الأقباط متحدون | نحو قواعد عامة للسلوك الإنساني ( المخ (الدماغ)، الوعي، الروحانية )
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢٣:٢٤ | الجمعة ٣ ديسمبر ٢٠١٠ | ٢٤ هاتور ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٢٥ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

نحو قواعد عامة للسلوك الإنساني ( المخ (الدماغ)، الوعي، الروحانية )

الجمعة ٣ ديسمبر ٢٠١٠ - ١٦: ٠٩ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم : رندا الحمامصي

الجزء التالي، مع أنه يخاطب الفرد، إلا أنه ينسحب أيضاً على المجتمع الإنساني برِمّته.

إن أقصى ما يهدف إليه كثير من الناس هو السعي إلى تخفيف التوتّر وتوفير الهدوء وراحة البال وتحرير طاقات الفكر والجسم مما يتطلبه الصراع النفسي والنزاع مع الآخرين، ثم تحقيق السعادة في نهاية المطاف. وما سرّ السعادة الإنسانية حقاً إلاّ في تحقيق الوحدة؛ وحدة تجمع بين ما نفكر فيه وما نحسّه ونفعله، ووحدة مع جميع أفراد الجنس البشري. إلا أنه مع الأسف غالباً ما نستبدل سعينا نحو السعادة وحاجتَنا إلى الوحدة في تحقيقها بذاك اللهاث وراء المتعة والملذات مبررين أفعالنا بأسباب منطقية ومشروعة بشكل من الأشكال خاصة إذا كانت تُشبع أنانيتنا وتطلعاتنا الذاتية. لقد أصبح طبيعياً أن تجد أناساً أقاموا علاقات خارج بيت الزوجية مدنّسين ذلك الرباط المقدس ومدمّرين كيان العائلة وهم يعلنون بصوت مسموع ’لقد احتجت إلى عاطفةٍ حرمَتْني إيّاها شريكة حياتي.‘ إنه سلوك لا يعبّر إلا على أقصى غايات السعي نحو إشباع الذات، متجاهلاً تماماً ما سيؤدي إليه مثل هذا الجُنوح من آثار سلبية وما يخلقه من صراع داخل النفس البشرية ومع الآخرين. ثم إنه كثيراً ما نجد أناساً، ممن اعتدَوْا على آخرين وآذوهم، يعلّلون فِعلتهم تلك بقولهم ’ذلك الشخص أثار غضبي‘ ليبدو لهم تبريراً منطقياً لسلوك عدواني.
   

إن السّمة الرئيسة لكل هذه الأنماط من السلوك تبيّن بأن أصحابها يقدّمون الغرائز الجسمانية على الفطرة الروحانية لديهم. وبكلمات أخرى، فإن أشخاصاً كهؤلاء يَعتبرون الغرائز الجسمانية تفوق في أهميتها وقوتها تلك الطاقات الإنسانية الأخرى مثل القدرة على المعرفة والمحبة والإرادة. إلا أن الحقيقة تقول بأن هذه القدرات هي الأعظم والأهمّ من تلك الغرائز إلى أبعد الحدود. فالهدف الكلي لحياةٍ متكاملة وسيكولوجيةٍ روحانية إنما هو حصر الغرائز الجسمانية ضمن إطار المعرفة والمحبة والإرادة ووضْعها تحت إمرة مبادئ الحقيقة والوحدة والخدمة. إذ بعملنا هذا سنكتشف أن بإمكاننا أن نحيا دون الحاجة إلى التركيز على محور ذاتنا، وبمقدورنا النجاح دون اللجوء إلى ممارسة القوة والنفوذ على الآخرين، وأن باستطاعتنا تحقيق السعادة بمشاركة الآخرين أفراحَهم ومسراتِهم. فالهدف بمجملِهِ هو التحوُّل من نمط للحياة شبيه بالحيوان إلى حياة إنسانية فريدة في نوعها.
  
