القمص يوحنا نصيف
    جاءني بعض التساؤلات بخصوص العلاقة بين القدّيس القمّص بيشوي كامل والقمّص متّى المسكين.. متى بدأت؟ وما هو مداها، والمراحل التي مرّت بها؟ ومَن هو صاحب مُصطَلح "الإنجيل المُعاش"؟!

    في البداية، أودّ أن أوضِّح أنّ من المميّزات الجميلة في شخصيّة أبينا القدّيس القمّص بيشوي كامل، أنّه كان يحمل روح التلمذة، ويتعلّم من الجميع بروح اتضاع جميلة.. لقد تأثّر بالقمّص متى المسكين، وبالقمّص ميخائيل إبراهيم، وبالمطران جورج خضر، وبالبابا كيرلس السادس، وبالبابا شنودة الثالث، وبالأنبا يوأنس أسقف الغربية، وبالدكتور راغب عبد النور، وبالأب ليف جيليه، وبالكثير من الكتابات غير القبطيّة أيضًا.. ومعظمنا يعرف اهتمامه بترجمة ونشر كتب روحيّة رائعة مثل:

   "سائح روسي على دروب الربّ" وهو لكاتب روسي أرثوذكسي،
   و"بذل الذات" للأب جوزيف شريفرز وهو كاثوليكي،
   و"حوار مع المخلص"، و"صلاة يسوع" للأب ليف جيليه وهو راهب أرثوذكسي،
   و"الرعاية" للأب غريغوريوس الكبير وهو بابا كاثوليكي..

    كما تأثّر أبونا بيشوي بكتابات المطران جورج خضر، مطران جبل لبنان السابق للروم الأرثوذكس، ونقل عنه مصطلح "الإنجيل المُعاش".. هذا المصطلح الذي لم يكن معروفا في مصر من قبل، فقام أبونا بيشوي بنشره في الكثير من عظاته وكتاباته..
    وتأثّر أيضًا بالعديد من الكتابات الأرثوذكسيّة التي تُصدِرها منشورات النور، مثل كتاب "من أجل فهم الليتورجيا وعيشها".
    لقد كان أبونا بيشوي مثل النحلة النشيطة التي تجمع الرحيق الحلو من جميع الزهور..!

    أمّا عن تلمذته للقمّص متّى المسكين، فسأكتب فقط بعض ما أعرفه، وبالتأكيد هناك الكثير الذي لا أعرفه..
   + علاقة القمّص بيشوي كامل بالقمّص متّى المسكين بدأت في أوائل الخمسينيّات من القرن العشرين، مع صدور كتاب "حياة الصلاة الأرثوذكسيّة".
   + بعد ذلك قضى القمّص متّى المسكين فترةً كوكيل للبطريركيّة في الإسكندرية من مارس عام 1954 حتى مايو 1955م، مُجَرّد سنة وشهرين، ثم عاد إلى دير السريان.. في تلك الفترة نشأت علاقة روحيّة عميقة بين أبينا بيشوي (الخادم سامي كامل) وأبينا متّى المسكين، وتوطّدت جدًّا..

   + عندما ذهب أبونا متّى مع مجموعة من الرهبان من دير السريان إلى دير الأنبا صموئيل (وهو ديره الأصلي التي تَرَهَّب فيه) عام 1956م، كان أبونا بيشوي يتابع الموقف، ويذهب كثيرًا للخلوة هناك بدير أنبا صموئيل.. وأحيانًا يأخُذ معه بعض الخُدّام الآخرين، مثل فايز يعقوب (القمّص تادرس يعقوب لاحقًا).. ويحكي أبونا تادرس أنّهم كانوا يستمتعون بكلمات روحيّة هناك، وكأنّهم في السماء..!

   + في تلك الفترة أراد سامي كامل أن يترهّب تحت قيادة أبينا متّى في دير الأنبا صموئيل، ولكنّ مرض والده في تلك الأيّام جعله يؤجِّل هذا القرار.
   + في الفترة من 1956 إلى 1960، كان أبونا متّى يتحرّك أحيانًا خارج دير الأنبا صموئيل، لمتابعة عِدّة أمور.. وفي تلك الفترة أشرف على تأسيس بيت التكريس بحلوان، في بداية 1959م. كما كانت يهتمّ بتوفير بعض المؤونة للدير..

   + أثناء تلك الفترة، وفي عام 1958م، أخذ أبونا متّى فترة خلوة طويلة في مكان بسيط في صحراء العامريّة بالقرب من الإسكندريّة، وكتب في تلك الخلوة كتاب "الكنيسة الخالدة"، بينما كان سامي كامل يتردّد عليه ليخدمه، ويوفّر له ما يحتاجه من أوراق وطعام وشراب..

   + عندما فاجأ القدّيس البابا كيرلّس السادس "سامي كامل" بدعوته للكهنوت في أواخر نوفمبر 1959، اضطرب سامي وسافر إلى دير أنبا صموئيل ليستشير القمّص متى المسكين في هذا الأمر، واستغرق السفر حوالي يوم كامل (حسبما كتب في مذكّراته)، وهناك أشار عليه أبونا متّى برفض الأمر (بحسب ما حكى لي أبونا تادرس)، وبعد يومين من الصلاة بالدير عاد سامي إلى الإسكندريّة، ولم يكُن يعرف ماذا يفعل؟ ولكنّه في النهاية استسلم لترتيبات الله التي وجدها تقوده إلى الزواج ثمّ السيامة الكهنوتيّة، والتي تمّت في 2 ديسمبر 1959م.

   + في فترة الأربعين يومًا بعد السيامة، والتي قضاها أبونا بيشوي في دير السريان، كَتَبَ أبونا في مذكّراته أنّه سيحتاج لأب كاهن يعيش في العالم، ليكون أب اعتراف له في تلك المرحلة الجديدة من حياته.. ويُفكّر في التواصُل مع القمّص ميخائيل إبراهيم، الذي كان يسمع عنه بالقاهرة. وبالفعل بدأ بعد ذلك يذهب إليه، ليعترف وينال إرشادات روحيّة.

   + بعد عودة القمّص متى المسكين من منطقة وادي الريّان إلى دير القديس مكاريوس الكبير بوادي النطرون، والقريب نسبيًّا من الإسكندريّة، وذلك في منتصف عام 1969م.. بدأ أبونا بيشوي مرّة أخرى في التردّد على القمص متّى المسكين، بزيارات كثيرة.. وكان في مُعظم الأحيان يأخُذ معه بعض الخُدّام أو بعض الآباء الكهنة، وكانوا يجلسون جلسات روحيّة عميقة حول مائدة الإنجيل مع أبينا متّى، تستغرق ساعات طويلة في كلّ مرّة..!
   + في تلك الفترة ذهب الكثير من الأبناء الروحيّين لأبينا بيشوي للرهبنة في دير أنبا مقار، تحت إرشاد أبينا متّى، لا يزال بعضهم موجودًا حتّى الآن، والبعض تنيّحوا..

   + كان أبونا بيشوي يقرأ بشغف كلّ كتابات القمّص متّى المسكين، سواء الكتب أو النبذات أو المقالات الافتتاحيّة لمجلّة مرقس التي كانت تصدُر من الدير، وكان يتأثّر بها جدًّا.. كما كان أبونا بيشوي دائمًا يسعى للسلام داخل الكنيسة، ويحافظ على علاقات محبّة قويّة بينه وبين الجميع، لذلك كان محبوبًا جدًّا ومحلّ ثقة من الكلّ.

   + أختَتِم كلامي برسالة روحيّة عميقة أرسلها القمّص متّى المسكين لأبينا بيشوي في بداية مرضه، وقد أوردها المتنيّح طيّب الذكر القمص لوقا سيداروس، ضمن عِدّة رسائل، في كتابه "القمّص بيشوي كامل رجل الله - الجزء الثاني":

----
عزيزي بالربّ القمّص بيشوي
سلام ومحبّة ربّنا يسوع مع روحك..
الشُّكر والتسبيح والسجود والمجد الدائم للربّ، الذي صنع بك العظائم.
نفوسُنا وقلوبنا ظلّت معلّقة، لا ترتاح ولا تجد مستَقَرًّا في الأرض، حتّى أتت الأخبار من بعيد بما يُريحُنا.
لم اشأ أن أكتب، أو أتكلّم، أو أسأل إنسان عنك، سوى ربّي يسوع، طالبًا ردًّا عمليًّا يطمئنّي عن استجابة الحُبّ الإلهي، لدموع وصلوات المحبّة.
أمّا الألم فهو صكّ العبور، وتاج الظفر على هذا العالم.

ولكن لمسات القوّة في وسط الضعف، فهي إشارة مسرّة الملِك لأمين سرّه.
والصحّة والشفاء عند يأس الأطبّاء علامات تُنبئ بتبنّي السماء لمشاكل الجسد، لحساب الإيمان، ولتمجيد الشهادة.
وعندما تعزّ الشهادة بالكلمة، وتضعُف الآذان والقلوب عن قبول الخدمة بالصحّة والعقل والمنطِق، يعود الله ليستخدم ضعفات الإنسان، بل ضعفات الجسد للشهادة، وتثبيت الكلمة، وإعلاء شأن الخدمة المكتومة.

إنّ مرض الخادم الأمين، عندما يظلّ قلبه مرتفعًا بالإيمان والحُبّ، يتكلّم أفضل من قوّة ربوات من الأقوياء..
أمّا تَقَبُّل الألم الشديد بابتسامة الحُبّ الإلهي، فهي المعجزة القادرة أن ترفع إيمان أضعف الضعفاء، في هذا الشعب الأمين الوفي.
فهنيئًا لك آلامك. وهنيئًا لك حُبّك لإلهك. ومبارك هذا الشعب الذي أحبّ الله فيك.
كُن مُعافى باسم الثالوث الأقدس،،
القمّص متّى المسكين
----
بركة صلوات القدّيس القمّص بيشوي كامل تكون معنا. آمين.
القمص يوحنا نصيف