فى ذكرى دخول العائلة المقدسة إلى مصر التي توافق أول يونيو من كل عام يرصد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن الفنون القبطية جسّدت رحلة العائلة المقدسة و صور السيد المسيح فى أيقونة الدخول إلى أرض مصر وهو طفل صغير مقمط تحمله السيدة العذراء مريم فى حضنها بحب وحنان بينما فى أيقونة العودة إلى الناصرة بفلسطين يظهر الطفل صبيًا يمشى على قدميه وهى تعبر عن صدق الفن القبطى حيث جاء السيد المسيح إلى مصر طفلًا وعاد صبيًا بعد أن قضت العائلة المقدسة فى مصر ثلاث سنوات و11 شهرًا.

 
وارتبط مسار العائلة المقدسة باحتفالات وأعياد وترنيمات رائعة وموالد فى المواقع التى باركتها العائلة المقدسة يشهدها المسيحيون والمسلمون وتحتفل الكنيسة المصرية فى أول يونيو من كل عام بعيد دخول السيد المسيح أرض مصر فى كل الكنائس وخاصة فى كوم ماريا بدير أبو حنس المعادى وسخا وسمنود ودير القديسة دميانة وحارة زويلة وجبل الطير ودير الجرنوس ومسطرد وذلك طبقًا لما جاء فى كتاب رحلة العائلة المقدسة فى أرض مصر للدكتور إسحق عجبان عميد معهد الدراسات القبطية.
 
ويضيف الدكتور ريحان أن الاحتفالات تستمر سبعة أيام من بداية يونيو بالكنيسة الكاثوليكية بالمطرية و15 يوم بكنيسة العذراء بمسطرد تنتهى بتذكار تكريسها ومن 19 إلى 28 يونيو احتفالًا كبيرًا بكنيستها بحارة زويلة ومن 7 إلى 22 أغسطس صوم العذراء مريم وإقامة احتفالات بكنائس العذراء مريم بكل أرض مصر التى باركتها العائلة المقدسة ومن 12 إلى 20 مايو احتفالات دير العذراء بجبل الطير.
 
ويشير إلى نماذج من التراث الكنسى المرتبط برحلة العائلة المقدسة ومنها قداس القديسة مريم المنسوب للأنبا قرياقوس أسقف البهنسا بمحافظة المنيا ملتقى الأديان فى صعيد مصر والتى تضم شجرة استظلت تحتها العائلة المقدسة وعدة كنائس وضريح لسبع راهبات قاتلن مع المسلمين ضد الرومان فذبحهم الرومان ومقابر 70 صحابياً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
وقد ورد فى هذا القداس ” أيتها العذراء ذكرى من يتذكر دون أن ينسى أحد، أيتها العذراء ذكريه (السيد المسيح) بميلاده الذى تم منك فى بيت لحم، أيتها العذراء ذكريه بهربه معك عندما هربت من مملكة إلى مملكة فى أيام هيرودس الملعون، أيتها العذراء ذكريه بالدموع السخينة التى انسكبت من عينيك وسقطت على وجه إبنك الحبيب، أيتها العذراء ذكريه بالجوع والعطش والفقر والحزن وكل الضيقات التى كابددتها معه، ذكريه بالرحمة لا بالهلاك، ذكريه بالشفقة لا بالغضب”
 
ويطالب الدكتور ريحان باستغلال هذا التراث اللامادى المرتبط بمسار العائلة المقدسة فى برنامج الرحلة نفسها ومن المعروف أن هناك لجنة من وزارة السياحة والآثار والثقافة والداخلية والخارجية والتعاون الدولى قد أوشكت على تقديم ملف تسجيل التراث اللامادى المرتبط بمسار العائلة المقدسة تراث عالمى باليونسكو ويجب الاعتماد على كل مجهودات اللجنة فيما جمعته من هذا التراث مع إشراك الجمعيات الأهلية خاصة بصعيد مصر والذى لديها كنوز من هذ التراث جمّعتها خلال عدة سنوات فى هذا الملف قبل تقديمه لليونسكو.
 
ويؤكد على ضرورة استغلال هذا التراث فى برنامج الرحلة من إعداد احتفالات خاصة عند زيارة هذه المواقع تقدم فيها صورًا عديدة من هذا التراث لربط التراث المادى المتمثل فى الآثار والآبار والينابيع التى فجّرها السيد المسيح والأشجار والكهوف والصخور والنقوش الصخرية والتحف المنقولة المتمثلة فى الماجور الفخارى الذى عجنت فيه السيدة العذراء خبزًا فى سمنود بمحافظة الغربية بالتراث اللامادي المتمثل فى الأعياد والموالد والقدّاسات والترانيم والأناشيد والأغاني الشعبية المرتبطة بتاريخ المسار والمستمرة حتى الآن.
 
