د. ماجد موسى

احتفل ابناء القديس القمص ثاوفيلس  المحرقي اليوم الجمعة بالذكري السنوية الثامنة عشر،  والتي توافق الثامن والعشرين من شهر يناير، صلي القس مقار رزق والقس كيرلس عبيد كاهنا دير وكنيسة القديس العظيم الانبا مقار بابوتبج- وهي الكنيسة التي خدمها الاب المتنيح قرابة ربع قرن قبل نياحته عام ٢٠٠٤ - ولفيف من الشعب وكانت العظة عن حياته المباركة، وصلي القس مقار اوشية الترحيم علي روحه الطاهرة وبعدها استقبل نيافة الحبر الجليل الانبا أندراوس مطران أبوتيج بعض من أفراد عائلة أبونا ثاؤفيلس الذين حضروا التذكار قادمين من مدينة المنشاه بسوهاج - موطن العائلة- وعلي رأسهم شقيقه المقدس كمال سدراك واولاده ومن أفراد العائلةمن أسيوط ابناء عمه الدكتور نصحي عبد الملاك وأسرة المتنيح القس باسيلي عبد الملاك، وفي الدير المحرق حيث يوجد جسد القديس البار توجه المئات من ايبارشية ابوتيج الي الدير العامر حيث صلوا مع اباء الدير القداس الإلهي لروحه الطاهرة.
كان نيافة الحبر الجليل الانبا انطونيوس مطران القدس والكرسي الاورشليمي قد احتفل بالتذكار السنوي لابيه الروحي القمص ثاوفيلس المحرقي- شقيق سلفه الانبا ابراهام المطران السابق - في مقر بطريركية الاقباط الارثوذوكس بالقدس،  كما احتفل القس اثناسيوس رزق - احد ابناء القديس - وشعب كنيسة البابا شنودة بزرايب ١٥ مايو بالتذكار السنوي اول امس، وكذلك ابناءه الروحيين في مختلف الاديرة والكنايس بقداسات واحتفالات، ومنهم القمص امونيوس المحرقي والقمص ابيفانيوس الانبا بيشوي  القمص مكاريوس الانبا بولا والقمص تادرس الاورشليمي امين دير السيدة العذراء بجبل دير الجنادلة والقمص متاؤس الانطوني والقمص عبد المسيح افا مينا والقمص جورجيوس الانطونى في الكنيسة المصرية بهولندا والقمص مينا فوزي والقمص بيشوي كامل والقمص انجيلوس اسحق والقس ابرام معتمد والقس صموئيل القمص تيموثاوس بكنيستي القديسة العذراء مريم والقديس مارمرقس بابوتيج والقس بولس عدلي بكنيسة ماربولس بالعبور والقس يسطس برنابا بالكنيسة المصرية باليونان والقس ثاوفيلس الشنودي والقس باخوميوس الرزيقي والقس ابادير الانبا بولا والقس فيلوباتير صبحي بالإسكندرية.
نشأة وحياة القديس:
ولد هذا الأب البار في مركز المنشاة محافظة سوهاج فى يوم 6 ديسمبر 1927م من أسرة مسيحية تقية باسم “كامل ” والحقيقة التي عُرفت عن حياته انه كان كاملا في كل شيء .. رأت أمه البارة قبل ميلاده حلما شاهدت فيه ملاكا بمنظر روحاني جميل وقال لها الملاك : “اللي في بطنك ده مش ليكي ده بتاع ربنا ” 
ونشأ "كامل" نشأة روحية في البيت والكنيسة وتعلم الالحان والمردات من صغره فكان محبوبا من كاهن كنيسته وخدامها ، وارتبط بالكنيسة ارتباطًا كبيرًا. وكانت له دالة كبيرة مع السيدة العذراء والقديسين والشهداء.
 
