مؤمن سلام
الشهرة هى رغبة إنسانية ربما تكون ناتجة عن رغبة الإنسان في الخلود التي تراود الكثير من الناس، ولأن الإنسان غير قابل للحياة إلى مالا نهاية، فإنه يلجأ إلى وسائل أخرى لتحقيق هذا الخلود في صورة خلود الإسم والذكر، وتتراوح هذه الوسائل بين الأكثر بدائية وهو الإنجاب وخاصة الذكور لأنهم من يحملون اسم الرجل، وإنتهاءً بأكثرها تعقيداً وهو الإبداع الفني والأدبي والعلمي.
 
إلا أن الرغبة في الشهرة رغم مشروعيتها إلا أنها قد تتحول إلى فيروس قاتل للإنسان إذا تحولت إلى هدف واحد ووحيد يرغب الإنسان في تحقيقه مهما كان الثمن، فقد رأينا قتلة متسلسلين وقتلة لمشاهير لم يرتكبوا الجريمة إلا رغبة في الشهرة، وأحد هذه النماذج هو قاتل أيقونة موسيقى الروك جون لينون، وهذا الفيروس يُصبح أكثر تدميراً عندما يتعلق الأمر بالابداع والمبدعين.
 
فعندما تتحول الشهرة إلى هدف أول وحيد للفنان أو الأديب أو المفكر أو العالم، يبدأ هذا المبدع في فقدان بوصلته الإبداعية ويذهب في طريق ربما يكون معاكس للإبداع والعلم والعقل. سيذهب الفنان والأديب نحو انتاج فني وأدبي كثيف بغض النظر عن جودته وقدرته على الصمود والبقاء عبر الزمن، كما قد يخون المُفكر أفكاره بمنافقة الجماهير أو السلطة بترديد أفكار وترويج ثقافة لا تُمثل رؤيته الحقيقية ولكن رغبته في الشهرة والإستفادة، تجعله مفكر ومثقف تحت الطلب لمن يدفع ويحقق له حلمه في الشهرة، ولا يختلف العالم عن المفكر كثيراً فكم من عالم في الطب أو الفيزياء أو الأحياء أو غيرها من العلوم يخون علمه نفاقاً للجماهير أو للسلطة من أجل تحقيق الشهرة والمنفعة.
 
وليس رجال الدين باستثناء من هذا المرض المدمر للإنسان والمجتمع عندما يُصبح مسيطراً على عقل رجل الدين. فعلى غير ما يعتقد الكثيرون ان رجل الدين بمنأى عن هذا المرض لأنه وكما يعتقدون رجل الله ولا يريد إلا وجه الله ، لكن الكثير من رجال الدين ممن هم خريجي التعليم الديني أو خريجي التعليم المدني أو الفنانيين والفنانات المعتزلين، هم من محبي الشهرة والساعين لها مضحيين بكل قيم دينية تعارض اتخاذ الدين مادة للتربح أو سبيل للشهرة ووضعته تحت بند الرياء الذي يُهلك صاحبه.
 
ففي السنوات الأخيرة ومع تطور وسائل الإعلام التقليدية بظهور الفضائيات ومن ثم ظهور وسائل الإعلام البديلة على الإنترنت، أصبح الدين أكثر ربحية عن ما قبل، وفرصة الوصول إلى الشهرة أسهل، إلا أن هذا فتح الباب لزيادة عدد من يحملوا لقب "داعية إسلامي"، وبحسب قوانين السوق عندما تزيد المنافسة بين منتجي الخدمة وهى هنا "الدعوة إلى الله"، يُصبح على كل داعية أن يُقدم شيء يُميز مُنتجه عن الأخرين حتى يجتذب المستهلكين إلى بضاعته.
 
ولأن أغلب هؤلاء محدودي الفكر والعقل، كان السعى إلى التميز ليس عبر انتاج فكر ديني جديد يتوافق مع العصر، ولكن عبر الغوص في كتب التراث الصفراء في محاولة لإستخراج غريب الفتاوى، والإفتاء في توافه الأمور، من أجل احداث ضجة وبمصطلح الإعلام البديل "ركوب التريند" وما يحمل معه من شهرة.
 
فوجدنا فتاوى ارضاع الكبير، ومضاجعة الوداع، ونكاح الجن وأكل لحومها، وترك الزوج لزوجته لمغتصبها إذا خشي على نفسه من الموت، وفتاوى تدمير الآثار، وتحريم مشاهدة النساء للرياضات التى تظهر فيها افخاذ الرجال لأنها عورة، وفتاوى تحريم بعض الألعاب الإلكترونية وغير الإلكترونية، وتحريم رياضة كمال الأجسام.
 
طوفان من الفتاوى ليس له هدف إلا التميز في سوق الدعوة.
 
ومن المظاهر المتعلقة بالأمر، هو لجوء الفنانيين والفنانات لهذه السوق من أجل تعويض غياب الشهرة عنهم بعد اعتزال الفن، فرأينا في الفترة الأخيرة فتاوى لحلا شيحا في ارتداء الحجاب والتمثيل، وفريدة سيف النصر عن حضور الجنازات، أما حنان ترك فيمكن القول بالمصطلح الفقهي أنها من "المكثرين في الفتوى"، فهى لا تقتصر على الإفتاء في أمور الفن والنساء فقط، بل رأيناها تفتي في أهل الذمة، وأخيراً في بيع الذهب.
 
فبعد أن خفتت أضواء الشهرة عن الفنانات لجئن إلى سوق الدين لعلهن يستعدن جزء من شهرتهن التي تخلين عنها بمحض إراداتهن.