د. سامح فوزى

قد تكون مصادفة لكنها مثيرة أن يأتى توقيع الاتفاق السعودى الإيرانى برعاية صينية فى وقت يتذكر فيه السياسة والإعلام فى الغرب مرور عشرين عامًا على غزو الولايات المتحدة وحلفائها للعراق، والتى مثلت حربًا عبثية بامتياز، أثرت كثيرًا على الحضور الأمريكى فى المنطقة، وهو ما أفسح المجال أمام الصين وروسيا.

فمنذ انتهاء الحرب الباردة عام 1990 عجزت الولايات المتحدة عن إرساء صيغة للأمن والتنمية فى الشرق الأوسط، ويشكل غزو العراق علامة بارزة فى الفشل الأمريكى، وقد أدخل البلاد فى دوامة فوضى سياسية وأمنية لم تُشف منها إلى الآن، وأدرك الجميع أن ذريعة الحرب، وهى امتلاك النظام العراقى أسلحة دمار شامل، لم تكن صحيحة، ولم يجلب الغزو أى ديمقراطية للعراق مثلما ادعت واشنطن. وعندما كتب لارى دايموند أستاذ العلوم السياسية بجامعة ستانفورد، وهو أبرز من استعانت بهم إدارة الرئيس بوش الابن فى نشر الديمقراطية فى العراق، كتابه المبكر الفوز المجهض فى العراق، كان واضحًا أن النقد الذاتى العنيف تجاه قرار الحرب فى العراق سوف يُحدث تأثيرًا فى ذهنية جيل الشباب فى مؤسسات صناعة القرار الأمريكية. نذكر من بينهم جوناثان فاينر (47 عامًا)، كان صحفيًا فى واشنطن بوست عندما ذهب إلى بغداد لتغطية الحرب فى معية القوات الأمريكية، ثم بعد الخبرة التى عايشها، قرر العمل بالحكومة، وهو الآن نائب مستشار الأمن القومى فى إدارة الرئيس بايدن. يقول فى أحد تعليقاته منتقدًا قرار الحرب: إن صانع القرار لابد أن يُدرك أن هناك أناسا حقيقيين يعيشون على بُعد أميال منه، تتأثر حياتهم بما يتخذ من قرارات. النموذج الآخر هو كولين كال (52 سنة)، وكيل وزارة الدفاع الأمريكية الحالى لشئون السياسات، الذى كان إبان الحرب فى العراق أكاديميا لكنه قرر هو الآخر الالتحاق بالحكومة، وفى رأيه أن الولايات المتحدة فشلت فى الاستعداد للمنافسة الاستراتيجية مع الصين، رغم استثمارها المكثف فى الشرق الأوسط الكبير.
 
بالفعل ملامح الفشل الأمريكى فى الشرق الأوسط واضحة، على الأقل فى العقد الأخير، من حروب بالوكالة فى عدة بؤر ساخنة، ونزاعات أهلية فى سوريا وليبيا والعراق، وتفشى الإرهاب، وتحدى الدولة الوطنية، وتأييد للإسلام السياسى أدى إلى فوضى انتكست معها تجارب ديمقراطية ناشئة، والاخفاق فى تحقيق السلام العربى الإسرائيلى، بسبب بقاء جوهر المشكلة، وهى القضية الفلسطينية، بل إن إدارة الرئيس السابق ترامب أدت إلى إجهاض مشروع حل الدولتين عمليًا، وأعطت الضوء الأخضر للحكومة الإسرائيلية فى التوسع الاستيطانى، ولم تستطع الاتفاقات الابراهيمية التى عقدت بين بعض الدول العربية وإسرائيل فى تحقيق السلم الإقليمي. وفى ظل إدارة بايدن، بدأت الولايات المتحدة انسحابها من الشرق الأوسط لصالح مناطق أخرى مثل المحيطين الهندى والهادى، وانحصر اهتمام واشنطن فى الملف النووى الإيراني. كل ذلك ترك فراغًا استراتيجيا، وامتعاضا خليجيا من الولايات المتحدة، حدث ذلك فى ظل إدارة ترامب صاحب العلاقات الوثيقة مع السعودية، والتى تُعد أول دولة زارها عقب انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة، أما الرئيس بايدن فقد افتتح حملته الانتخابية بهجوم على السعودية، ثم ما لبث تحت وطأة تداعيات الحرب فى أوكرانيا أن يزور جدة فى يوليو 2022، بحثًا عن زيادة ضخ البترول، وتشكيل تحالف خليجى إسرائيلى فى مواجهة إيران، وهو ما لم يستطع تحقيقه.
 
وقد صادفت مبادرة الصين فى تحقيق التقارب بين السعودية وإيران، هوى لدى الطرفين لأسباب تخص كليهما، وهو أول تحرك بهذا الحجم تقوم به دولة كبرى، بخلاف الولايات المتحدة، فى منطقة الشرق الأوسط، يرسى جسورًا بين إيران التى تريد تخفيف الضغط الدولى عليها، والخروج من عزلتها الإقليمية، وتحدياتها الداخلية، وبين السعودية التى تسعى إلى إنهاء الحرب فى اليمن، والتهدئة الإقليمية، والتطلع إلى دور عالمى بوصفها قوة مالية، ودولة صناعية، وتأتى الصين التى تخلت عن حذرها المعتاد فى الانخراط فى نزاعات دولية خارج محيطها الجغرافى، إلى لعب دور فى تحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط، ثم عالميًا، فى سياق مبادرة الأمن العالمى التى تتبناها. ويظل السؤال: إذا كانت واشنطن فشلت فى أن تكون لها خطة استراتيجية أمنية واضحة للشرق الأوسط، فهل سوف تنجح بكين فى تحقيق ذلك انطلاقًا من الاتفاق بين الرياض وطهران، وعلاقاتها الوثيقة مع روسيا؟
نقلا عن الاهرام