  ففي صلب جميع المساعي الرامية إلى العلاج يجب أن يكون هناك التحوّل والتغيير- تحوُّلٌ في جوهره السموّ والرفعة، وهو ما يشير بالطبع إلى رَوْحَنَة اهتماماتنا القديمة المتصلة بأُولَى مراحل تطوّرنا. وإذا ما تفهمنا تكوين مخّنا وأدركنا طبيعة عمله نستطيع فهم مسيرة تطوّرنا وكيف يكون التسامي ممكناً.
المخ ووظائفه وأداؤه – ملخّص
    يُعتبر مخّ الإنسان من أعقد التركيبات الموجودة في الكون. فهو يتكون من خمسة عشر ألف بليون خلية عصبية، أي ما يقرب من عدد نجوم "درب اللّبّانة" "Milky way". إن البحث في المخّ يساعدنا على فهمه إذا تناولناه في سياق وحدات ثلاث عاملة: التنبُّه، ومعالجة المعلومات، والقيام بالفعل. فليست لهذه الوحدات مواقع في المخ، بل هي عمليات تُعتَبر نتاج قيامه بوظائفه بوجه عام. فالمخ البشري هو الأعقد والأكثر تطوراً من بين المخلوقات الأخرى التي تمتلك مخّاً. فلو أخذناه من منظور مراحل نشوئه وتطوّره نجده في ثلاثة مِخاخ على الأقل: المخ الزاحفي "Reptilian brain"، المخ الثديي العتيق "Paleomammalian brain"، المخ الثديي الجديد "Neomammalian brain" لقد أفاض بول ماكلين "Paul Maclean" في بحثه - وهو مدير أبحاث تطوّر المخ والسلوك في المعهد القومي للصحة العقلية في الولايات المتحدة - وركّز اهتماماً خاصاً على عمل الجزء الزاحفي من المخ البشري وبما يتعلق بالإنفعالات الإنسانية بشكل خاص. فما يعتقده ماكلين أن الإنسان قد ورث أشكالاً عتيقة من الأداء الفكري الحيواني وما يسمى بالأداءات العقلية العتيقة "Paleopsychic processes". من هذا المنظور يمكن التعرّف على المِخاخ الثلاثة التي يعتبرها ماكلين بمثابة "ثلاثة أجهزة حاسوب حيوية متصل بعضها ببعض، ولكلٍ ذكاؤه الذاتي وتفاعلاته الخاصة وإحساسه بالزمن والمكان وله ذاكرته وأعماله الأخرى. إن أكثر هذه المخاخ بدائية هو المخ الزاحفي أو جذع المخ "Brain stem" الذي يتعلق عمله بالحماية الذاتية وبقاء النوع والجنس. ويعتقد بعض العلماء أن سلوكاً إنسانياً من قبيل المَيْل إلى تقسيم الأرض إلى أقاليم، وإثارة النعرات، والبحث عن سبل العيش، والحرص على اختزان المؤونة، ثم تقبُّل الآخرين وتكوين مجموعات بشرية متعايشة، إنما هي أمور تقع ضمن أعمال المخ الزاحفي.
  
  فالمخلوقات البشرية بشكل عام يُظهِرون نمطاً من السلوك شبيهاً بالزاحفي، وبعضهم يعيشون حياتهم الطبيعية ضمن تلك الميول. من هذه الملاحظات يمكن الإستنتاج بأن البشرية، من خلال عملية تطورها في وقت ما، كانت تعيش حياة شبيهة بحياة الزواحف. ومع ذلك، فإنه لا يعني أن نستمر في حياتنا كالزواحف ونعطّل مجهوداتنا في ارتقاء مستوى أرفع يسمو فوق الحياة الزاحفية. فإذا لم نعمل على تطوير المخ لنمتلك مخاً أكثر قُدرة ووعياً إنسانياً فريداً، سنكون عندها بالطبع أشبه بالزواحف ونعمل على شاكلتها ونُعتَبَر "عاديين" بنظر مخلوقات أخرى أرفع مستوى ولديها المقدرة على التفكير والتحليل والإستنتاج. فالحقيقة تخبرنا بأننا آدميون، وبمقدورنا أن نقرر ما إذا كنا نرغب أو لا نرغب في اتباع نزعات الحياة الشبيهة بالزاحفية. وهذا ما يقع في صلب الإشكال الذي يواجهه البحث العلمي المعاصر.
   
من المسلّم به أن ما يتوصل إليه الباحثون في استنتاجاتهم لا يمكن فصله عن رؤيتهم وفهمهم للحقيقة، إلا أن تلك الإستنتاجات تبقى مصطبغة بلون وُجهة نظر الباحث تجاه الطبيعة البشرية وفهمه لما يحدث في العالم مهما كان الباحث موضوعياً نقيّاً في أبحاثه. دعونا نمعن النظر فيما قاله ماكلين:
"إذا استثنينا السلوك الإيثاري ومعظم أوجه السلوك الأبوي، سنرى كم من الأنماط السلوكية التي نشاهدها في الزواحف موجودة عند المخلوقات البشرية أيضاً.
    وقد يتساءل أحدنا ما الذي سيتبقى إذا استثنينا السلوك الإيثاري والأبوي! لأن بذلك نكون قد نَحَّيْنَا جانباً قدرة الإنسان على الوعي والمعرفة والمحبة والإرادة والتضحية والإبداع والتخيُّل وألم الإنفصال وبهجة اللقاء، ثم الغِناء ومتعة مشاهدة الجمال ونظم الشِّعْر وإظهار مبادئ الرحمة والعدالة والنّماء والوحدة. فإذا ما وضعنا كل ذلك جانباً فما هو الباقي إذن؟ ربما يبقى بعض أنماط السلوك الزاحفي، وعندها قد نقف أيضاً متسائلين: وما الغرابة في ذلك!!. لا شك أننا كمخلوقات بشرية لدينا ما يضمن استمرار حياتنا وبقاء الجنس البشري وفي هذا نشبه الزواحف. ويقول ماكلين بأن سلوكاً محدداً عند الإنسان مثل تمسّكه بطقوس ما وخشيته من السلطة قد يكون له علاقته وارتباطه بالمخ الزاحفي، وقد يكون الأمر فعلاً هكذا. إلا أن أنماطاً من السلوك كهذه لا شك أنها غير بنّاءة ولا تساهم أبداً في نموّ الفرد أو المجتمع.
   
ما ينتظر البشرية عملٌ جادٌّ في استخدام طاقاتها الفريدة في العقل والوعي من أجل التخفيف من النزعات المدمّرة الموروثة من مخلّفات ماضينا التطوّري، إلا أن الطريق إلى ذلك ليست بعدُ واضحة المعالم. فهل يا تُرى لوَعْيِنا (روحنا) ذلك التأثير على تطوّر مخّنا، وإذا كان الأمر كذلك فكيف؟ ولو تركنا قوى العقل جانباً فما الذي سيؤثّر على نُضْجنا الجماعي؟ هل يمكن للتعاليم الروحانية التي أتت بها الأديان السماوية أن تلعب دوراً أساسياً هاماً في تطوّر الوعي الإنساني؟. إنها أسئلة تدور في فَلَك سيكولوجية الروحانية وتحتاج منا مزيداً من دراسةٍ أكثرَ شمولية. ولنتابع أولاً حديثنا عن أداء المخّ ووظائفه.
جهاز الفصّ الجوفي للمخ "Limbic system"
    يقع جهاز الفصّ الجوفي تحت القشرة المخّية "Cortex" ويُعرف أيضاً بالمخ الثديي "Mammalian brain". فجميع الحيوانات الثديية يملكون مثل هذا الجهاز الذي تنحصر وظيفته الرئيسة في المساعدة على الحفاظ على الوضع الداخلي للجسم في حالة من الثبات والتوازن، إلى جانب أنه هو الذي يتحكم بانفعالاتنا. فجهاز الفصّ الجوفي لا يعمل على "الحفاظ على البقاء" فحسب، بل يتحكّم أيضاً بالكثير من عمليات المخ. فمثلاً يقوم الجزء المسمى ﺒ الوطاء المخي "Hypothalamus"، وهو جزء مهم في جهاز الفص الجوفي، بتنظيم عملية: الطعام (الشهية) والشرب (العطش) والنوم والإستيقاظ ثم حرارة الجسم وسرعة نبضات القلب والهرمونات والدوافع الجنسية والإنفعالات والتوازن. وكلها أعمال من أجل البقاء يؤدّيها جهاز الوطاء المخي ولا يزيد في حجمه عن حبة البازيلاء.
   
ولمّا كانت المخلوقات البشرية والثدييات تمتلك هذا الفص الجوفي، فلا غرابة إذن في أن يجد الباحثون كثيراً من المتشابهات بين الإنسان والحيوان فيما يتعلق ببعض النواحي الأساسية في حياتنا اليومية. وعليه، فإن دور الإنفعالات هام في هذا السياق خاصة وأننا لم نطوّر لدينا بعدُ قدْراً كبيراً من المعرفة حول كيفية عمل انفعالاتنا، ولم نختبر طرقاً نتعامل فيها مع تلك الإنفعالات بأسلوب بنّاء وخلاّق.

    معظم الأبحاث التي تُجرى على المخ فيما يتعلق بالإنفعالات يدور حول تنبيه مراكز المخ التي تثير إما الغضب أو الخوف أو تلك التي تجلب البهجة والإثارة، وهي انفعالات يشترك فيها الإنسان والحيوان. كثير من الناس يستسلمون للإنفعالات وكأنهم لا يستطيعون كَبْح جِماحها أو لا يُفتَرَض بهم التخفيف منها. مثال ذلك علماء السلوكيات في عالمنا المعاصر ومِثْلُهم بعض عامة الناس الذين يعتقدون أن هذه الإنفعالات يجب إطلاقها والتعبير عنها، وأن تلك الرغبة في المتعة يجب إشباعها، وهم بذلك يتجاهلون بكل ارتياح نفسي بأن الإنسانية، عبر تاريخها، قد ذهبت إلى الإستنتاج بأن هذه الإنفعالات يجب التحكّم بها، وأن الإستهتار حِيالَها يمكن أن يسبب المصاعب والمشاكل للمجتمع. إن تعبيرنا عن الغضب إذا لم يكن له ضوابطه يمكن أن يتسبب في الآلام والمعاناة وحتى في الموت. وبالمثل فإن عدم تحكّمنا بمشاعر الفرح والسرور يمكن لها أن تسبب مشاكل فردية واجتماعية. نخلُصُ في ذلك إلى القول بأن هناك دائماً تلك المواجهات الحاصلة بين الذين ينادون بحرية إطلاق الإنفعالات، وأولئك الذين يؤيِّدون ضبطها. وهي مواجهة عادة ما أخذت دورها في مجالات مناقشة موضوع الحقوق الشخصية وتحقيق الصالح العام ومفهوم الحرية والإنضباط ثم العلم والدين. ففي عالمنا المعاصر نرى في هذه الميادين نشاطاً محموماً وأكثرها حِدّة بين العلم والدين، ويبدو أن الدين يخسر بعض مساحاته لصالح حياة زحافية وثديية كاملة بين الناس باتت على الأبواب.
    فلو حدث ذلك بكل ما فيه من تداعيات يمكن عندها أن نعود إلى حياة ما قبل التاريخ. إن خير مثال على الصراع بين العلم والدين ما عبّر عنه إدوارد ولسون "Edward O. Welson" أستاذ علم الحيوان "Zoology" في جامعة هارفارد ومؤلف كتاب  "Sociobiology: The New
Synthesis". إذ يؤمن ولسون – نقلاً عن رتشارد رستاك "Richard Restak" مؤلف كتاب "The Brain: The last Frontier" – بأن "ما في أعماقنا، ومنها أحياناً معظم قِيَمنا الإنسانية، إنما تُقَرَّر جسمانياً وهذا ما يُفسِّر ’ميلَنا الشديد في التعبير عن حالة حزننا أو غضبنا أو ربما إثارتنا الجنسية ببعض الحركات الخاصة في وجهنا.(من سيكولوجية الروحانية)

ونستكمل في المقال القادم....................تحياتي.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :