بقلم: د.عاطف نوار
أما العربة الثانية حيث المطبخ التشريعى الذاخر بأشهى القرارات الطازجة حسب أوامر العربة الأولى، فهي مكتظة بنوعية خاصة من البشر تُجيد التفصيل -أقصد تفصيل القوانين- يُرحبون بالموافقين، وينبذون المعترضين، فنجد فى حادث مقتل مروة الشربينى، ينبرى نواب الشعب مُنددين بالحادث ويصفونه بالإرهابى والطائفى بل ويُخرج القطار من مدخنته ملايين الجنيهات للحصول على حُكم رادع على القاتل، أما من جهة المسيحيين.. فعلى مدى اربعين عاما وفى كل محطة يهاجمها القطار حيث أنهار دم المسيحيين الناجمة عن مذابح مدبرة مُحكمة التخطيط.
نجد رواد العربة الثانية يتسابقون لتبرير هذه الجرائم بعبارات جوفاء سابقة التجهيز وكأنها جزء من خطة تنفيذ تلك المذابح، فمرة يكون الحادث فرديا وأخري يكون الجانى مُختلا وثالثة يكون مُغتصبا لفتاة مسلمة أما فى محطة نجع حمادى فقد احتاروا فى الإختيار فلا مانع من التجربة، فنرى مجدى أيوب يخرج علينا بأن الكمونى كان ( مضايق ) لأن ( صالة الجيم ) التى يمتلكها لم تعد شغالة مما دفعه لإرتكاب جريمته، ثم يجرب قصة أخرى وهى أن سبب ( مضايقته ) أن زوجته أُصيبت بنزيف أدى إلى إجهاض جنينها،ثم يصرح الغول أن السبب هو صحوة ضميرية لعتيد الإجرام الكمونى من جراء إغتصاب فتاة فرشوط ثم يُصرح مرة أخري أن لا علاقة للمذبحة بما حدث فى فرشوط، ويندفع النائب فتحى قنديل بقوله لهناء السمرى أن الكمونى مختل ثم تذكر أن السيناريو هذه المرة انه مسجل خطر ثأر لفتاة فرشوط فرجع إلى النص الموضوع مرة أخرى، ويُجرب فتحى سرور قوله أن الفتاة ماتت أثناء الإغتصاب ثم يعيد التجربة بأنها ماتت معنويا، ثم يخرج مصدر امنى بمحاولة جديدة تُفيد أن الجناة كانوا مخمورين وتحت تأثير المخدرات أثناء الجريمة.
ونلمح فى العربة صوت يعلو بالحقيقة من النائبة الجريئة جورجيت قللينى تفضح المخطط القذر، فينهال عليها أعضاء العربة بعبارات الإتهام الجوفاء المحفوظة المملة بانها تشعل الفتنة الطائفية، ومن جهة أخرى يُمطر رواد العربة عبارات جوفاء فاشلة لإسقاط طائرة أقباط المهجر التى تحاول رفع الإضطهاد والإبادة عن محطات القطار، بهذه العبارات كلها وتلك المحاولات جميعها تعلن العربة الثانية موافقتها على هذه الجرائم ومُباركة حكومتها الرشيدة لها.
وهنا يأتى دور رجال القضاء العادل الجالسين فى العربة ذاتها، فنجدهم على منصاته يحكمون على الجناة بالبراءة فى محطات الكشح الأولى والثانية وبالخلل العقلى فى محطة الأسكندرية وبحفظ القضية لعدم كفاية الأدلة فى محطات عديدة.
أما العربة الثالثة فتختص بتعذيب وسجن كل من يحاول المطالبة بحقه من الأقباط بل ابتكر قائدها وسيلة فريدة لإنهاء أية نزاعات دينية حيث يقبض على الشباب القبطى عشوائيا ويُذيقهم ألوانا من التعذيب والإهانات ليحقق ما يُدعى بالتوازنات حيث يُجبر أهالى المجنى عليهم على التنازل عن محاضر الإعتداء عليهم وإرغماهم على الإعتراف بأقوال يُلقنها لهم وهذا ما يُعرف بمجالس الصلح العُرفية لينتهى الموضوع ويقلع القطار إلى محطة أخرى جديدة.
