من أجل كبح جماح بركان الغضب
قراءة في ملفا لأمور المسكوت عنها-(356)
بقلم يوسف سيدهم
لم أتصور أن أركب أي موجة مهما تكن عالية ولا أخشي أن أسبح ضد التيار, لذلك أجدني مختلفا مع قدر غير قليل من الأحداث والتداعيات التي صاحبت الفصل الثاني من الثورة فيجمعة الثورة أولا ومن بعدها جمعة الإنذار الأخير فبينما أظل متحمسا لثوار ميدان التحرير ومعهم سائر ميادين الإسكندرية والسويس وغيرها من المدن المصرية أقف قلقا ورافضا لكل مظاهر الانفلات والفوضي والغوغائية التي تفرزها تلك الميادين عبر تعبيرها عن الاحتجاج والغضب...وإذا كنت أدافع عن حق الثوار في البقاء في التحرير إلي أجل غير مسمي حتي نجتاز مرحلة الانتقال إلي شرعية الدولة المدنية وأري في ذلكهايد بارك مصرية يتابعها العالم بالإعجاب والاحترام, إلا أنني أدين بشدة الانزلاق إلي تهديد الاستقرار الاجتماعي والعبث بالاقتصاد واستباحة الأمن القومي لفرض رأي الثوار علي شرعية الدولة والقضاء والقانون.
لذلك لعلني من القليلين الذين لم يصدموا من النبرة العالية الصارمة التي غلبت علي بيان المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي أذاعه اللواء محسن الفنجري عقب جمعة الإنذار الأخير, بل علي العكس لا أخفي شعوري بالارتياح لرد الفعل غير الهادئ وغير التسامح من جانب المجلس إزاء ما يصلح أن نطلق عليه تجاوز الثوار للخطوط الحمراء...فقد استنكرت اجتراء الثوار علي السلطة القضائية حتي وصل بهم الحال إلي رسم سيناريوهات بعينها لمحاكمات رموز وأعوان النظام السابق وفرض أحكام مسبقة لإدانتهم والقصاص منهم, وذلك تجاوز يفوق حق الثوار في علانية المحاكمات, ويضع السلطة القضائية تحت ضغوط رهيبة تهدد بشدة استقلالها وحيادها وعدالتها.
كما استنكرت اندفاع الثوار إلي تعطيل المصالح العامة والاقتصادية بدءا من محاصرة مجمع التحرير ومنع الدخول إليه وشل العمل فيه, ومرورا علي خروجهم خارج السويس لقطع طريق القاهرة- السويس في مشهد خطير يعيد إلي الأذهان خروج السلفيين في قنا لقطع خطوط السكك الحديدية إبان احتجاجهم علي تعيين المحافظ القبطي في أبريل الماضي, ووصولا إلي التهديد بقطع خطوط مترو أنفاق القاهرة ثم بلغ الجموح مداه عندما أعلنوا عن نيتهم مهاجمة قناة السويس وعرقلة الملاحة فيها!!!...إلي هذا الحد فقدت الثورة رشدها؟....بالفعل كان لابد من وقفة صارمة حازمة ليس لردع الثوار ولكن لحماية الثورة من الاندفاع الأهوج الذي غلب عليها وكبح جماح الانفلات غير المحسوب فيها...هكذا تلقيت بيان المجلس الأعلي للقوات المسلحة بارتياح وباقتناع أن الموقف لم يعد يحتمل التراخي أو الهدوء أو ضبط النفس.
الآن نحن إزاء تحركات وتغييرات سياسية متلاحقة لعلها تعيدنا إلي المسار الصحيح للمرحلة الانتقالية التي كادت أن تتعثر تحت وطأة بركان الثوار, وأرجو أن تكون هذه التغييرات إيجابية وليست لها ضريبة علينا أن ندفعها من أمن واستقرار الوطن, فبالقطع مهما اتفقنا علي أهمية حركة إنهاء خدمة المجموعة الضخمة من ضباط الشرطة والقيادات الأمنية التي أعلنها وزير الداخلية الأسبوع قبل الماضي, إلا أننا يجب أن ندرك أنها تمثل تراجعا كبيرا إلي الوراء في مسار إعادة بناء جهاز الشرطة واستعادة قبضة الأمن علي الشارع المصري التي كنا قد بدأنا نلمسها لكنها الآن تعرضت لانتكاسة خطيرة.
كما أن التغيير الوزاري وما سيتبعه من تغييرات في مناصب المحافظين يجب ألا ينظر إليه بالفحص الدقيق المتربص بالأشخاص, إنما في إطار التمهل وإعطاء الفرصة للحكومة والجهاز الإداري لاستعادة السيطرة علي تردي الأعمال والاقتصاد ودفع عجلة العمل إلي الأمام لأنه بدون ذلك لن تتحقق عدالة اجتماعية ولا حد أدني للأجور ولا وظائف جديدة وتلك كلها كانت المعايير الأصلية التي فجرت بركان الغضب لثورة 25يناير.
أتصور أننا في شدة الحاجة إلي الانتقال إلي تفعيل خريطة الطريق الخاصة بالانتخابات البرلمانية وكتابة الدستور الجديد والانتخابات الرئاسية لأن هذا المسار كفيل بأن يستحوذ علي اهتمام المواطنين عوضا عن حالة الترقب والقلق والوقوف محلك سر التي تسيطر علي الشارع المصري وتفرز التفاعلات والتداعيات التي تباغتنا بين الحين والآخر.
كنت أتعاطف مع الكثيرين في الدعوة إلي إعادة النظر في ترتيب أولويات خريطة الطريق التي حددها المجلس الأعلي للقوات المسلحة, بحيث تعدل إلي الدستور أولا قبل الانتخابات البرلمانية- وهي الدعوة إلي انقسمت إزاءها الساحة السياسية بين مؤيد ومعارض- وكنت أنحاز إلي الدستور أولا من أجل الحيلولة دون استئثار أي تيار سياسي-أو ديني- دون غيره بمقدرات تشكيل وكتابة الدستور, إذ كان ذلك الخوف ماثلا إزاء عدم تكافؤ الفرص بين التيارات السياسية الموجودة علي الساحة والتي تنقسم بين القدامي ذوي الأقدام الراسخة في الشارع وبين القادمين الجدد الذين يعوزهم الوقت لترتيب أمورهم, ومن هنا نشأ التيار الثوري الرافض لكتابة الدستور علي يد أي أغلبية برلمانية يأتي بها صندوق الانتخاب.
لكن في الوقت نفسه وأمام ما يحدث في الشارع المصري من تداعيات ثورية ناتجة عن تعليق الأمور أشفق علي مصر من أن تدخل في نفق طويل من المشاحنات والمعارك والخلافات عند الشروع في كتابة الدستور قبل الانتخابات, ولعل مادفعني إلي إعادة النظر في موقفي السابق المؤيد للدستور أولا ما أعلنه المجلس الأعلي للقوات المسلحة عن عزمه إعداد وثيقة مبادئ حاكمة لاختيار الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور الجديد وإصدارها في إعلان دستوري بعد اتفاق القوي السياسية والأحزاب عليها...وهنا أقول إنه إذا تحقق ذلك بالفعل يزول كثير من المخاوف لدي الداعين إلي الدستور أولا ونستطيع أن نمضي مطمئنين إلي الانتخابات البرلمانية في سبتمبر المقبل.
أشعر أن مصر في حاجة ماسة إلي حكم يسرع باستئناف اللعب ليمنع الشجار بين اللاعبين وليصل بالمباراة إلي بر الأمان.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :