بقلم: أنطوني ولسن
تحدد يوم السبت السادس من شهر مارس عام 2010 يومًا مفتوحًا للزوار لزيارة المسجد الإسلامي في حي "لاكمبا" أحد ضواحي مدينة "سيدني".. وهذا في حد ذاته عمل طيب ليتعرف غير المسلم على مكان عبادة المسلم، وقد اهتم الإعلام الأسترالي المرئي والمسموع والمقروء بهذا الخبر، وأعلن عنه، وقد شاهدته عبر القناة التلفزيونية العاشرة، ومقدم أخبارالنشرة الجوية، أثناء نشرة أخبار الساعة الخامسة مساء، وهو واقف خارج مئذنة المسجد مطلاً على قبته وهو يعلن الخبر ويدعو الناس للذهاب.. وأن يعلن مذيع مثل هذا الخبر أثناء تقديمه النشرة الجوية في حد ذاته عمل لم يحدث من قبل، أو لم أشاهده عن نفسي في أستراليا، وهذه خطوة فريدة نتمنى أن تتكرر مع أصحاب الديانات الأخرى والمعتقدات التي تعج بها أستراليا، أللهم إلا إذا كان إعلانا مدفوعًا، وهو دون شك مكلف وقد لا يستطيع بعض من أصحاب الديانات والمعتقدات الدينية الأخرى تحمل التكاليف، وخاصة إذا لم تجد المساعدات من الخارج .
ذهبت إلى هذا المسجد مرتين، مرة أثناء الحرب العراقية وما فعله الجنود البحارة على السفن الحربية المتجهه إلى العراق بتقليدهم للمصلين المسلمين وأعتبر ذلك إهانة للمسلمين، لكن دعى المسلمون إلى غداء صلح، على أن يكون اللقاء أولاً في المسجد ثم إلى صالة قصر العديل لتبادل الخطابات وتناول الغداء.. كان دخولي إلى داخل المسجد مع أحد أعضاء البرلمان الفيدرالي الأسترالي الذي قال لي مازحًا (هل سأجد حذائي عند خروجي؟) فقلت له مازحًا أيضًا (أرني حذاءك)، وأراني الحذاء، بعد نظرة متفحصة مني، طمأنته أن حذائي أجدد من حذائه، ومع ذلك أنا لا أخشى تركه خارج المسجد.. وضحكنا.. ولا أريد أن أتحدث عما دار من كلمات في قصر العديل قبل تناول الغداء، ولربما أتحدث عنها في وقت آخر .
أما المرة الثانية، فقد ذهبت للقاء مع إمام المسجد عن حادث حدث في مدرسة للبنات، وبعد التحيات والتعارف أعطاني الموضوع مكتوبًا جاهزًا.. قرأت ما هو مكتوب ولم أعترض إلا على كلمة تصفه ب (مفتي أستراليا).. نظر إليَّ ثم نظر إلى مكتبه الجالس خلفه ولفت ناظري إلى شرائح من الورق الأحمر مكتوب على البعض باللغة العربية والبعض الآخر باللغة الأنجليزية (مفتي أستراليا).. نظرت إليه وقلت له هذا تقوله للأسترال وليس لي، ولا تنسى أننا أولاد بطن واحدة ( فهو من قرية السمطة التابعة لمركز دشنا بقنا) وهذه القرية لها قصة عندي قد أحكيها في مناسبة أخرى، أعود إلى كلمة مفتي أستراليا، قال لي ماذا تريد أن تكتب؟ قلت (مفتي المسلمين) في أستراليا.. رد عليَّ وقال صححها.. فقلت له تصححها أنت وبقلمك .
تم التصحيح وعدت إلى الجريدة (التلغراف اللبنانية) التي تصدر في أستراليا، وضعت اللقاء فوق مكتب رئيس التحرير وطلبت من سكرتير الجريدة أن يخبر رئيس التحرير صباح الغد بعدم البت في نشر الموضوع قبل أن أراه.. وفي اليوم التالي أخبرته بما دار وأشرت إلى موضوع الإفتاء.. بكل جرأة شطب الكلمة ووضع محلها الشيخ.. لكني اعترضت وقلت له سأضع معها إمام المسجد وتم ذلك.. ومع ذلك استطاع أن يحمل هذا اللقب رسميًا إلى أن تم عزله من المنصب وإحلال شيخ آخر وتغير كما اقترحت في باديء الأمر إلى (مفتي المسلمين) في أستراليا.
حتى هذا تغَيَر أيضًا إلى دار الإفتاء، يتولى أمورها مجموعة من المشايخ .
سامحوني الحديث بالحديث يذكر. أيضًا للتاريخ أؤرخ.. هذا ما أؤمن به .
نأتي إلى الشباب المذبوح.. شباب نجع حمادي الذين استشهدوا في ليلة عيد ميلاد مخلص البشرية.. ما الذي فعله الإعلام الأسترالي للاحتجاج الصامت الذي قام به بعض من أقباط سيدني؟؟ لا شيء !!!!!!
تجاهل الإعلام الأسترالي الحدث تجاهلاً تامًا وملحوظًا.. ليت الأمر اقتصر على الإعلام.. بل تخطاه إلى رجال البرلمان للولاية (نيو سوث ويلز) الذي سارت التجمعات إليه للوقوف أمامه كعادة جميع التجمعات الاحتجاجية لأي جنسية.. وما حدث آثار الكثير من التساؤلات. منعت الشرطة ذلك، وطلبوا منهم التحرك بعيدًا عن المكان .
ونفذ المحتجون ذلك.. وليس عند نا من نشكو له سوى الله، .
في مصر "واكلينها وعلى دماغنا واخدينها"، والغرب متجاهلنا.. لأننا وبكل صراحة ليس لنا وزن.. نعم ليس لنا وزن.. لأننا سلبيون، متقوقعون ومشرذمون، .
لكن العناية الإلهية أرسلت لنا الحبر الجليل نيافة الأنبا سوريال أسقف أبراشية ملبورن وتوابعها الذي استضافه أشهر مذيعي الراديوفي أستراليا Alan Jones، وكان لقاءًا أكثر من رائع. نيافته نشأ وتربى في سيدني وعرض ما يحدث للأقباط في مصر وما يتعرضون له من اضطهادات بلغة إنجليزية صريحة وواضحة.. وأن ما حدث في نجع حمادي ليس حادثا فرديًا كما تدعيه وزارة الهجرة الأسترالية، لكنه جزء من مخطط شيطاني يعمل على الإبادة العرقية بقتل وتخويف المسيحيين في الشرق الأوسط وطبيعي في مصر, وتطرق نيافته إلى إهمال الإعلام الأسترالي المقروء منه والمسموع والمرئي لمسيرة الاحتجاج التي قام بها أقباط أستراليا .
استمر اللقاء قرابة 14 دقيقة من الساعة السابعة والأربعين دقيقة إلى الساعة السابعة و أربع وخمسين دقيقة من صباح يوم الخميس الرابع من شهر مارس هذا العام .
من كل القلب نشكر نيافته على تعب محبته من أجل أبنائه في مصر وما يحدث لهم، ولأبنائه المهمشين أيضًا في أستراليا.. كما أننا نشكر المذيع النابغة الحر آلن جونز على اهتمامه وغيرته على بلده أستراليا وأبناء بلده المتعدد الجنسيات لكن يجمعهم حبهم وإخلاصهم لوطنهم أستراليا .
على هامش هذا الموضوع . الرئيس باراك أوباما سيزور أستراليا خلال أيام قليلة قادمة وأسأل من نظم مسيرة الاحتجاج.. هل أعدوا أنفسهم للخروج في مسيرة أخرى سواء في كانبيرا أو في سيدني ليس للاستقواء به كما يحب المسؤلون في مصرأن يدعوا على المطالبين بأقدس حق.. حق الوجود والمساواة في وطن هو لهم كما هو لغيرهم، لكن لإسماع العالم مادام رئيسنا لا يسمعنا !! .
كما أتمنى للأخوة المسلمين في سيدني يومًا مفتوحًا ناجحًا لزيارة المسجد في لاكمبا. |