واليوم نرى محاولات الأمن المستميتة للخروج من مأزق نجع حمادى باعتقال وتعذيب العشرات من الشباب المسيحيين أملا فى تلفيق الموضوع والإنتهاء منه حيث آن الأوان لإقلاع القطار صوب محطة أخرى.
وأخيرا نأتى للعربة الرابعة، حيث يحتلها نوعية خاصة من البشر لهم مواصفات معينة تم إختيارهم بعناية ليرتادو أماكنهم فيها، إنهم مسيحيون غيورون، ولكن، غيورون على مراكزهم وكراسيهم ومكاسبهم، إنهم ممن يبيعون الرخيص والغالى للإحتفاظ برضا العربة الأولى عليهم ليبقوا على مقاعدهم فى العربة الرابعة، لا مانع عندهم أن يبيعوا قضية كنيستهم ويضربوا حقوق أبناء وبنات كنيستهم المضطهدين عرض الحائط فى سبيل الإبقاء على كراسيهم ومراكزهم، لا مانع عندهم من الكذب والنفاق مُداهنة وتملقا للعربة الأولى، كل شئ تحت أحذيتهم من أجل مقاعد الشعب والشورى حيث الحصانة والنفوذ والمال.
فنرى إدوار غالى يغالى فى مداهنة الحكومة ويتلو نصا موضوعا له ينفى فيه تماما وجود إضطهاد للمسيحيين فى مصر بل ويدعى أنهم مواطنون من الدرجة الأولى يأخذون حقوقهم كاملة من وظائف قيادية وبناء كنائس إلخ وأن من يقول أنهم مُضطهدون فهو واهم ومُختل، ونرى نظيره نبيل بباوى يصيح ويصرخ بالأقاويل نفسها على شاشات الإعلام أملا منه أن يصل صوته للعربة الأولى معلنا لها الولاء والطاعة مستمطرا مراحمها وعطاياها، أحبائى هذا هو الواقع المرير التى تعيشه الكنيسة وإن لم يكن جديدا عليها.
ولكن كشف لنا هذا الواقع مرضا خطيرا تسلل إلى أبناء الكنيسة يجب أن يعالج، هذا المرض هو الذى صنع هيبة هذا القطار فمضى فى طريقه يدهس كل من يعترضه، هذا المرض هو الخوف، الخوف كان بمثابة الجدار الفولاذى الذى عزل أبناء الكنيسة عن بعضهم، فكان شعار الآباء والأمهات " احنا مالنا ومال اللى بيحصل فى الصعيد والزاوية خلينا فى حالنا أهم حاجة أنهم بُعاد عننا" فغرسوا فى أولادهم وبناتهم الخوف والجُبن ومحوا من نفوسهم الجرأة فى الحق ومناصرة إخوتهم المُضطهدين.
تركنا القطار ينشر إضطهاد الأقباط ويبذر معه بذور الخوف فى نفوس الأقباط فلم يعد َإضطهادا بل إبادة، لقد تحقق المثل العامى " سكتناله دخل بقطاره " " واللى يخاف من البعبع يطلعله ".
إن ثقافة الخوف التى ورثناها عن آبائنا وأجدادنا هى السبب الخفى وراء تطور الإضطهاد إلى أن وصل إلى إبادة جماعية تحت إشراف حكومى أمنى وقضائى، دعوة جادة لكل من يقرأهذه السطور أن يبدأ فورا فى إقتلاع شبح الخوف من نفسه ومن نفوس أولاده ومن حوله، أن يغرس فى أسرته وأصدقائه الجرأة فى المطالبة بالحقوق، ليست الحقوق الشخصية فقط بل حقوق كنيسته.
إن هدم جدار الخوف الفولاذى من نفوسنا سيبنى جدارا أشد قوة أمام قطار إبادة الأقباط المسيحيين فى مصر.
bolapavly@yahoo.com |