CET 00:00:00 - 30/01/2010

مساحة رأي

بقلم: عماد توماس
في إحدى المستشفيات العقلية في أمريكا، يقوم الأطباء باختبار لبيان مدى شفاء المريض واستجابته للعلاج، فيدخلونه على غرفة لا يوجد بها سوى "حنفية" مفتوحة ينهمر منها الماء بغزارة، ويعطونه "مسّاحة" ليقوم بمسح الماء النازل من الحنفية.
المريض أمامه خياران، أولهما أن يقوم بغلق الحنفية أولاً ثم البدء في مسح المياه، وبهذا يكون قد نجح في الاختبار وأوشك على التعافي، أو الخيار الثاني أن يقوم بمسح المياه ويترك الحنفية ينهمر منها المياه، وهذا يعني أنه لم يٌشفى بعد!! لأنه لم يغلق مصدر المياه أولاً.
لا أعرف لماذا كلما يحدث حادث طائفي، أتذكر هذا الاختبار المُعَبِّر، فبعد الأحداث الجِسام التي شهِدتها مدينة نجع حمادي، تم اشتعال الحرائق في عدد من المنازل بقرية "نجع حاجز الحوزة" التي تبعد 10 كيلو مترات عن مدينة أرمنت. ووسط هذه الأحداث المؤسفة خرجت ببعض الانطباعات والتعليقات:

· لا يمكن التعامل مع أي مشكلة وحلها إلا بالاعتراف بها، فمازال البعض يردد عن جهل أو تجاهل، أن الأحداث الطائفية هي أحداث فردية، أو أنها على خلفية حوادث شرف أو ثأر أو أن هناك "فئة خفية مندسة" أو كما ذكرت إحدى المجلات الأسبوعية الحكومية "أن أيدٍ خفية حرقت منازل مسيحيين، وأن امتداد النيران لبيوت مسلمين أحبط إثارة الفتنة" ولم يحدد لنا أحد من هم الفئة المندسة والأيدي الخفية!!.
مادمنا نهوِّن ونُسطِّح أسباب هذه الحوادث، فلا أمل في الإصلاح، ما دمنا لا نعترف بالمشكلة، لا أمل في إيجاد حلول عملية حقيقة.
· مازلنا نردد بعد كل حادث طائفي، الشعارات الرنانة، والكلام المكرر الذي يردده العامة، أن المسلم لديه أصدقاء كثيرون من المسيحيين وأحمد صديق لجرجس، وكأنه من الإعجاز الإنسانى أن يتصادق مسلم مع مسيحي!! هذا الكلام لا يحل أي إشكالية، فالاعتراف بالمشكلة بداية للحل، فنحن نحاول مثل المريض مسح المياه ومازلت "الحنفية" مفتوحة، إذا أردنا يا سادة علاجًا لمشاكلنا الطائفية علينا أن نغلق "الحنفية" أولاً ثم نحاول مسح المياه المنهمرة!!.
· ليست هكذا الوحدة الوطنية التي جسدتها جريدة "المساء" في خبر يفيد قيام "القمص بطرس بسطوروس راعي كنيسة مار جرجس بدسوق بافتتاح معرض للأجهزة الكهربائية بحي الكشلة بمدينة دسوق لمواطن مسلم"، هذا استخفاف بالعقول وتهوين مخل بمفهوم الوحدة الوطنية.
· نعم، لدينا مناهج تعليمية تحتاج لا للتنقية لكن للغربلة والتغيير الكامل، مناهج ترفض الآخر بل وتكفره أحيانًا لكن ليس هذا أصل المشكلة!!.
· نعم، لدينا إعلام متدني، يفتقد لأقل المعايير المهنية للازمة والمطلوبة، إعلام موجّه، وصحافة غارقة في السلبيات، لكن ليس هذا أصل المشكلة!!.
· نعم، لدينا مشاريع قوانين يجب الموافقة عليها مثل قانون دور العبادة الموحد وقانون تجريم التمييز، لكن حتى هذه القوانين لن تحل مشكلة تنامي مناخ التعصب الديني في المجتمع المصري، فليس هذا أصل المشكلة!!.
· نعم، الجلسات العرفية هي عار على الدولة المدنية الحديثة، ولا يصح أن تعقد لتكون بديلاً عن سيادة القانون، لكن ليس هذا أصل المشكلة!!.
· نعم، لدينا غياب للمثقفي وعقلاء هذا الوطن، لصالح جماعات سلفية متشددة، لكن ليس هذا أصل المشكلة!!.
· أصل المشكلة يا سادة هو .."تأويل النص الديني" فى خطاب ديني متعصب، يُحرِّض على رفض و تكفير الآخر ... أغلقوا "الحنفية المفتوحة" أولاً وبعد ذلك جففوا آثار التعصب من مناهج تعليمية و إعلام وجلسات عرفية!!.

انزعوا بذور التعصب وازرعوا الحب لتحصدوا ثمار العدل والمساواة.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق