بقلم: القمص صرابامون الشايب
يرتعش الضمير الإنساني ويهتز بشدة لبشاعة الجريمة التي حدثت في ليلة عيد الميلاد المجيد 6/1/2010م في مدينة نجع حمادي، التي استهدفت فلذة أكبادنا وخيرة شبابنا وقد استقرت هذه الرصاصات الغادرة في قلب كل قبطي مخلفة حالة من الحزن الشديد والعميق، والتي ستظل دائمًا كامنة وممتزجة بالكيان القبطي الجريح المنهك من الطعنات الغادرة والتي على ما يبدو لن تنتهي أبدًا, فالقلب حزين والفؤاد جريح والنفس مرة والدموع لا تنقطع, والجريمة الإرهابية استهدفت الأقباط الطيبين المسالمين في يوم عيدهم.. فيد الإرهاب المتأسلم القتالة اغتالت أناسًا أبرياء لا ذنب لهم إلا انهم يختلفون مع فقهاء الموت والخراب والدمار في المعتقد والإعتقاد.. فلقد فقد الأقباط الكثير من حقوقهم في جميع مناحي الحياة ولم يبق لهم إلا حق العبادة المنقوص والمحفوف بمخاطر سيف الإرهاب الطليق.
لقد تعرض الأقباط لأكثر من 160حادث إعتداء إرهابي منها 20حادث في عام 2009م، والغريب تكاثر هذه الأحداث في العام المنصرم 2009م وذلك يرجع إلى زيادة تنامي التيار المتأسلم, وأيضًا القادم من الخارج لدرجة القبض على خلايا إرهابية تعمل لصالح حركة حماس.
هل لنا أن ندق ناقوس الخطر ونقول أن كثرة الأحداث بهذه الصورة المخيفة لها العديد من الأهداف:
1. الهدف الظاهري والأقرب إلى إدراك المحللين لهذه الأحداث وهو استهداف الأقباط.
2. استهداف كيان الدولة المدنية والإجهاز عليها محليًا وعالميًا وهم يريدون ان يقولوا أن الدولة غير قادرة على حماية رعاياها من الأقباط والحفاظ على أمنهم.
استفيقوا واستيقظوا يارجال الدولة وكل من آمن بالدولة المدنية, كل هذا يحدث والجميع يغطون في نوم عميق فعيون مباحث أمن الدولة الحادة لا تنظر إلا إلى الأقباط.. أقولها للمرة الألف.. إن جهاز مباحث أمن الدولة قد اُخترق من بعض المتطرفين والمتعصبين والمتأسلمين الذين يرون أن دورهم الوحيد هو تحجيم الأقباط وكسر اُنوفهم وسحق كرامتهم.
الخطر يا سادة ليس في الأقباط المسالمين بل في التطرف الأصولي الذي توحش وتغول وتحول إلى تنين جبار يجتاح كل مناحي الحياة في مصر ويضع قدمه بلا رحمة على رقبة الدولة المدنية لتخرج الدولة الدينية، دولة الظلم والجهل والتقهقر والبداوة والتخلف من مكمنها في الظل, إلى النور اختاروا يا بعض رجال أمن الدولة المتعصبين والمتطرفين إما التركيز على أسلمة القاصرات وسلب الأقباط حقوقهم وعلى رأسها حق العبادة, أو النهوض بدور حضاري وإنساني لحماية وإنقاذ هيبة الدولة المدنية التي يمرمغها الإرهاب في التراب.
***
أولاً
إلى سيادة الرئيس/ حسني مبارك
أتكلم كمواطن مصري يدق ناقوص الخطر, فسيادتكم وكل رجال الدولة المدنية وكل المعتدلين من أخوتنا المسلمين وكل الأقباط في قارب واحد ينتظرنا نفس المصير إما أن نصل إلى بر أمان الدولة المدنية أو نضيع في غياهب ظلمة بحار الدولة الدينية.
