محمد حسين يونس
المتأمل لهرم الملك خوفو أو لتمثال خفرع .. او قناع إخناتون ..أو نقوش الكرنك و مقبرة تيتي أو أوناس ( يونس ) لا يمكنه أن يتصور أن هذه الإبداعات تمت  بهذه الدرجة من الدقة و الإتقان منذ الأف السنين و بأدوات بدائية .

إنه أمر محير .. من الذى صنع مثل هذه التحف الفنية  التي تقترب من أن تكون معجزات بقياساتنا المعاصرة ..و  يصعب تكرارها  حتي بأدواتنا المتقدمة اليوم ؟

ثم كيف إندثر هذا السموق و التحضر ..و رقه الذوق ..و حساسية الفنان .. لتترك خلفها بشر (أحفاد ) مستسلمين يقبلون الذل و الخضوع لالفين أو ثلاثة الاف سنة تالية .

وول ديورانت في كتابه قصة الحضارة المجلد الاول الفصل الثاني (( كشف مصر ))..يكشف لنا الستار عن معلومات حاول المستعمرون إخفاؤها عنا .. ولا زلنا لجهلنا و غيبوبتنا .. نتجاهلها .. او نتعامل معها بسطحية لا تليق بجدية البحوث التي أضاع فيها العلماء الاوروبين عمرهم ليفهموا كيف سارت الامور في أرجاء هذا الوادى منذ 10.000 سنة ق.م.

القصة طويلة .. نحن نتكلم عن 120 قرنا عاش فيها الانسان علي أرضنا في صراع ومواجهة للطبيعة التي لا ترحم .. و جهل بحقائق الوجود .. و إفتقاد للادوات التي نستخدمها اليوم بسهولة ..مثل اللغة و المنطق والرياضيات ..و تراكم الخبرة و الامن النسبي من الخوف والمرض و شراسة عاديات الزمن.
لذلك فمن السخف أن نجمل أحداث عشرات القرون في تعبير إن المصريين كانوا كذا و كذا و كذا ..

لقد تغيرت الحياة علي هذه الارض مئات بل الاف المرات .. بحيث نعلم أن لغة الاجداد الأبعد في( عصر ما قبل التاريخ أو الدولة القديمة و المتوسطة ) كانت مجهولة للاحفاد .. حتي بين كهنة الدولة الحديثة الذين لم يتمكنوا من فك رموز و طلاسم ما كتب  سابقيهم من  الدولة القديمة و الفارق كان حوالي 1500 سنة فقط .

قصة أهل مصر .. لا تناقش بالحماس أو الشوفونية أو التعصب ..او الانحياز بقدر ما تحتاج لبحث و درس و جهد لاجيال خلف أجيال و تراكم لمعلومات .. بدأها الغرب مع مطلع القرن التاسع عشر ..

 لم يقدم فيها المصرى إلا أقل القليل .. قد تجدة في موسوعة الرائع ((سليم حسن )) التي كتبت حول زمن حكم الملك فؤاد الاول و إبنه فاروق ثم توقفت المساهمات في حدود ترديد و نقل ما يقوله أبناء اوروبا .

كتب ديورانت
((إن الكشف عن تاريخ مصر لهو أروع فصل في كتاب علم الاثار ، لقد كان كل ما تعرفه العصور الوسطي عنها أنها مستعمرة رومانية و وطن من أوطان المسيحية .. و كان الناس في زمن النهضة يظنون أن الحضارة قد بدأت من بلاد اليونان و حتي عصر الاستنارة لم يكن يعرف من مصر أبعد من الاهرامات .

علم الاثار المصرية جاء كنتيجة ثانوية من نتائج حروب نابليون الاستعمارية فقد شملت هذه الحملة بعض العلماء الذين كانوا يهتمون بمصر إهتماما يظنه الناس سخفا في تلك الايام .. و يسعون لفهم التاريخ فهما أوفي و أفضل مما يفهمة المؤرخون و قتئذ

و كانت هذه العصبة من الرجال هي التي كشفت للعالم الحديث عن هياكل الاقصر و الكرنك كما جاء بكتاب (( وصف مصر ))المفصل ((1809 -1813 ))الذى أعده المجمع العلمي الفرنسي وكان أول خطوة خطاها العلماء في دراسة هذه الحضارة المنسية ))

((علي أن هؤلاء العلماء ظلوا سنين طويلة عاجزين عن قراءة النقوش البادية علي الاثار المصرية و ليس ما بذلة شامبليون أحد العلماء من جد وصبر علي حل رموز الكتابة الهيروغليفية إلا شاهدا من شواهد كثيرةعلي الروح العلمي الذى إمتاز به علماء هذه الحملة)).

((عثر شامبليون علي مسلة مغطاه بهذه الرموز المقدسة مكتوبة باللغة المصرية ولكن في أسفلها نقوش باللغة اليونانية عرف منها أن هذه الكتابة لها صلة ببطليموس و كليوبترا .. و خطر له أن إحدى العبارات الهيروغليفية الكثيرة التكرار والتي يحيط بها إطار ملكي (خرطوش ) ..هي إسم الملك و الملكة فهدته هذه الفكرة عام 1822 إلي تمييز أحد عشر حرفا من الحروف المصرية .. ولكن هذا كان مجرد حدس و ليس يقينا)).

((قدم هذا الكشف أول دليل علي أن مصر كان لها حروف هجائية .. ثم أن شامبليون بعد ذلك طبق هذه الحروف علي رموز وجدها علي حجر إسود عثر عليه الجنود قرب رشيد و كان عليه نقوش كتبت بثلاث لغات أولها الهيروغليفية وثانيها الديموطيقية (الكتابة المصرية الدارجة ) والثالث هي اليونانية و إستطاع شامبليون بفضل علمة باليونانية و بالاحد عشر حرفا التي عرفها من المسلة الاولي و بعد جهد متواصل إستغرق أكثر من عشرين عاما أن يحل رموز هذا النقش و أن يتعرف علي الحروف الهجائية المصرية بأجمعها )).

السير والس بدج عام 1903 في كتابه (( الهة المصريين )) كتب
((منذ زمن بعيد توقف علماء المصريات عن عادة الاعتماد المطلق علي المعلومات التي كتبها الرحالة الاغريق و الرومان لانهم جميعا قد عجزوا عن إستخلاص الحقائق الكامنة في الحضارة المصرية القديمة ))

عام 1905 كتب جيمس بريستد في مقدمة كتابة (( تاريخ مصر من أقدم العصور حتي الغزو الفارسي ))

(( ولا يخفي أن معلوماتنا عن التاريخ القديم لسكان وادى النيل ضئيلة و من الصعب علينا التوفيق بينها لأن معظم الكتب القديمة المعروضة ظهرت قبل التحقق من محتوياتها و التأكد من أخبارها و قصصها المنقولة عن القدماء ))

وهكذا فتاريخ مصر الممتد لالاف من السنين بل تاريخ المنطقة التي كانت قلب العالم في زمن بداية تحضر البشر يصعب أن نسردة بيقين يعلي من شأن بعض القوميات و يحط من أخرى..

أو يحيط البعض بهالة من القدرة علي الفعل و يدين إخرى كما قدم مبدعو الاسرائيليات الذين نقل عنهم العرب إنجازاتهم الخيالية المبهرة و أنتصاراتهم علي شعوب كانت في يوم ما مهدا للحضارة .

مصر لم تسمي بإسم مصريم إبن نوح .. و لم تحكمها دلوكة لان الرجال غرقوا في اليم .. و لم تكن مهدا للسحر كما إدعوا بان نقوش (البرابي )اى المعابد هي طلسمات سحرية .

مصر التي عرفها العرب و مؤرخيهم و شيعتهم .. و طباليهم و زمرتهم .. ليست هي ما توصل إلية علماء المصريات .. فلا تخلطوا الامور ولتبقوا في جهلكم تنعمون حتي لو حصلتم علي الف دكتوراه مضروبة .. بعيدا عن إنجازات علماء التاريخ .. ومدققي أحداث الحضارات القديمة.

اليوم نعرف بعض من ما تبوح به الأثار و ما يكتشف من بقايا العصور القديمة .. أخرها ما دفن تحت الأرض ب12متر في سقارة من بقايا جثث محنطة و تماثيل ..

و رغم أن الحصيلة تبدو كما لو كانت كبيرة بحيث تملأ متاحف العالم .. و المتاحف الحديثة المصرية التي بدأ إنشائها في زمن الوزير فاروق حسنى .. إلا أن الواقع أننا لم نعط تاريخ من سكنوا هذه الأرض قبلنا  العناية و الجهد و التعلم الذى يستحق ..

و أغلبنا .. يجهل حتي الأساسيات التي يتعلمها أطفال بلاد الواق الواق في مدارسهم .. عن أن الحضارة المصرية و أخواتها البابلية و السورية والفينيقية .. هي الأصول التي تعلم منها اليونانيون القدماء و نقلوه إلي اوروبا الحديثة .

 الحاجز الذى يمنع فهم حضارة مصر العتيقة .. بجوار اللغة المفقودة .. و الجهل .. المتفشي حتي بين المتعلمين ..هو أفكار دينية ( مسلمة أو قبطية )  تجعل من المصريين كفار .. و أثارهم أصنام .. و حضارتهم منتهية  .. و تحمد اللة علي نعمة التجهيل بها .. بل و تعاديها .. علي أساس أن المصرى القديم  كان  لا يؤمن بالاديان الحديثة .. فهو بذلك في حدود الأقوام البائدة التي لا تستحق الدراسة و الإهتمام .و أثارة لا تفيد إلا في تسريبها و بيعها و الإستفادة من عائدها .

إذا كان للقدماء عذر في الجهل .. فما هي حجة المعاصرين .. بعد أن سهل الغرب  لهم كل الطرق كي يتعلموا . ..

لو أن ربع هذه الأثار موجودة لدى قوم عقلاء .. لتحولت بلادهم إلي مدرسة و معمل و مركز بحوث واسع .. تقوم بفحصها و نشرها .. و الحفاظ عليها ..
وزوروا كريت أو أثينا أو روما  أو حتي بلاد حضارات الهنود الحمر .. لتتعلموا .. كيف يعتز الأحفاد بأثار الأجداد  و يحافظون عليها .