سعيد شعيب يكتب: الصراع الدموي بين الغزاة العرب على نهب خيرات مصر
هل صحيح أن الجيش العربي الذي غزا مصر كان من الملائكة الأنقياء الأطهار، كما يقول الإسلاميون'> الإسلاميون ويرحب القوميون؟ هل صحيح أن هدفهم كان نشر الإسلام، هل صحيح أن كل الجيل الأول من “المؤمنين” كانوا نورانيين، لم يرتكبوا أخطاء وخطايا، هل صحيح انهم مقدسين، وهل صحيح وهل صحيح .. إلي اخر ما يريدوننا أن نصدق؟

تناولت في مقال سابق بعضاً مما فعلوه مع المصريين، والآن هذا بعضاً مما فعله هؤلاء الملائكة مع بعضهم البعض.. لنرى:
كان جيش الغزو مكون من عدة قبائل العدنانية أو عرب الشمال، والقحطانية الأصول أو من يسمونهم عرب الجنوب. عرب الشمال أكثر ثراء ويتباهون بالأنساب وشرف القرب من الكعبة وإحتكار تجارة الجزيرة العربية. وكما يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان: كان أهل مكة امنون يغزون الناس ولا يتم غزوهم ، ويسبون ولا يتم سبيهم، ولم تسب قرشية قط فتوطأ قهراً.

بعض القبائل الشمالية صاحبة السيادة والنفوذ لم تشارك في جيش الغزو إلا بأعداد قليلة ومن هذه القبائل قريش وخزاعة.. فقبائل الجنوب كانت تشكل ثلثي الجيش. ولأن القبائل الشمالية عدد جنودها قليل، فكان من الصعب أن يكون أعضاء كل قبيلة لواء مستقل، ولابد أن ينضموا معا .. لكنهم أختلفوا من يكون القائد، فقرر عمرو بن العاص أن يكونوا تحت قيادته المباشرة حسما للخلاف.

بعض هؤلاء الجنوبيين من العرب المرتدة الذين انشقوا علي الدولة الجديدة بعد وفاة سيدنا النبي (ص) ورفضوا دفع الذكاة (الضرائب) تعبيراً عن رفض الخضوع لسلطة الخليفة الأول سياسياً، وحاربهم أبو بكر عليه السلام واحرق من زعمائهم حتي أخضعهم مرة خري. وكانت الفتوحات فرصة للخلاص منهم أو شغلهم حتي لا يتمردوا مرة أخرى. ولو كان الغزو هدفه نشر الإسلام كما يردد الإسلاميون'> الإسلاميون، ما تضمن جنوداً من “الكفرة المرتدين الخارجين على الإسلام”، كما تصفهم المرويات العربية!.

حسب كتاب “هوامش على الفتح العربي لمصر .. حكايات الدخول” للكاتبة سناء المصري: حتي الغزو العباسي تولي مصر 28 والياً (حاكم)، 11 منهم من قريش و8 من قبايل ذات أصول شمالية، وأربعة من أصول جنوبية، و6 من أصول جنوبية صرفة. وهو عدد لا يتناسب مع كون القاعدة العريضة للجيش جنوبيين. يذكر بعض المؤرخين أنه حدث نزاع بين ابن العاص وبين احد جنوده فقال له بن العاص غاضباً: أخرس فانما أنت كلب . ورد الرجل : وأنت أمير الكلاب.

كما حدث سوء تفاهم أثناء الهجوم علي حصن بابليون، بين الزبير بن العوام القرشي وابن عمة سيدنا النبي (ص) وقائد جيش المدد الذي جاء لإنقاذ بن العاص، وبين شرحبيل المرادي من قبيلة مراد وكانوا من أهل الردة المهزومين، فقد تنازعا علي شرف من يكون اول المقتحمين، وتشاجرا وقال بن الزبير : “أمن نغفة من نغف اليمن استقيد بابن النابغة”.

والنغفة هي الدود الذي يكون في أنوف الزبل والغنم، مما يعكس كما ترى نظرة شديدة التعالي والعنصرية من قائد قرشي ( من قبيلة قريش) إلي جندي من جنوده اليمني الأصل.

الأفضلية في كل شيئ كانت لقريش، مثل أن مناطق الإرتباع المميزة (أماكن رعي الحيوانات) بجوار مدينة الفسطاط، أختار بن العاص المناطق الوافرة بالخيرات القريبة لنزول القبائل الشمالية والمناطق الأقل وفرة والأكثر بعداً كانت للقبائل الجنوبية.

كما حدث خلاف علي توزيع الغنائم (توزيع ثروات المصريين التي نهبوها)، حيث كانت الأفضلية لقبيلة قريش وكادت أن تحدث مشكلة كبيرة، فقرر بن العاص أن يستخدم طريقة الرومان، فالأرض وحدة واحدة لا يتم تقسيمها، ويدفع عنها المزارعون “الخراج” وباقي الضرائب، وهو ما أقره طبقاً للمرويات العربية الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حتى لا ينشغلوا عن الحرب والغزو ، ويظل المصريين يعملون ويدفعون الجزية والخراج والضرائب.

في بيوت الإسكندرية وقصورها قرر ابن العاص أن كل من أخذ منزلاً صار له ولعائلته. لكن الجنود تنازعوا علي البيوت التي بلغ عددها 4 آلاف، محكمة البناء مفروشة بالرخام الملون وفي كل دار يوجد حمام خاص به. وقال ابن العاص من يضع رمحه يصبح البيت له، لكن هذا لم يوقف النزاعات، فقد كان هناك من يضع رمحه وينزع الرمح الذي قبله، فاستولت على الدار الواحدة قبيلة واثنين وثلاثة.

هذا بالطبع عكس الصورة السائدة لرواية المنتصرين عن “الزهد العربي” في الدنيا، أو أنهم غزوا لنشر الإسلام. تحكي المرويات العربية أن ابن العاص كان يحتفظ لنفسه بمظاهر أبهة الإمارة، بأن يلبس الغالي من الثياب والحرير والموشى بالذهب ويتخذ من الحرس والحجاب عدداً. يحكي بن ذاخر المعفاري : … إذ أقبل رجال بأيديهم سياط (كرابيج) يزجرون الناس، فرعبت ( تملكني الخوف) وقلت يا أبت من هؤلاء ، فقال يا بني هؤلاء أصحاب الشرط (البوليس، الشرطة). وأقام المؤذنون للصلاة وصعد عمرو ابن العاص المنبر.

هذا التمييز وعدم المساواة رغم أن ثلثي الجيش العربي كما قلت من قبل من قبائل الجنوب، والباقون من قبائل الشمال، وبسبب عدم المساواة وبسبب تمييز الشماليين عن الجنوبيين، وبسبب تمييز قبيلة قريش علي الجميع، فقد ثارت الكثير من الفتن والقلاقل بسبب عدم العدالة في توزيع الغنائم (ثروات المصريين). يقول البلاذري : لكل رجل ما بين ألفين الي الف الي 900 الي 500 الي 300 ولم ينقص أحد عن 300 . طبقاً للمرويات العربية، فقد جمع بن العاص ثروة طائلة حتى أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأله عن مصدرها قائلا: بلغني أنك فشت لك فاشية من خيل وابل ، فأكتب لنا من أين لك هذا المال. ورد عليه إبن العاص : … وأعلم يا أمير المؤمنين أني ببلد السعر فيها رخيص وأني أعالج من الزراعة ما يعالجه الناس، وفي رزق أمير المؤمنين سعة”.

لم يصدقه ابن الخطاب رضي لله عنه وأرسل إليه من يقاسمه في الثروة قائلاً: أنتم معاشر العمال قعدتم علي عيون الأموال فجبيتم الحرام وأكلتم الحرام وأورثتم الحرام. ورد العاص غاضباً: قبح الله يوما كنت فيه لابن الخطاب والياً ، فقد رأيت العاص بن وائل السهمي – والده – يلبس الديباج المزركش بالذهب، والخطاب بن نفيل – والد الخليفة عمر بن الخطاب – يحمل الحطب علي حمار بمكة.

فرد عليه بن مسلمة الذي أرسله بن الخطاب ليقاسمه الثروة : أبوك وأبوه في النار ولولا اليوم الذي أصبحت فيه تذم – يعني لولا اليوم الذي عينك فيه بن الخطاب والياً علي مصر – لألفيت نفسك معتقلاً عنزاً بسوءك عرزها ويسؤك بكؤها (أي كنت ستكون فقيراً).

ستلاحظ هنا أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه (إذا صحت المرويات العربية، ومن الصحب التأكد من صحتها)، لم يطالب بن العاص بتقليل الضرائب وعدم جمع الأموال من المصريين، بل كان يطالبه بأن تذهب كل الأموال مقر الخلافة. وكان يطلب منه زيادة الخراج ، بل كان يشك في أنه جمع ثروته الضخمة من أموال الخراج والضرائب التي يدفعها المصريين، أو يجمع اموالاً بدون علم الخليفة. وتنسب له المرويات قوله: “أخرب الله مصر في عمران المدينة”. حيث مقر الخلافة ، حيث يتم توزيع ثروات الأمصار ( البلاد المحتلة) طبقاً لمنزلة أبناء صفوة قبيلة قريش.

تقول المرويات العربية أيضاً أن بن العاص جمع ثروة هائلة من مصر، سبعين رقبة جمل مملوءة بالذهب، وسبعين بهارا دنانير، واليها جلد ثور ملؤه اردبان بالمصري … هذا بخلاف ضيعة وبستان. وورث أبنه عبد الله ، وهو واحد من أبنائه، قناطير مقنطرة من الذهب المصري … وأمتلك قرية عسقلان بكل ما فيها وما عليها.. فكان من ملوك الصحابة.

الزبير بن العوام أبن عمة سيدنا النبي (ص) كان يملك “خطة” في الفسطاط وأخري في الإسكندرية ودار بالكوفة وأخرى بالبصرة و11 بالمدينة وأرضين فيها الغابة ثمنها وقتها 170 الف دينار. ومن كثرة ثروته عندما مات حصلت كل زوجه من زوجاته الأربعة علي مليون ومائة الف. وحسب رواية “بن سعد” كانت ثروة الزبير 35 مليون و 100 الف دينار وكان يحلم أن يكون خليفة المسلمين ولكن تم قتله.

غضب الجنوبيون من التوزيع غير العادل للغنائم (ثروات المصريين) ، فقد ركزها ابن العاص في “بني سهم” أقاربه من جهة أبيه. في حين تجاهل أقاربه من جهة أمه اليمنية لأنها كانت سبية (عبدة) وكانوا يعايرونه بها.

بعد وفاة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جعل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه عمرو بن العاص مسئولاً عن شئون الحرب فقط والخراج جعله مسئولية أبن أبي سرح، فقال ابن العاص: “أأكون مثل ماسك البقرة وغيري يحلبها”. وحدث خلاف كبير بينهما، فعزله الخليفة عثمان بن العاص من الحرب ومن كل شئ. وعندما أندلعت الحرب الأهلية بين أنصار سيدنا على رضي الله عنه وأنصار معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كان ابن العاص أحد القادة الكبار ضد الخليفة عثمان ليثأر لنفسه.

كانت الفروق بين الجنوبيين والشماليين صارخة وزادها الخليفة عثمان ووالي مصر وقتها أبن أبي السرح، فضيقا علي أنصار ابن العاص وعلي الجنوبيين معاً. وربما من المفيد ذكر أن المرويات العربية ( التي من الصعب التأكد من صحتها) تحكي أن ابن أبي السرح كان سيدنا النبي (ص) قد أمر بقتله عندما فتح مكه، لكن شفع له عثمان بن عفان لأنه أخاه في الرضاعة.

غالي بن أبي السرح في جمع الضرائب من القبط ( أي المصريين) : كثر الخراج علي عثمان وأتاه المال من كل وجه، حتي أتخذ له الخزائن وأدر الأرزاق وكان يأمر للرجل بمائة الف بدرة وفي كل بدرة أربعة آلاف أوقية).

زاد الغضب في الأمصار (البلاد التي تم إحتلالها)، فقام بن أبي السرح بجلد عبد الرحمن بن عديس وعمرو بن الحمق وهما من قبيلة “بلي” اليمنية وحلق رؤوسهما ولحاهما وحبسهما وصلب قوماً أخرين من أهل مصر. الغضب لم يتوقف عند حد الجنوبيين المضطهدين المظلومين، بل ثار ايضاً القرشيين من غير آل عثمان وآل الحكم، وأنضموا إلي الغاضبين، بل وأصبحوا قادة الثورة ضد الخليفة عثمان وبقي اليمنيين هم القاعدة المقاتلة. أنضم محمد أبن أبي بكر أبن الخليفة الأول سيدنا أبو بكر إلى الغاضبين، حتي اضطر بن أبي السرح إلي عزله في مركب ليس فيه إلا قبط مصريين.

ستلاحظ هنا أن التمييز وعدم المساواة لم يكن فقط ضد قبائل الجنوب، لا فقط ضد القبائل من غير قبيلة قريش، بل داخل قبيلة قريش ذاتها، كان يوجد طبقات، سادة وغير سادة.

خرج من مصر كثير من الجنود اليمنيين في شكل حجاح ووصلوا إلي المدينة وحاصروا الخليفة عثمان رضي الله عنه، وبعد مفاوضات وبعد أن وصلت وفود البصرة والكوفة قتلوه. وأنضم اليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد ذلك لقتال أنصار عثمان رضي الله عنه وبدأت الحرب الأهلية، بسبب الصراع على الثروة والسلطة، والتي تسميها أغلب المرويات العربية “الفتنة”.

في خلافة سيدنا “علي” رضي الله عنه القصيرة ، تحكي المرويات العربية أنه عين قيس بن سعد والياً علي مصر. الحاكم الجديد أراد مهادنة أنصار سيدنا عثمان ومعاوية في مصر تجنبا لشرورهم، فعزله الخليفة لانه شك في ولائه وعين بدلاً منه محمد بن أبي بكر، لكنه لم يستطع السيطرة علي الثائرين ، فأرسل الخليفة “الأشتر” بدلاً منه. لكن بن العاص ومعاوية أبن أبي سفيان دساً له السم في الشراب ومات علي أبواب مصر. كان معاوية وأبن العاص كثيرا التندر علي هذه الحادثة بالقول : أن لله جنودا من عسل.

أما محمد بن ابي بكر فقد أعدا له جيشاً وهزماه وقتلاه ووضعا الجثة في بطن حمار نافق، وأشعلا فيهما النار. وعاد ان العاص لولاية مصر مرة اخري. وعين أبنه عبد الله علي الكوفة مكافاة لآل العاص عن دورهم في الحرب الأهلية.

الصراع العربي العربي علي ثروات مصر لم يتوقف حتى بعد أن استقرت الخلافة الأموية (الإمبراطورية الاستعمارية الأموية)، بل أحتدم عندما ظهر بعض الانصار لعبد الله بن الزبير في مصر، فتم إعدامهم جميعاً وكانوا 80 رجلاً. وتجدد الصراع مرة اخري في عهد “حوثرة بن سهيل الباهلي” من قبيلة العدنانية الشمالية، فقبض علي زعماء الثورة ذوي الأصول اليمنية وقتلهم جميعاً.

كما ترى فالصراع الدموي كان على الثروة والسلطة، ثروة الشعوب والبلاد التي تم إحتلالها، والصراع على من يحكم .. دعني أسألك هل لهذا علاقة بالإسلام، هل كان هذا الصراع الدموي من أجل الدين أم من أجل المال والسلطة؟ وإذا كان كذلك لماذا نربط بين هؤلاء والإسلام، لماذا نعتبر نقدهم هو نقد للإسلام، أليس هذا غريباً؟

والأغرب أن نعتبر أن هؤلاء مقدسين، وهذا يعني ليس فقط تقديس أفعالهم الخيرة، لكن ايضاً تقديس أفعالهم الشريرة، بما فيها من غزو وسبي وإحتلال، في حين أن القيم الكلية التي أرسلها لنا الله جل علاه لا تأمرنا أبداً أن نقدس الشر، ولم تأمرنا أبداً أن نقدس أشخاص بما فيهم سيدنا النبي (ص) الذي عاتبه الله في القرآن الكريم عندما أخطأ.

فهل حان الوقت لأن نرفع أخي المسلم عن ديننا عبء الدفاع عما يتناقض مع القيم الكلية للإسلام، وما يتناقض مع القيم التي أستقرت عليها الإنسانية؟! هل حان الوقت لأن نرفع عن كاهله ما فعله بعض المسلمين، هل حان الوقت لأن نعتذر عن هذه الجرائم حتى لا تتكرر مرة اخرى علي يد الإخوان وداعش والقاعدة وغيرهم.
للتواصل:
saiedshoaaib@gmail.com