وكان رغم حداثة سنه يؤمن بشفاعتهم إيمانًا كبيرًا فقد حدث ذات مرة إن والده كلفه بحراسة أجران القمح وكان ذلك يوم الجمعة العظيمة ولم يحتمل أن يكون بعيدا عن الكنيسة في هذا اليوم الروحاني فصلى بإيمان شديد ثقة للرب وقال “يارب مارجرجس يحرس الجرن وأنا أروح الكنيسة ” وذهب للكنيسة وعندما حضر والده وجيرانه رأوا منظرا عجيبا فقد رأوا رجلا ذو طلعة بهية راكبا على حصان ويدور حول الأجران فوقفوا متأملين وخائفين من يكون هذا الرجل وبمجرد وصول ” كامل ” من الكنيسة اختفى هذا الرجل وحصانه ، فكانوا في ذهول إلى أن تيقنوا انه الشهيد مارجرجس عندما قال لهم “كامل” بمنتهى البساطة انه طلب من الرب أن يرسل القديس مارجرجس لحراسة الأجران حتى يعود هو من الكنيسة.
 
وعندما اشتد عوده اشتعل في قلبه وذهنه فكر الرهبنة فأخذ يصلى إلى الرب متشفعا بالسيدة العذراء متمنيًا أن يكون راهبا بأحد أديرتها ، وعندما علم والده بذلك رفض أن يسمح له بالذهاب إلى الدير فأطاع والده ولكنه لم تفارقه رغبته وكان يصلى للرب بلجاجة إلى ان رأى ذات يوما حلما فيه السيدة العذراء ومعها راهب شيخ وكان هذا الراهب يمد له يده بقربانة .. وعندما اخبر أب اعترافه بهذا الحلم قال له : لقد قبلتك العذراء واختارتك في ديرها المحرق .. وبدأ في إقناع والده مرة أخرى الذي رفض إلى أن تدخل احد أقرباءه فوافق والده على أن يذهب للخلوة فقط وتم قبوله كطالب للرهبنة .
 
وبعد اختبارات عديدة وصلوات كثيرة زكاه أباء الدير إلى رئيس الدير فرسمه راهبا باسم الراهب ثاؤفيلس المحرقى فى 5 يناير سنة 1959م . 
 
بعدما رأي رئيس الدير اشتياقه للعلم أرسله إلى كلية اللاهوت بحلوان للدراسة بها وبعد فترة الدراسة رجع للدير فكان مثالا وقدوة في الرهبنة محبا للجميع يهتم بكل المحتاجين وحريصا ومدققا فى كل شيء حتى اصغر الأمور .
 
وبعد عودته من القدس عاد ليخدم في الدير بمنتهى الأمانة وكان يشرف على عدة أعمال بالدير والأراضي التابعة له وكان يهتم بكل هذا اهتماما فائقا وكان في الوقت ذاته محافظًا على طقسه الرهباني بحب واشتياق ثم تمت ترقيته قمصا وأوكلت إليه خدمة القرى المحيطة بالدير.
 
دعوته للخدمة بدير وكنيسة القديس الأنبا مقار:
بعد نياحة الأنبا مرقص مطران أبوتيج السابق وفي عام 1979 كان يشرف على الايبارشية نيافة الأنبا ويصا أسقف البلينا – أطال الله حياته – ونظرا لقلة عدد الكهنة في ذلك الوقت فقد طلب نيافته من نيافة المتنيح الأنبا ساويرس أسقف ورئيس الدير المحرق أحد رهبان الدير للخدمة في مدينة أبوتيج في مدة أسبوع الآلام وعيد القيامة فقام نيافته بانتداب أبونا ثاؤفيلس للخدمة هناك ثم عاد إلى الدير .. وبعد سيامة الأنبا أندراوس مطران أبوتيج – أطال الرب حياته – طلب نيافته ان يستمر أبونا ثاؤفيلس في خدمة بكنيسة ودير الأنبا مقار الأثري بمدينة أبوتيج وهذا الدير زاره القديس الأنبا مقار أثناء رجوعه من منفاه في جزيرة فيلة وعمره رهبان كثيرون وأقيمت فيه كنيسة ثم ابتدأ مسيحيي المدينة دفن موتاهم حول هذه الكنيسة .
لم يكن بهذا الدير قبل مجيء أبونا ثاؤفيلس له أي نشاط يذكر سوى صلاة القداس الإلهي يوم الأحد وكانت مباني الدير والكنيسة متهالكة ولم يكن فيه إنارة أو مياه أو أشجار وكان الحاضرون من الشعب قليلون جدا ومعظمهم من كبار السن فقام الأنبا اندراوس بتكليف أبونا ثاؤفيلس بالخدمة في الدير وذلك في سنة 1980 
بدأ أبونا خدمة شاقة تكاد توصف بالمستحيلة ولكنه بدا الخدمة بالصلاة متشفعًا بالعذراء والأنبا مقار بكل حب وعطاء وبدأ الناس يلتفون حوله والجميع يأتون إليه من كل مكان ويلتمسون المشاركة في إعمار الدير وبدأت ملامح تغيير كبيرا تطرأ على الدير وفى أثناء كل هذا كان ابونا ثاؤفيلس ينكر نفسه تماما بالتواضع والصلاة الدائمة وعلى الرغم من أن خدمته كانت في دير يقع في وسط المدينة ووسط العالم إلا انه لم ينسى يوما أنه راهبا مات عن العالم لكي يحيا مع المسيح ، فكان كل شيء يأتيه لا يقتنى منه شيئا بل يقوم بتوزيعه على المحتاجين وكان ناسكا من الطراز الأول كان دائما لا يسأل عن احتياجات الجسد حتى انه لم يكن يرتدى قلنسوة الرهبان الشهيرة بل عمة بسيطة حتى لا يعطيه أي احد التوقير اللازم للرهبان 
ولان الصلاة هي صلة بيننا وبين الله كان يهتم بإقامة القداسات اليومية اهتماما بالغا لأنها كانت غذاء نفسه وشبع روحه.
 