ليقويك الرب يا سيادة الرئيس وتسندك صلوات جميع المصريين المتحضرين للنهوض بهذا الدور الحضاري الإنساني حتى ولو قال الجميع أن "الكل تمام"، فالدولة المدنية بكل قيمها المتطورة والمتحضرة في خطر, استحضر سيادتكم ملف الأقباط وادرسه بنفسك ستجد أنه هو نفسه ملف محاربة التطرف والإرهاب وتقوية وتعضيد الدولة المدنية.
***
ثانيًا
المحافظ القبطي مجدي أيوب محافظ قنا ودوره في تردي الأوضاع الأمنية:
في حركة مسرحية هزلية مثيرة, وقف السيد المحافظ في إحدى شوارع مدينة نجع حمادي يسجل لأحدى البرامج في القناة الأولى مساء يوم الأحد الماضي 10/1/2010م قاصدًا أن يصور له البرنامج وهو يقف في الشارع حتى يقول "أن كل الأمور تمام وعلى ما يرام"، واعتقد هو أنه يستطيع بذلك أن يضحك على 80 مليون مصري وقوفك هكذا يا سيادة المحافظ في عز برد الشتاء لن يعطينا انطباعًا أن الأمور تمام, كان الأكرم لك أن تجلس في مكتبك وتهدأ وتتكلم بموضوعية, لكن سيادتك من أين ستأتي بهذا الفكر, وأنت على ما يبدو منعزل تمامًا عن الحياة الثقافية والفكرية ولا يوجد في ذهنك إلا العلوم التى درستها في كلية الشرطة.. مرة أخرى أقول أيهما أكرم أن تقوم بهذه المسرحية السخيفة في عرض الطريق أم في مكتبك تناقش الأمور بعمق ثقافي وحضاري وحث وطني.
المهزلة التي حاولت أن تقنعنا بها أن هدوء الشارع أثناء التصوير التلفزيوني في نجع حمادي هو دليل على هدوء الأحوال بين المسلمين والأقباط وضرورة غلق هذا الملف أمر لا يمكن أن يقنع طفل صغير في إحدى دور الحضانة.
فقد جاءوا بك لتكون أداة لينة في أيديهم يفعلون بك ما لا يستطيعون فعله بيد أشد المتأسلمين تعصبًا فمنذ وصولك إلى قنا والتعصب والإرهاب يزداد، وما حدث في فرشوط هو نفسه ما حدث في نجع حمادي وإسنا.
كل هذه الأحداث تحدث وسيادة المحافظ صامتًا لا يتحرك له ساكن وفي صمته قد فاق صمت أبو الهول, بل قل في صمته قد فاق الصمت نفسه, وتؤكد دائمًا أنه لا يوجد للأمور أي طابع طائفي أو إضطهاد للأقباط, يا سيادة المحافظ أخرج من عزلتك الثقافية وأقرأ وأسمع, ألم تسمع ما يقوله اخوتنا الكتاب المسلمين الشرفاء المعتدلين من أمثال:
أ. سعد هجرس
أ. نبيل شرف الدين
أ. طارق حجي وغيرهم كثيرين!!!
فنغمة ما فيش إضطهاد أو تعصب والأمور ليست طائفية أصبحت بضائع غير رائجة ولن يصدقك أحد حتى نفسك.
اسمع ما يقوله المفكر الراحل الدكتور/ محمد سيد سعيد في الندوة المقامة في أبريل 2006م بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بعنوان: هل نقول وداعًا للوحدة الوطنية.
وقال سيادته: أن المسلمين على وجه التحديد ورثوا حقدًا دفينًا وعميقًا وغير قابل للفهم ضد الأقباط وكان موقفهم بالغ التطرف ضدهم مستعينين بنصوص وفقه القرون الوسطى في تبرير المعاملة العنيفة للمسيحيين وخاصة في صعيد مصر بالإضافة إلى أن هناك شكوك جادة عن مدى تلاعب الأمن بملف الوحدة الوطنية، فالدولة تحكم شعبها الآن بعقلية استعمارية,, انتهى كلام الدكتور/ محمد سيد سعيد.
وأيضًا يا سيادة المحافظ ما يقوله الأستاذ الصحفي ابراهيم عيسى أن اختيار اليوم والمكان وهو عيد الأقباط وعند كنيستهم يوضح أن إطلاق الرصاص كان ضد ديانة الأقباط وجموعهم وليس ضد مغتصب قبطي بعينه أو أسرته، وهو ما يؤكد وقوف التطرف والتعصب وراء هذه الحادثة بلا لف أو دوران أو مراوغة, ولا ينفع بقى الكلام الفارغ بأنها حادثة فردية، فأي فردية في حادث منظم ومخطط يستهدف أصحاب ديانة بعينها ومكان مقدس للعبادة؟ أين الفردية في هذا الحادث وكله ينطق بالخطة والتخطيط والتجهيز والجماعية؟ انتهى كلام الأستاذ الصحفي ابراهيم عيسى ليباركه الرب ويحفظه لحياده ووطنيته.
لقد تحولت سيادتك بتسطيحك وتبسيطك للأمور إلى خنجر مسموم في قلب الأقباط التعساء البائسين وسوف يطلب منك دم هؤلاء الشهداء لأنك لم تأخذ الأمور منذ بدايتها بمأخذ الجد، وكنت تحاول أن تنفي عن الأحداث صفة الطائفية والتعصب حتى حدثت الكارثة، والذنب ليس ذنبك بل ذنب من أتى بك إلى هذه المحافظة النائية التي تحتوي في تركيبتها الإجتماعية على الكثير من العصبيات القبلية، فهي لا تحتاج إلى رجل أمن بل إلى رجل يحمل في تركيبته الشخصية الخبرات الثقافية والإجتماعية والفكرية, وأشعر بالخجل من تصرفاتك وخوفك يا سيادة المحافظ عندما أتذكر ما قاله السيد المستشار/ عدلي حسين محافظ القليوبية أطال الله حياته أنه يتمنى صدور القانون الموحد لبناء دور العبادة لأنه سيحل العديد من مشكلات الأقباط, الفرق كبير بين خوفك أيها المحافظ القبطي وشجاعته وهو المحافظ المسلم.
رحِّلوا هذا المحافظ حياكم الله وضعوه في منصب "يحتاج إلى مطيّباتي" وأتوا بدلاً منه بأشد المحافظين المتأسلمين تعصبًا وتطرفًا فسوف تكون الأحوال أفضل من ذلك, وإن لم يرحلك من أرسلك فسوف يرحلك القادر القدير إلى مكان لا عودة منه, وستظل أياديك مخضّبة بدماء الشهداء.
***
ثالثًا
اللواء/ محمود جوهر "مدير أمن قنا"
بلع هو الآخر الطعم الإعلامي الساذج ووقف في عرض الطريق لمدة طويلة تحت البرد القارس ليوحي لنا وللعالم كله أن الأمور تمام طالما أن الشارع خالي من المارة, وكان يمكن له أن يجلس في مكتبه ويشرح لنا الأمور بهدوء وتأني وهل وقوفك يا رجل يا طيب أنت والسيد المحافظ في عرض الطريق يمكن أن يقنعنا أن المشكلة الطائفية في نجع حمادي قد إنتهت؟ لأن الشوارع فارغة من المارة, والعالم كله وكل فرد في نجع حمادي الداني والقاصي والقريب والبعيد يعلم مدى تخاذلك في مواجهة أحداث فرشوط, ومن يستطيع أن ينسى الهجوم الذي حدث بقرية الخوالد مركز أبو طشت يوم 19/11/2009م على القس الموقر/ بنيامين نصحي قليد وتحطيم سيارته على مسمع ومرأى من رجال أمنك الذين لم يتحركوا لنجدته, هل تذكر سيادتكم أم نسيت سرعة انتشار نيران الفتنة في عديد من قرى فرشوط وأيضًا كل الممارسات الأخرى التي سوف نعود إليها بالتفصيل في مقال آخر ولكن قلت وأنت في قارعة الطريق أمس الأحد الموافق 10/1/2010م أنك قمت بتأمين الكنائس وأنه لم يكن هناك أي قصور أمني، فكلام