بقلم سحر الجعارة

الموضة، البدعة، الصرعة، أى كلمة من هذه الكلمات هى بمثابة المفتاح السحرى الذى يُدخلنا إلى ذلك العالم المثير الملىء بالمفاجآت.. والمثير أن دهشتنا غالباً ما تكون من أنفسنا عند محاولة استقراء ما نرتديه من ملبس، وما يحيط بنا من أثاث وديكور ومعمار، وما اعتادت آذاننا سماعه وما تتوق إلى الاستماع إليه من باب التجديد.. ونوعية الأفلام التى تستهوينا، وتلك الأخرى التى قد لا يفهمها البعض ولكنه يتردد على قاعة السينما شوقاً إلى فهمها.. وأشياء أخرى عديدة ننشدها.. لا نلمسها.. ولكننا نستمتع بتمنيها: إجمالاً كل هذا هو أنا وأنت.. نحن.

 
قف أمام المرآة وطالع وجهك من جديد. واستمتع ببكارة الدهشة حين تجد أن اختيارك لتسريحة شعرك تشرح الكثير من شخصيتك.. وتأمّل الأثاث من حولك ستجده يشى بأدق أسرارك. هذا «البوح» الذى تقوم به قطع الأثاث تتحكم فيه بدرجة اقترابك أو ابتعادك عن مسايرة «الموضة».
 
ولعل صعوبة تعريف الموضة ترجع إلى توزع دراسة الموضة بين مجالات عديدة كعلم الاجتماع والفولكلور، علاوة على ميادين الأدب والفنون والأخلاق والدين.
 
فى كتابه «سيكولوجية الموضة» اعتمد الدكتور «صلاح مخيمر» -عند تصديه لظاهرة الموضة بالدراسة والتحليل- على مدرسة التحلل النفسى. وتبنى آراء فرويد الذى يقول «إن إخفاء البدن بصورة متزايدة، وهو أمر يصاحب المدنية، إنما يعمل على إبقاء حب الاستطلاع الجنسى فى حالة تيقظ، ويعمل حب الاستطلاع على تكملة الموضوع الجنسى بكشف أعضائه المخفية، ومن الممكن تحويل حب الاستطلاع إلى الفن «إعلاءً»، إذ كان من الممكن انتقال الاهتمام من الأعضاء التناسلية إلى شكل البدن بأكمله ككل. ومن الأمور العادية عند الأفراد الأسوياء أن يتريثوا إلى حد ما عند الهدف الجنسى المتوسط، ألا وهو النظر المشوب بصبغة جنسية، فذلك يمكّنهم من توجيه جزء من طاقتهم الليبيدية إلى أهداف فنية عليا».
 
اختزل «مخيمر» الإنسان فى بُعده الجنسى لتصبح الموضة، فى رأيه، محصلة للرغبة الغريزية الاستعراضية عند المرأة والرغبة الأخلاقية السائدة عندها. ومن ثم تكون النتيجة غطاء يكشف ما تحته ويفضح ما يستره ويهمس بما يخفيه.
 
ربما يكون كتاب «فى سيكولوجية الموضة» 1978 قد تجاوزته الأبحاث والدراسات، لكن يظل «مخيمر» أول من أسس لهذا الحقل العلمى.. فمخيمر يتعامل مع الموضة مرتكزاً على أربعة محاور رئيسية هى على التوالى: الملابس كضرورة للإبقاء على القابلية للاستثارة الجنسية عند الرجل، وموضات الملابس تكثر للواحد المؤنث ليُبقى على الإثارة ويزيد منها. وموضات الملابس تجاوب على نوعية التوتر الجنسى والسكوبتوفيليا «متعة النظر». وأخيراً موضات الملابس كعملية عرض تتجه إلى المستويات الثلاثية للسكوبتوفيليا.
 
وبعيداً عن التحفظات العديدة التى نضعها حول تنامى العامل الجنسى فى نظرية د. «مخيمر» عن الموضة.. نجد د. «مخيمر» يشير فى كتابه إلى وظيفة هامة لفن الموضة، ألا وهى التجديد هرباً من الموت بالألفة والتعود: (كان شهريار الملك رمزاً للغريزة الرجالية الخالدة. ماتت كل امرأة بالنسبة إليه فى اللحظة التى سكبت فيها كل كيانها، فلم يعد لديها من جانب أو سر تمسك به انتباهه، قالت كل ما عندها ولم يعد لديها ما تقوله. إن الواحد يصيبه الموت إذا توقف عن «التكثر»، ففى هذا التكثر ما يعبّر عن حياة المرء، تلك كانت شهرزاد.. كانت ألف شهرزاد وزاد لا ينضب معينه.. كانت الكثرة فى وحدتها والوحدة فى تكثرها، فكانت رمزاً للأنوثة الخالدة).
نقلا عن الوطن