اشتهر أبونا ثاؤفيلس المحرقي بشفافيته جدا لدرجة أذهلت كل ما تعامل معه فقد كان يعرف عن أشياء في حياة الناس لا يعرفها أي احد وينبأهم بأشياء ستحدث في المستقبل فكانت تحدث كما قالها بالضبط والي جانب الشفافية وروح النبؤة أعطاه الله موهبة إخراج الشياطين والصلاة لشفاء المرضي والراحة للمتعبين إلى جانب اهتمامه بالفقراء والشعب بكافة أعماره أطفال وشباب وشيوخ معلما وأبا غرورًا علي كنيسته.
 
تتلمذ علي يديه العديد من الأبناء الروحيين سواء من الشعب أو الاكليروس الذين نالوا نعمة درجات الكهنوت الثلاث الأسقفية والقسيسية والشماسية.
نياحته :
كان يوم نياحته في 28 يناير 2004 يوما تاريخيا ومشهودا في تاريخ أبوتيج والدير المحرق والمناطق المحيطة بهما .
 
كان أبونا ثاؤفيلس مشتاقا جدا ليوم الانتقال وفى ليلة نياحته جاءه احد أبنائه ليعطيه العلاج فقال له أبونا : “خلاص مش هاخد البرشام تاني”.
 
في فجر ذلك اليوم انطلقت روحه الطاهرة من قيود هذا الجسد لتبدأ حياتها في الأبدية حاملة معها أعمال عظيمة لرجل بار وهب حياته لمخلصه ولكنيسته فاستحق الإكليل السماوي المعد لأبناء الله .
بعد أن انتشر خبر نياحته في مدينة أبوتيج والبلاد المحيطة بها توافد الآلاف على الكنيسة التي وضع بها جسده الطاهر وبعد الصلاة عليه والتي كانت بمنتهى الصعوبة في ظل هذا الجمع الذي لم ترى له المدينة مثيلا من قبل بدأت رحلة عودة هذا الرجل البار إلى ديره كحسب وصيته أن يدفن في دير المحرق فتحركت السيارة التي تقل جسده بمنتهى الصعوبة حتى وصلت إلى الدير بعد وقت طويل للغاية رغم قرب المسافة بين أبوتيج والدير المحرق وهناك استقبل الرهبان جسد الأب البار بصلوات حزينة ممزوجة بالفرح لاستقبالهم ضيفا سماويا وبعد الصلاة عليه مرة أخرى في الدير حمل الآباء جسده الطاهر ووضعوه في طافوس أو مدفن الدير .
وبعد فترة وأثناء احتفال الدير بعيد نياحة القمص ميخائيل البحيري تم فتح الطافوس – مدفن الرهبان – والصندوق فوجد الآباء جسد أبونا ثاؤفيلس كما هو لم يطرأ عليه أي تغيير بل وتنبعث منه رائحة عطرة جميلة .. كذلك شاهد الكثيرون أنوار كثيرة تضئ على القبر من حين لأخر تشهد بأن الجسد الراقد في هذا القبر هو جسد لرجل أكرم الرب في حياته فأكرمه الرب بعد انتقاله .