في مثل هذا اليوم 16 اكتوبر 1965م..
في مثل هذا اليوم من العام 1965 وصل الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة إلى أريحا التي زار فيها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ملقيا فيهم خطابا حماسيا ، شكل مفصلا تاريخيا في تحديد علاقة بورقيبة بالمشرق العربي.

ورفع من حدة الجدل الذي أثاره الرجل وأفكاره لا في تونس وحدها بل في العالمين العربي والإسلامي ، وهو الأمر الذي لخصه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بالقول في مقال بصحيفة الأهرام القاهرية « أراحه الله مما يعانى.. وأراح الله معه كل الذين يضربون رؤوسهم فى الصخر، ويعذبون أنفسهم، لأن الجماهير العربية ترفض تصديقهم فى كل ما يروجون له من دعاوى. » .

وبعد أربعة واربعين عاما على هذا التاريخ يستذكر التونسيون ومعهم الأشقاء الفلسطينيون وشريحة واسعة من العرب هذا الخطاب ، دون تنزيله في الظروف التاريخية التي كانت سائدة في حينه ومن دون نفض الغبار الذي علا وغذته الحسابات السياسية القطرية لهذا الطرف أو ذاك .

والتذكير بخطاب بورقيبة ومشروعه لحل القضية الفلسطينية ليس من قبيل لوم طرف بعينه بقدر ما هي حلقة في مسلسل الصراع العربي الإسرائيلي المريرة التي لا يزال فيها نزيف الجرح الفلسطيني متدفقا ، فبورقيبة قد رحل في العام 2000 بعد أن إستقبل بنفسه القيادة الفلسطينية التي وجدت في تونس الملاذ الآمن بعد حصار بيروت العام 82 وهو نفسه الذي إستضاف قيادة فتح وعلى رأسها الزعيم الراحل ياسر عرفات وقدم لهم من تونس دعما يليق بكفاحهم وإطارا دفع لاعتراف الولايات المتحدة الأميركية بمنظمة التحرير الفلسطينية وأجرت معها حوارا مباشرا في العاصمة التونسية .

خاطب الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة بالفلسطينيين في مدينة اريحا بالضفة الغربية مشيدا بصلابتهم وإصرارهم على استعادة الحقوق العربية.
وفي خطابه حث بورقيبة الفلسطينيين على عدم الركون الى الخطب الحماسية والعواطف بل صياغة مواقف عملية وواقعية وخطط لمواجهة مغتصبي الحق فضلا عن البحث عن قيادة واعية تتمتع بإجماع شعبي لقيادة مسيرة التحرير التي يجب ان يتقدم صفوفها أصحاب الحق أولا .

فى الأول من مايو 1965، وصف الرئيس العراقي، عبد السلام عارف، في مهرجان أقيم في مناسبة افتتاح مقر منظمة التحرير الفلسطينية في بغداد، مقترحات الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة بأنها «خروج على مقررات مؤتمرَي القمة، فضلاً عن أنها غير مقبولة، وأنها مردودة جملة وتفصيلاً» وفي سوريا خرجت في السادس عشر من مارس 1965، تظاهرات كبرى صاخبة في دمشق، تستنكر تصريحات بورقيبة و أصدر كميل شمعون، رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق، بياناً اتهم بورقيبة بالجهل ببعض نواحي كارثة فلسطين، لانعزاله عنها، وعدم إحساسه باليأس والقنوط الشديدين .

في 29 أبريل 1965 وجه الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة رسالة الى الرئيس المصري جمال عبد الناصر رسالة صريحة توضيحا لموقفه وما ورد فى خطابه بأريحا من دعوة لنهج واقعي فى التعاطي مع القضية الفلسطينية.

شدد بورقيبة فى رسالته على أن« الخلافات، مهْما تكن، يمكن التغلب عليها بالمنطق السليم والنية الطاهرة والعزيمة الصادقة. وإن ما لقيته من شعب مصر، ومن شعوب المشرق العربي عامة، من إكرام وتبجيل، لَمرتسم في نفسي، ولن يمحي أثره مهْما تقلبت الأحوال. وإن ذلك لَدَين يضاف إلى واجبي، كعربي، فيُملي عليّ أن أفعل كل ما في وسعي لأجنب الشعوب العربية مغبة الانقسام والتناحر، في ظروف هم فيها أحوج ما يكونون إلى التكاتف والتضامن من أجل العمل الإيجابي».

واضاف بورقيبة « لم أستغرب ما ذهبت إليه بعض الصحف في بعض الأقطار العربية، من استنكار ، بقدر ما استغربت ما بدر من بعض الأوساط المسؤولة في القاهرة والحال أننا متفقان في الجوهر، كما تبيّن لي ذلك من خلال محادثاتنا الكثيرة عن قضية فلسطين.»
ولفت بورقيبة الى« نحن جميعاً متفقون على أنه من المستحيل، في الظروف الراهنة، أن تشن الدول العربية حرباً على إسرائيل لتحرير فلسطين، وإرجاعها إلى أهلها وأصحابها.

وأذكّركم، في هذا الصدد، بمداولات اجتماعَي القاهرة والإسكندرية. ولست أعتقد أن في تأكيد ذلك إفشاء لسر ما. ويتعذر على الدول العربية القيام بأي عملية هجومية، في الوقت الحاضر، لسببين: أولهما أنها غير متأهبة لمواجهة الحرب، ولا قابلة لمبدأ تسلل عصابات المقاومين من أبناء فلسطين.
والثاني أن الوضع الدولي يحُول، أيضاً، دون ذلك، لاجتماع الشقين، الغربي والشرقي، في الأمم المتحدة على المحافظة على السلم، واستعدادهما لردع أي محاولة، تهدف إلى تغيير الوضع الحالي، بالعنف، في هذه المنطقة.» وختم بورقيبة رسالته برغبته لعقد اجتماع مع عبد الناصر ، في التاريخ والمكان، اللذين يمكن الاتفاق عليهما.!!