سيادتكم يحتوي على نصف الحقيقة لأن هذا التأمين الأمني قد تم أمام أبواب الكنائس بالحراسات العادية التي ترسل في مثل هذه الأحوال فعلت هذا واسترخيت في مكتبك وتركت المجرمين ومسجلي الخطر يمرحون ويرتعون في الشوارع المحيطة بالكنائس موقع المذبحة, وفي إهمالك واسترخائك لك حق فالدم القبطي بلا ثمن وليست هناك أية مشكلة أن يقتل القبطي بيد المسلم فهناك 160 إعتداء وقع ضد الأقباط منذ مذبحة الزاوية الحمراء إلى مذبحة نجع حمادي، ولم يتم حكم واحد من المحكمة ضد أي مجرم ممن قاموا بهذه الإعتداءات سواء بحرق كنائس أو تدمير وتخريب ممتلكات أو خطف وتعذيب "رهبان أبو فانا" أو حتى قتل وإبادة "مذبحة الكشح" فلم يدان أحد في مقتل 4000 قبطي في الأحداث الطائفية، لك حق يا سيادة المدير أن تفعل ما تشاء طالما أنه ليس هناك حساب ولو كنا في بلد يحترم حقوق الإنسان ويظلل بعدله وحمايته على جميع مواطنيه لما ظللت في مكانك لتصدعنا بلغو الكلام وأنت تتحمل مع المحافظ ورجال مباحث أمن الدولة الجزء الأكبر من المسئولية على هذه الجريمة المرعبة والنكراء, ومع كامل إحترامي للقيادة الكنسية الدينية لمدينة نجع حمادي إلا أنني من خلال متابعتي لهذا المسلسل المؤلم منذ أحداث فرشوط وحتى مذبحة ليلة عيد الميلاد المجيد.
أؤكد أن هناك تواني وتشجيع وتحريض أمني وهذا ليس بجديد فهو السيناريو الذي يحدث في جميع الأحداث الطائفية, وكل هذا يذكرني بمدير أمن الأقصر السابق اللواء/ محمد نور وتعامله مع أحداث كنيسة السيدة العذراء بالعديسات, وكنت أتمنى أن تلاحظ سيادتك يقظة ووطنية مدير أمن الأقصر الحالي سيادة اللواء/ منصور الشناوي الذي منذ وصوله إلى محافظة الأقصر يتمتع الجميع بالأمن السلام.
***
رابعًا
نلتمس ونرجو من قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث أن يرسل من طرفه فريق عمل من رجال القانون لمتابعة هذه الأزمات الطائفية لأن المعالجة المحلية لا تكون على المستوى المطلوب لإدارة الأزمات وأن التخبط في إدارة الأزمة يسيء للجميع.
ونحن نتألم ولا نحتمل أن تتهم القيادات الدينية المسيحية المحلية بالتناقض في التصريحات أو ما شابه ذلك. وأن تظهر بمستوى أقل من اللائق في وسائل الإعلام.
نصلي ونتضرع إلى ربنا يسوع المسيح أن يلهم أسر الشهداء العزاء والصبر, ويهبنا نحن أيضًا العزاء والصبر, وأن يظلل ملك السلام بسلامه على أرض الوطن مصر وعلى جميع سكانها مسلمين ومسيحيين.
ولا ننسنى أن نطلب ونتضرع ليعزي الله أسرة الأخ المسلم المجند/ أيمن حامد هاشم فهو أيضًا ضحية بريئة ليد إرهاب أعمى.
وكما يقول معلمنا بولس الرسول:
"ولكن لنا هذا الكنز في آوانٍ خزفية ليكون فضل القوة لله لا منا مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين, متحيرين لكن غير يائسين, مضطهدين لكن غير متروكين, مطروحين لكن غير هالكين حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا" (2كو 4 : 7 ـ 10).
أمين دير القديسين بمدينة الطود
محافظة الأقصر |