محمود العلايلي
صارت من عادات عماد فى السنوات الأخيرة أن «يطب» علينا فى مصر فجأة، وقد دأب على تلك الحركة مرة بعد مرة، ربما لشعور داخله بأن فى ذلك مفاجأة سارة لى!، حيث إنى أقرب إليه من جميع أقربائه، وأنا الذى أتولاه من ساعة حضوره إلى ساعة شحنه فى الطائرة التى تقله عائدًا إلى ألمانيا، وفى هذه المرة طب عماد ثلاثة أيام قبل رمضان، وهاتفنى سعيدًا من المطار، شاعرًا بأنه أوقعنى فى فخ لأننا كنا قد تكلمنا صباح ذلك اليوم، كما اعتدنا، ولم يخبرنى بنيته السرية الظريفة أبدًا.

وكعادة عماد، التى لا يتخلى عنها، وهى انتقاد كل شىء، فقد أخذ ينتقد الزحام المبالغ فيه فى الأيام السابقة على رمضان، ومع أنى حاولت أن أُفهمه أن الناس ينزلون ليشتروا لوازم رمضان، مما يؤدى إلى تكدس شديد فى الشوارع، فما كان منه إلا أن بدأ فى الانتقاد سائلًا عما هى لوازم رمضان وما الفارق بينها وبين لوازم غيرها من الشهور الأخرى، كما أضاف متفلسفًا: لماذا يتعامل الناس كأن رمضان قد جاء فجأة؟، والحقيقة أن أغلب تساؤلات عماد وسخريته وافقت تساؤلاتى وانتقاداتى، ولكنه مظهر سنوى اعتدنا عليه، خاصة أن الأيام الأولى من رمضان تتميز بالدعوات العائلية، التى كان يُدعى إليها عماد حين يعرف الداعون بوجوده، بصفته أحد أفراد أسرتى الذى ورثته عن أبويه، وهى الدعوات التى طالما حاول أن يُبدى رفضه لها فى أول الأمر، إلا أنه كان يعلن موافقته، قبل أول عبارة إلحاح من جانبى، والتى لا أعتقد أنه كان يحتاجها من الأصل!.
ومع أولى الدعوات كان تعليق عماد المنتظر على الكم الهائل من الأكل الفائض، وعدم الاكتراث بضبط الكميات على عدد الحضور، وهى الملاحظة «البايخة»، التى كررها فى ثانية الدعوات، حتى مع سماع نفس العبارة من أصحاب الدعوة: «ده رمضان يا جماعة»، وتكرار ذلك سواء كانت الدعوة على الإفطار أو السحور.

أما مع أول يوم فى رمضان، فقد خرج علىَّ عماد بملاحظة عكس التى سبقتها، وهى لماذا خلت الشوارع من الناس بهذا الشكل يوم الخميس، وهل يُعد أول يوم من رمضان إجازة رسمية؟، ثم تلى ذلك سؤال مهم عن إجازات أعياد القيامة وعيد الربيع، التى ستأتى قبل عيد الفطر مباشرة.، وهل هناك جدول معروف لتلك الإجازات، وهو ما لم أستطع الرد عليه لأن تلك المناسبات وجب أن تكون موجودة على خريطة العام بشكل مسبق حتى تستطيع الشركات وضع خطط أعمالها، ويستطيع الأفراد وضع خطط لإجازاتهم وزياراتهم أو سفرهم إذا تيسر، وهو أمر ليس بالصعب على الإطلاق، ولا يحتاج كل مرة قرارًا من رئاسة الوزراء ولا منشورًا من البنك المركزى باعتبار تلك المناسبات من المفاجآت التى تستلزم قرارًا، أو من الأحداث الخارجة عن الإرادة التى تحتاج تدخلًا حكوميًّا.

وبعد يومين فقط من رمضان ودعوتين إلى الإفطار والسحور، بالإضافة إلى حوالى عشر دعوات مستقبلية أخرى على مدار الشهر، وجدت عماد قد قرر أن يرد كل الدعوات بدعوة أصحابها وآخرين من أصدقائنا إلى منزله على إفطار آخر جمعة فى رمضان، وقد أبهرنى بأنه قد أعد كل شىء من لوازم رمضان التى سيطلبها من مأكولات، سلاطات، حلويات ومشروبات، سيأتى بها من أماكن مختلفة.

بالإضافة إلى الأطباق الورقية وأدوات الأكل البلاستيكية، مما أثار إعجابى، وخاصة أنه لم يورطنى فى أى ترتيبات، إلا أننى استوقفته عندما صرح لى بكميات الأكل التى طلبها، والتى وجدتها مبالغًا فيها جدًّا، ولن يتم استهلاك حتى نصفها، إلا أنه عاجلنى بالعبارة الخالدة، التى اعترض عليها أثناء كل دعوة لبيناها: «ده رمضان يا جماعة»!.
نقلا عن المصرى اليوم