الأقباط متحدون | سيد قطب صدام لا وفاق
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١١:٠٦ | الأحد ١٠ ابريل ٢٠١١ | ٢ برمودة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٥٩ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

سيد قطب صدام لا وفاق

الأحد ١٠ ابريل ٢٠١١ - ٢٦: ١٠ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم : د. عبد الرحيم على

الامتداد المنطقي للأفكار السابقة يقود إلى حتمية الصدام واستحالة التعايش، فالمسلم الحقيقي – من المنظور القطبي – لا يملك الحق في التصالح مع المجتمع الجاهلي والولاء لقيمه. وبنص كلمات سيد قطب: "ليست مهمتنا أن نصطلح مع واقع هذا المجتمع الجاهلي ولا أن ندين له بالولاء، فهو بهذه الصفة الجاهلية غير قابل لأن نصطلح معه. إن أولى الخطوات في طريقنا هي أن نستعلي على هذا المجتمع الجاهلي وقيمه وتصوراته، وألا نعدل من قيمنا وتصوراتنا قليلاً أو كثيرًا لنلتقي معه في منتصف الطريق. كلا، إننا وإياه على مفرق الطريق، وحين نسايره خطوة واحدة فإننا نفقد المنهج كله، ونفقد الطريق"(14).

لا يترك سيد قطب فرصة للتملص، فالتعايش ليس واردًا أو مطروحًا، والتصالح مستبعد تمامًا ومستحيل. لابد من "الاستعلاء" والتمسك بالقيم المثالية النقية الصحيحة، التي يمثل أي وكل خروج عنها انحرافًا وضلالاً وبداية للضياع. خطوة واحدة من التنازل تقود إلى الهاوية، وبمثل هذه الحدة يتحول الصدام إلى قدر لا فكاك منه، ولا شك أن هذا الصدام ليس نظريًا فحسب، فمن البدهي والمنطقي أن يتحول إلى فعل عنيف للإطاحة بالمجتمع الجاهلي وتغييره!.
لونان لا ثالث لهما ولا توسط بينهما عند سيد قطب: الأبيض والأسود، وبغياب المناطق الرمادية، التي يستقر فيها السواد الأعظم من البشر، يندفع المفكر الإخواني إلى أتون المعركة رافعًا راية الاستشهاد فداء للعقيدة، في تطرف لا يخلو من الرومانسية، وتشنج يجمع بين السذاجة والحماقة. إنه يضيق الدائرة على نفسه، ويطرح سؤالاً لا ينتظر عليه إلا إجابة واحدة: هل أنت مسلم أم لست مسلمًا؟!.

يلح سيد قطب في التأكيد على أن الاختيار محصور بين "الإسلام" و"الكفر"، فإما أن تكون مسلمًا رافضًا لمجمل الأوضاع الجاهلية السائدة، وإما أن تخضع للمجتمع الجاهلي وقيمه الكافرة: "إن الإسلام لا يقبل أنصاف الحلول مع الجاهلية، لا من ناحية التصور ولا من ناحية الأوضاع المنبثقة عن هذا التصور، فإما إسلام وإما جاهلية"!(15).

بالرفض القاطع لفكرة أنصاف الحلول، يتم الإعلان رسميًا عن قيام حرب لا هوادة فيها، ويتم الإعلاء من شأن الجهاد الدائم ضد الأوضاع الجاهلية وما ينبثق عنها. صحيح أن توقيت خوض الحرب رهين بعديد من الأوضاع المعقدة المتشابكة، الخاضعة لموازين القوى المادية، لكن المبدأ نفسه محسوم، ولا تراجع عنه، ولا تفكير في عواقبه على المستويين الفردي والجمعي!.

الهدف من الحرب هو استعادة الإسلام المهدد بالضياع، والأعداء ليسوا هم غير المسلمين، لكنهم من "يتصورون" أنهم مسلمون على الرغم من انغماسهم في إيقاع الحياة الجاهلية، ومن "يعتقدون" أن التعايش ممكن.

يشن سيد قطب هجومًا جارفًا ضد هؤلاء المذبذبين المتخاذلين المترددين: "والمسألة في حقيقتها هي مسألة كفر وإيمان، مسألة شرك وتوحيد، مسألة جاهلية وإسلام، وهذا ما ينبغي أن يكون واضحًا. إن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة الجاهلية، وإذا كان فيهم من يحب أن يخدع نفسه أو يخدع الآخرين، فيعتقد أن الإسلام يمكن أن يستقيم مع هذه الجاهلية، فله ذلك، ولكن انخداعه أو خداعه لا يغير من حقيقة الواقع شيئا. فليس هذا إسلاما، وليس هؤلاء مسلمين. والدعوة اليوم إنما ترد هؤلاء الجاهلين إلى الإسلام، ولتجعل منهم مسلمين من جديد"(16).

الثنائيات التي يطرحها سيد قطب بمثابة المصادرة النهائية لكل مبادرة تسعى إلى منع اندلاع الحرب، فلابد من المواجهة بين معسكرين لا أمل في التوافق بينهما: الكفر والشرك والجاهلية في جانب والإيمان والتوحيد والإسلام في الجانب الآخر!. ولأن اللوحة مغلقة، فإن النتيجة المتوقعة هي سلب المسلمين العاديين إسلامهم، وهؤلاء العاديون هم من يوقنون أن الحياة الإنسانية مزيج من الخير والشر، وأن وجود الشرك والكفر لا يعني بالضرورة تهديد إيمانهم وإسلامهم. بفطرتهم يصلون إلى المعادلة الصحيحة، وبتشنجه المتشكل من عناصر ذاتية وعوامل موضوعية، يحاصرهم سيد قطب بمنطق زائف متهافت. هؤلاء "المتوهمون" بأنهم مسلمون، من منظور سيد قطب، هم الأغلبية الساحقة التي يخشاها المفكر الإخواني، ويتراوح موقفه تجاههم بين الطموح في تجنيدهم لخوض الحرب معه، واليأس منهم فيشن الحرب عليهم!. هم وقود الحرب وضحايا الصراع الحتمي، بلا أمل في النجاة، وهم المأمورون بالمنطق القطبي أن يشهروا إسلامهم من جديد!.

* خطان متوازيان:
الكفر ملة واحدة، وكل الخارجين عن المدرسة القطبية هم- مع تعدد أحزابهم وتوجهاتهم ودوافعهم- يمثلون حزبا واحدا يقوده الشيطان، ويعمل في خدمة الطاغوت!. وبالمنطق نفسه، ينقسم العالم إلى دارين: دار إسلام وسلام حيث تحكم الشريعة ويسود القانون الإلهي، ودار حرب تضم ما عدا ذلك. لا انسجام أو تعايش بين هذين الدارين، وغاية ما يمكن الوصول إليه هو الهدنة المؤقتة في انتظار اندلاع الحرب!.

يقول سيد قطب: "إن هناك حزبًا واحدًا لله لا يتعدد، وأحزابًا أخرى كلها للشيطان والطاغوت. هناك دار واحدة هي دار الإسلام التي تقوم فيها الدولة المسلمة فتهيمن عليها شريعة الله وتقام فيها حدوده، ويتولى فيها المسلمون بعضهم بعضا. وما عداها دار الحرب، علاقة المسلم بها إما القتال أو المهادنة على عهد أمان، ولكنها ليست دار إسلام، ولا ولاء بين أهلها وبين المسلمين"(17).

الحياة إذن بمثابة حرب دائمة لا تنتهي، والإسلام عند سيد قطب هو دين الجهاد بلا توقف، ذلك أن النهاية الوحيدة في تحول العالم كله إلى دار الإسلام!.
هل من اختلاف بين ما يقوله سيد قطب، وما يقوله وينفذه أسامة ابن لادن وأيمن الظواهري؟!. القطبيون والقاعديون يرفعون شعارات الجهاد، ويحاربون تحت راية الإسلام، وطموحهم المعلن هو تحرير العالم من عبودية الجاهلية!. ولعل هذا التوافق الإستراتيجي هو ما يبرر غياب النقد الإخواني الواضح لأفكار تنظيم القاعدة وعملياتها الإرهابية، فالوعاء الفكري مشترك، والاختلاف الوحيد بينهما في التوقيت المناسب!.

يعتقد سيد قطب أنه الوحيد الذي يدرك أبعاد العقيدة الإسلامية؛ ولذلك يمنح نفسه حق الحديث باسم الإسلام والجزم بما يأمر به الدين وينهى عنه: "والذي يدرك طبيعة هذا الدين يدرك حتمية الانطلاق الحركي للإسلام في صورة الجهاد بالسيف إلى جانب الجهاد بالبيان"(18).
أهي مصادفة أن يكون الجهاد بالسيف مقدمًا عن الجهاد بالكلمة؟!. إذا لم يقتنع قارئو سيد قطب بالأفكار، فلابد من إجبارهم على الاقتناع!.

الفكرة المحورية، التي ينطلق منها سيد قطب، تتمثل في غياب "منهج الله" عن عالمنا المعاصر، ولهذا فإنه محكوم بقيم وأخلاق وقوانين الجاهلية، ومهيأ لاستقبال واستيعاب الدعوة الإسلامية الصحيحة النقية، التي تعيد تنظيم مفرداته، وتعود به إلى السبيل القديم. مثل هذه العودة المأمولة، لا تستقيم مع القوانين الوضعية التي سنها البشر، وانتزعوا من خلالها حقًا إلهيًا أصيلاً لا ينبغي لأحد أن ينازع فيه، ومن هنا رفضه الصارم لجميع الإطارات والمؤسسات العصرية الحديثة، التي تشكلت عبر تراكم الاجتهادات البشرية على مر العصور. الأمر عنده ليس خللا يمكن إصلاحه دون صدام، فالتباين من الحدة والوضوح بحيث ينسف كل جسور التعايش والحوار. الثورة على الأوضاع القائمة خيار وحيد، وعلى المسلم الحقيقي أن يعلن عن موقف لا يحتمل التردد: الانتماء إلى الإسلام الخاص، أو الرضا بالجاهلية الكاملة!.

وفى هذا السياق، ينقسم العالم إلى حزبين: حزب الله وحزب الشيطان، والذين "يتوهمون" أنهم مسلمون، على الرغم من تفريطهم في مبدأ حاكمية الله، ليسوا مسلمين عند سيد قطب، وهم في حاجة إلى إشهار إسلامهم من جديد، والتسليم بالحق الإلهي المطلق دون منازعة أو مشاركة بشرية؛ وبهذا التوجه وحده يمكن أن يكونوا من حزب الله، وإن لم يرضخوا فهم من حزب الشيطان وأنصار الطاغوت!.
الأمر عند سيد قطب ليس صراعا فكريا وسجالا نظريا، فلابد من إعلان الحرب والتغيير بالقوة!.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :