وتدمر، فالدولة المصرية لا تعرف إلا البناء ، وما نحن فيه اليوم نوع من أنواع البناء ، فهذا الصرح الإسلامي العظيم ، لمثل هذا فليعمل العاملون ، مصر لا تبني في مجال واحد ، ففي مجال بناء المساجد وفي أقل من تسعة أشهر يعد هذا المسجد وهذا الصرح العظيم هو رقم (1315) ، من المساجد التي بُنيت على هذا النحو ، وهو رقم لم تقم به أي دولة لا في القديم ولا في الحديث ، ولم يقف بناء الدولة المصرية على بناء دور العبادة فحسب ، إنما تبني المدن والجامعات والمدارس ، والمستشفيات ، وفي بناء الإنسان أيضًا ، فلنعمل معًا على مواصلة البناء ، فشتان بين من يكون منهجه البناء والتعمير ، وآخر منهجه قائم على الهدم والتخريب ، ففقه الدول يقوم على البناء ، وفقه الجماعات يقوم على التخريب.
 
وتابع: «تحية للدولة المصرية التي تبني وتعمر ، وللمواقف المشرفة تجاه أهل غزة في وقف إطلاق النار وفي مبادرة إعادة إعمار غزة ، وندعو كل الأصدقاء ، وكل الدول الشقيقة لهذه المبادرة العظيمة لإعادة الإعمار ، كما ندعو الجميع لكف الأذى عن الناس ، وبخاصة حقوق الجوار ، سواء أكان الجوار على المستوى الفردي أم على المستوى الدولي ، فحق الجوار الدولي أشد حرمة لأنه يمس عموم الأفراد ، نسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا حسن الفهم لديننا ، وأن يجعلنا دولة بناء دائمًا ، وأهل بناء لا أهل هدم».