محمد ابو قمر

المشكلة في الكلام إللي تحت ده تكمن في فقدان الخيال ، قال أنشتاين أن الخيال أهم من المعرفة ، فالمعرفة مهما بلغت قوة حججها فهي بالنسبة إلي الخيال محدودة الفاعلية ، فالخنزير محرم ، لكن فقدان الخيال تجعلك لا تتساءل عن أسباب وجوده ، وما دام محرما أكله فهل خُلق لكي نقتله أم لكي نتركه يتكاثر حتي تصبح أعداده أكثر من أعداد البشر؟!

الخيال يمنحك فرصة التساؤل : لماذا لا يمكنني تحويل ما هو محرم وضار إلي شيء نافع لحياة الإنسان؟
لو تحكم هؤلاء الجامدون المتحجرون في الحياة لما تحول الخراء - وهو شيء ضار وبالتالي محرم _ لما تحول إلي سماد يساعد في نمو ما نأكله من منتجات الأرض .
 
الخيال صنع المطبعة التي حرمها هؤلاء الناس وحرموا فيما مضي طباعة المصحف بواسطتها ، الخيال صنع الصنبور وحرمه هؤلاء الناس علي اعتبار أنها رجس من عمل الشيطان .
 
هؤلاء الناس ليسوا محدودي المعرفة إلي حد بائس وحسب وإنما بفقدانهم للخيال جعلوا الدين عائقا أمام الحياة ، وربما يكون ذلك هو أحد الأسباب الجوهرية للتخلف الذي أخرج المجتمع الإسلامي من التاريخ ويوشك أن يخرجه كذلك من الجغرافيا.
 
الكون مليء بالأسرار ، وكلما تم اكتشاف سر من أسراره أصيب هؤلاء الناس بالهلع ، وهلعهم هذا ظاهره الخوف علي الدين لكنهم يموتون رعبا من ضياع مراكزهم وانتهاء وساطتهم والقضاء التام علي وصايتهم .
 
رجال الدين في كل دين وعلي مر العصور وقفوا دائما في وجه الحياة بحجة الخوف علي الدين ودفاعا عن الله ، ولنا أن نتذكر البشاعات التي ارتكبها رجال الدين المسيحي ضد العلماء في أوروبا ، ولم تكن أوروبا تستطيع أن تصل إلي ما وصلت إليه من تطوير سبل الحياة ووسائلها إلا حين أعطت ظهرها لرجال الدين ، وبهذه الطريقة تطورت الحياة هناك وتطور الدين أيضا وتطورت المعرفة بالله حين جعلوا الدين في خدمة الحياة وليس العكس.
 
صاحب الفضيلة إللي في الصورة إمعانا في إخضاعك لوصايته يحول المحرم إلي نجاسة ، بينما العقل الإنساني ونعمة الخيال يحررانك من هذه الوصاية حين تستطيع بهما تحويل المحرم إلي شيء يفيد الحياة.