الرئيس مبارك وجهازه المعاون ضربوا مثالا جيدا ورائعا بالإعلان يوم الخميس أن الرئيس سيجرى فحوصا طبية على «الحوصلة المرارية» فى مركز هايد لبرج الطبى بألمانيا، وذلك صباح الجمعة، هذه «الشفافية» الجديدة التى لم يعتدها الشعب المصرى، تستوجب الاحترام والتقدير، خاصة من الإعلاميين الباحثين عن الحقيقة لتقديمها للرأى العام، وإن كان الإعلان «المقتضب»، الذى بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية دون ذكر مصدر له لم يعط تفاصيل إضافية عن الحالة الصحية للرئيس، وماذا يعنى إشارته إلى أن الرئيس مبارك قد شكا بشكل متكرر من «المرارة»، فإن بعض الأطباء المتخصصين الذين تحدثنا إليهم «طمأنونا» بالقول إن المرارة عضو غير أساسى فى الجسم، وإن عمليات علاجها أو إزالتها بشكل كامل هى من أكثر العمليات، التى تجرى فى المستشفيات فى الوقت الراهن.
وانطلاقا من هذه الشفافية ودعائنا للرئيس بالعودة سالما إلى مصر، ندعوه إلى أن يطلب من جهازه ومستشاريه أن يمدوه بقائمة «حقيقية» عن أمراض المصريين الحالية، سواء فى المرارة «مرض الرئيس» أو فى الكبد أو الكلى أو غيرها من أمراض السرطانات المتعددة التى تنهش فى أجساد المصريين. ندعو الرئيس بعد عودته سالما من ألمانيا، أن يقرأ تقاريرا شاملة وموثقة عن الأسباب الحقيقية لتعطيل نظام العلاج على نفقة الدولة وأسباب الأزمة الحالية بين وزارة الصحة ونواب مجلس الشعب، وندعوه إلى أن يطلب من مستشاريه ومن الأجهزة السيادية، لا من الدكتور أحمد نظيف ووزير صحته حاتم الجبلى، تقديم إحصائية لسيادته عن عدد حالات الوفاة التى تمت فى الأسابيع القليلة الماضية بسبب عدم إصدار قرارات علاج لهم فى مستشفيات الدولة باختلاف ملكيتها.
يا سيادة الرئيس أدعوك - بكل إخلاص - أن تفتح تحقيقا موسعا حول المستفيدين من الجدل الدائر على الساحة حاليا حول الادعاء بفساد بعض نواب مجلس الشعب وكذلك فساد بعض العاملين فى وزارة الصحة، وتلاعبهم بقرارات العلاج، وتضخيم الموضوع فى هذا التوقيت فى غير القنوات الشرعية لمثل هذه المخالفات، وهى النيابة العامة والبرلمان، وهل الهدف هو تمرير نظام آخر أو مشروع التأمين الصحى الجديد المتعثر حتى الآن.
«الدكتوران» نظيف والجبلى لم يعلقا على الموضوع حتى الآن، وكأنه من «صغائر» الأمور، ولكن ستظهر تصريحاتهما ووجهيهما «الإنسانى» يا سيادة الرئيس لو تدخلت أنت شخصيا.
المرض محنة حقيقية وهم إنسانى وتزداد خطورته مع الفقر والعوز، وأدعوك يا سيادة الرئيس أن تطلب من أجهزتك ومساعديك أن ينقلوا لك صورة الزحام حول المستشفيات الحكومية وحول وزارة الصحة، أدعوك يا سيادة الرئيس أن تستمع إلى جزء من توسلاتهم وأحيانا «سبهم» لرجال لا قلوب لهم يترأسهم رجل يدعى محمد عابدين، طالب معظم - إن لم يكن كل ــ نواب البرلمان بإقالته، وذلك لسوء إدارته للمجالس الطبية المتخصصة، لكن الوزير الجبلى يتمسك به لا لشىء إلا أنه يستطيع تخفيض «الميزانية» وإحراج الشعب ونوابه، وبهدلتهم.
ليس كل المتهمين فى القضية المثارة حاليا أبرياء يا سيادة الرئيس، لكنه المرض وضغوط مواطنين فقراء ومرضى صدقوا تصريحات مسؤولين يتغنون صباحا ومساء ببرنامجك الانتخابى حول الصحة وعلاج المواطنين المحتاجين دون أن يحققوه فعليا على أرض الواقع والأمر لا يحتمل التأخير.
«الصحة» يا سيادة الرئيس ليست رغيفا مدعما قد يستغنى المواطن عنه بآخر غالى الثمن وليس أنبوبة بوتاجاز قد يشتريها الفرد بأضعاف ثمنها، إنها وسيلة للحفاظ على روح بشرية أودعها الله فى خلقه.. وأنت كرئيس للدولة ارتضاه الشعب زعيما له، تتحمل المسؤولية بالحفاظ عليها.. سيدى الرئيس الانتخابات اقتربت، وأنتم تريدون استقرارا شعبيا وسياسيا، ومواطنون لا يحصلون على حقهم فى العلاج المناسب لن يكونوا عناصر مطيعة أو متفهمة لأى برامج أو وعود انتخابية جديدة.
سيدى الرئيس لقد مررت بمحنة مرض قبل عدة أسابيع، ومن سريرى استصغرت هذا المرض وأنا أتابع عشرات الحالات التى طلبت مساعدتى الصحفية للحصول على قرارات بالعلاج.. كانت الطلبات بعضها بسيط للغاية ولا يستوجب سوى الحصول على قرار بألف جنيه لبدء العلاج من فيروس سى، وآخر لمواصلة علاج طبيعى فى مركز طبى تمتلكه إحد الجهات السيادية، وحالة واحدة لزرع فص كبد فى أحدها المستشفيات الجامعية، وكل هذه القرارات تعطلت من رجال بلا قلب..
ومن نفس السرير تابعت الجدل اللامنطقى فى البرامج الحوارية حول سرقة قرارات العلاج بواسطة بعض نواب الشعب.. وتابعت من سريرى كيف استطاع بعض المسؤولين تحويل انتباه الشعب إلى قصة فرعية، بينما يموت مئات المصريين يوميا بسبب هذا السلوك.. يا سيادة الرئيس من منطلق الشفافية التى أعلنت بها عن مرضك تعرف بنفسك على أمراض المصريين.
نقلا عن المصري اليوم |