بقلم وفاء هندى حكيم

كان لى الحظ الوافر ان أكون ضمن الحضور فى مؤتمر المناخ الذى أنعقد هذا العام فى مدينة شرم الشيخ وكم سعدت وأمتلأت فخراً بالمجهودات المبذولة من قبل الحكومة المصرية  بكل أطيافها وشبابنا الرائع الذى تُرفَع لهم القبعة امتناناً وشكراً لأدائهم ومجهوداتهم االعظيمة وصورتهم البراقة أمام العالم أجمع  وكذلك تكاتف العالم الإنسانى فى وحدة وتناغم نحو تحقيق الهدف فى إنقاذ كوكبنا لقد شارك في المؤتمر ممثلون من معظم بلدان العالم والجمعيات المدنية العالمية والمحلية ذلك لأهمية الحدث وتعاظم قيمة البيئة ومحاولة الوصول الى حلول جذرية فى كيفية الحفاظ عليها وكذلك لتقديم  الحلول والأراء العديدة للوصول الى مانصبو اليه من بيئة نظيفة وإرث فريد يجب ان نتركه للأجيال القادمة فى صورة لائقة ، ولقد شاركت الجامعة البهائية العالمية بصفتها منظمة غير حكومية وتتمتع بمركز استشارى فى الأمم المتحدة ولها باع طويل فى المساهمات الهامة  إجتماعياً وإقتصادياً فى تقديم ورقات بحثية نحو تقدم العالم الإنسانى وقد ساهمت فى هذا المؤتمر الهام بورقة بحثية بعنوان " كوكب واحد موطن واحد" اعتقد انها من الأهمية لإن نلقى الضوء على بعض مابها من أفكار ومجهودات فى إيجاد حلول للمشاكل البيئية المعقدة التى وصلنا اليها فى عالمنا المعاصروالنقاط التى يجب التركيز عليها لتحقيق تقدماً ملموساً نحو عالم أفضل لإنقاذ عالمنا وكوكبنا من الكثير من الأضرار التى تكاد ان تدمره وتعصف به، لقد أصبحت التأثيرات الجسيمة لتجاوز حدود الكوكب ظاهرة بشكلٍ متصاعد، فمنها التغير المناخي وفقدان التنوع الحيوي والتلوث والتدهور البيئي، وهذا مادفع البشرية إلى تطوير علاقات ناضجة ومتعاونة وبناءة بين شعوبها وبين بيئتها الطبيعة.
 
لقد تقدّم التفكير في القضايا البيئية بصورة ملحوظة منذ مؤتمر الأمم المتحدة والذي كان حدثًا بارزًا لنقاش بيئة الانسان في عام 1972 ففي نصف القرن الماضي برز التقدّم المحرز سواء في المجالات العلمية أو القانونية أو المؤسساتية كسبب يدعو إلى الثقة ومصدراً للتفاؤل ولكن اليوم أصبحت ترجمة هذه المفاهيم إلى أفعال بحاجة إلى سرعة أكبر ونطاق أوسع، وأصبحت التغيرات الشاملة في تنظيم وإدارة الشئون البشرية أمراً لازماً وضرورياً يستحيل تجنبه، والسؤال الذي يطرح نفسه أمام شعوب وقيادات العالم هو هل ما يجب القيام به سيكون نابعاً من اختياراتنا أم سيكون مفروضا علينا نتيجة الدمار والمعاناة التي ستنجم عن زيادة الإنهيار البيئي المتصاعد؟
ومن الأساسيات التى يجب ان نتحرك من خلالها هى أن كل منا يأتى إلى هذا العالم كوديعة في أمانة المجتمع الإنساني ، وكلّ منا عليه أن يحمل جزءًا من مسؤولية إصلاح المجتمع والكوكب الذي نعيش فيه فالإحتياج الدائم إلى الموارد الطبيعية أساسي لحفظ ولتقدم الحضارة الإنسانية ولكن المطلوب هو توجيه هذا الإحتياج برشد وإبداعً وشفقة، وبينما نحن نتعلم عن أفضل الطرق لإستخدام المواد الخام المستخرجة من الأرض وأساليب توجيهها للمصلحة العامة، لابد وأن نكون على وعي بطرق تفكيرنا تجاه مصدر بقائنا، ويجب على ممارساتنا أن تعكس حقيقة أن ثروات الأرض وعناصرها الباهرة ملك مشترك لجميع البشر ويستحقون حصتهم منها بعدل وإنصاف، ومن الضروري أن تُظهِر إختياراتنا فى صناعة القرارا منظورا اساسياً يتسم بالحكمة وحسن التقدير الناتجان عن الإزدياد في النضج فيضع في الإعتبار إزدهار سكان الأرض في المستقبل. 
لن نستطيع إيجاد حلولا حقيقية إلا إذا أدركا اننا إنسانية واحدة في وطن عالمي واحد كى نحقق رؤية واسعة تشمل العالم بأسره، ولا يمكن أن نرى البشرية إلا من خلال منظور شعب واحدٍ يعيش في وطن عالمي واحد فالوعي بهذه الوحدة والذي يظهر من خلال العلاقات العادلة يشكل الأساس الوحيد الذي يمكن من خلاله بناء المجتمعات المستديمة.
إنّ إقرارنا بوحدة البشرية لا يعني إزهاق التنوع في أساليب التعبيرأو الثقافات فمبدأ الوحدة يحوي في ثناياه مفهوم التنوع الأساسي، وهو ما يفرقه عن التماثل ففي عالم الطبيعة تزدهر الأنظمة من خلال تفاعلات عناصر على درجة كبيرة من التنوع مع بعضها البعض حيث تكون الإختلافات بين هذه العناصر سبباً في تحسين الكيان العمومي بأسره.
يستحق كل سكان الأرض فرصة الأستمتاع بثمار مجتمع عالمي يتقدم بتناغم مع عالم الطبيعة ولبناء مجتمع كهذا يجب تمكين الأفراد في كل مكان ليساهموا في العمليات البنّاءة الهادفة إلى تأسيسه، ولذا يصبح بناء القدرة لدى الأفراد والجماعات والمؤسسات للمساهمة الفعالة في التغيير عنصر لا غنى عنه في العمل البيئي الحيوى.
        