ولفت إلى تصوير الفن القبطى للسيدة العذراء وهى تحمل الطفل وتركب على الدابة وهو حمار ذو لون رمادى من حيوانات أرض مصر وتبدو وكأنها تفكر فى كل ما حدث لها فى صمت وتأمل وتسليم كامل للإرادة الإلهية كما تصور القديس يوسف النجار شيخًا مسنًا ممسكًا بعصا أو عكاز ويمشى على قدميه فى الأمام ليقود مسيرة الرحلة محتملًا مشقات السفر وأخطاره فى طاعة كاملة لما أمره به الملاك أن يأخذ الصبى وأمه ويهرب لأرض مصر كما جاء فى إنجيل (متى 2 : 13) " قم وخذ الصبى وأمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك" مع عنايته الشديدة بالطفل ووالدته السيدة العذراء من مخاطر الطريق وأحيانًا يضاف للأيقونة ملاكًا يرافق العائلة المقدسة كأنه ملاك حارس لها ويظهر بلون أبيض رمزًا للنقاء وفى بعض الأيقونات يظهر ملاكين
 
وينوه الدكتور ريحان إلى وجود هالات دائرية مقدسة تعلو رؤوس الأشخاص فى أيقونات العائلة المقدسة والأيقونات القبطية عامة لكى تدل على أنهم قديسون وأمّا السيد المسيح فيرسم فوق رأسه ما يسمى بالهالة السيدية وهى هالة داخلها علامة الصليب، وتحتوى أيقونات رحلة العائلة المقدسة على عناصر مصرية مثل نهر النيل والمعابد المصرية والأهرامات وأبو الهول وصحراء مصر وجبالها وأوديتها والمراكب الفرعونية وكذلك رموز البيئة المصرية مثل الطيور والنخيل والأشجار وسنابل القمح والأسماك النيلية.
 
ولفت الدكتور ريحان إلى نماذج من هذه الأيقونات ومنها أيقونة بالكنيسة المعلقة بمصر القديمة رسمها إبراهيم الناسخ ويوحنا الأرمنى تعود إلى القرنين 17- 18م وأيقونة بكنيسة أبى سرجة  التى تضم المغارة الشهيرة التى لجأت إليها العائلة المقدسة وتوجد أمام باب المغارة رسمها أنسطاسى الرومى 1849م وأيقونة رحلة العائلة المقدسة بكنيسة أبو سيفين بمصر القديمة وأيقونة عودة العائلة المقدسة من مصر إلى فلسطين بنفس الكنيسة وأيقونة العائلة المقدسة والقديس يوسف النجار يحمل الطفل على كتفيه بكنيسة السيدة العذراء بالمعادى رسمها أنسطاسى الرومى 1833م وأيقونة العائلة المقدسة بكنيسة العذراء بمسطرد تعود إلى القرن 16م وأيقونة هروب العائلة المقدسة والمرسومة على النسيج رسمها يوحنا الأرمنى بدير المحرق بأسيوط والتى تعود إلى القرن 18م.
 
وأكد الدكتور ريحان أن المقصود بالربوة التي أوت إليها العائلة المقدسة والمذكورة في القرآن الكريم فى سورة المؤمنون آية 50 }وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ{ هي أرض مصر التي لجأت إليها العائلة المقدسة وهى أرض بها نبات.
 
وتابع أن الرسامين والفنانيين العالميين منذ العصور الوسطى وعصر النهضة حتى وقتنا الحالى استوحوا رحلة العائلة المقدسة إلى مصر وجسّدوها فى أشهر لوحاتهم الفنية ومن أشهرهم الفنان الإسبانى بارتولومى استبيان موريللو فى القرن السابع عشر الميلادى الذى قام بتصوير الأحداث التى مروا بها فنيًا بالإضافة إلى لوحة "الرحلة إلى مصر" للفنان الإيطالى كارافاجيوعام 1597م كما صوّر الفنان الإيطالى جيوفانى دومينيكوتيبولو فى القرن 18م 27 لوحة متسلسلة عن تفاصيل الرحلة المقدسة لأرض مصر