إنّ إطلاق العنان للخصال السامية والكامنة في كل فرد هو الشغل الشاغل للتعاليم والمثل الدينية عبر آلاف السنين ولايمكن أن ننكر كيف قوض التشدد والتعصب الضرورات الأخلاقية التي تكمن في صميم العديد من هذه التعاليم الدينية. ومع ذلك، فإن المجتمعات التي تعمل بنشاط من أجل وضع القيم السامية موضع التنفيذ، من أجل خير الجميع تمثل مخزونًا من الخبرة جديرًا بالاهتمام الجاد. كيف يمكن لمثل هذه المُثُل العليا أن تتغلغل في تفكير وسلوك أعداد متزايدة من الأفراد؟ وكيف يمكن تعزيز وتسريع هذه العملية بوعي؟ هذه أسئلة ذات أهمية محورية للحركة البيئية والإنسانية ككل. 
علينا ان نعى قيمة العلم والدين فى تطور الجنس البشرى وإيجاد حلول مستدامة نحو الرقى والنجاح فالبحث العلمي أداة هامة لمحاولة فهم الواقع الملموس ولخلق حلول مبتكرة مبنية على السعي وراء الحقيقة والإلتزام بالتعلم، وعندما يمتزج العلم مع قيم مثل تجنب التعصب والتحيّز، فأنه يُمكّن البشرية من التفريق بين الحقيقة والوهم، ولقد سمحت لنا القدرات العلمية المتمثلة في مراقبة الأفكار وقياسها واختبارها بدقة فى بناء فهم متماسك للقوانين والعمليات التي تحكم واقعنا، ذلك الى جانب الجناح الآخرللإنسانية وهو الدين الذى يوفر إطارًا يمكن من خلاله تطبيق المُثُل العليا في حياة الأفراد وفي حياة المجتمع من أجل تحسين أوضاع الجميع، فالدين والعلم جناحان يطير بهما الإنسان إلى العُلا وبهما تترقى الروح الإنساني.
تتطلب العدالة الترابط بين القول والفعل، ولذلك يجب تشكيل هيئات جديدة وإبرام اتفاقيات حديثة لتجعل الالتزام بإيفاء جميع الوعود التي تم قطعها حجر الأساس لكل جهودها المستقبلية، لابد من إعادة بناء مخزون من الثقة بعد أن أستُهلِك تماما في السنوات الأخيرة، الثقة في السلطات المنتخبة، والثقة في وسائل الإعلام، والثقة في الكشف العلمي، والثقة في الإلتزامات التي يعد بالقيام بها قادة العالم.
اخيراً يلعب العمل الجماعي ودور الشباب الإبتكارى انفتاحًا على طرق جديدة لتنظيم المجتمع واستعدادًا للتعلم من خلال العمل الدؤوب، واستعدادًا للالتزام بالمساعي العالية ورفاهية الأجيال القادمة لتحقيق وجود العالم الذي يلوح لنا هو عالم التكامل، والتوازن والجمال، والنضج، إنه عالم يتمتع بإحساس أعيد تعريف تقدمه وحُددت آليات تطوره مليء بالمجتمعات والأفراد الذين يعملون معًا نحو تحقيق أعلى تطلعاتهم.
هناك حاجة إلى إجماع وإرادة مشتركة بين الدول بقدر اكبر حول القيم التي تتطلبها المرحلة الحالية من تطور البشرية، وإلى قدر أعظم من العزم في وضع تلك القيم موضع التنفيذ، وإعادة الالتزام بما يعود بالنفع على الصالح العام، والتخلي عن كل ما يقف في طريق الاستجابة للنداء الأخلاقي والعملي للساعة الحالية.
 
لمن يرغب فى المزيد من التفاصيل عن الورقة البحثية المقدمة من الجامعة البهائية العالمية  "كوكب واحد موطن واحد" يمكنه الرجوع إلى هذا الرابط: