CET 00:00:00 - 23/04/2010

مساحة رأي

بقلم : أنطوني ولسن
التحقت بالعمل بإحدى المؤسسات العربية في سدني، وكان مكتبي مواجهاً لمكتبها. شابة في السابعة والعشرين من عمرها، مرحة، تحب الضحك وتكره العبوس، تشعر بالارتياح اليها منذ اللحظة الأولى التي تقع عليها عيناك.
وجودها يملأ المكان مرحاً وسعادة، وأصبح لغيابها تاثير على كل العاملين . نما بيننا هذا الشيء الذي نسميه الالفة، ولا أعتقد أن شعوراً آخراً كان يربط بيننا.
حقيقة اننا عازبان، ولم تكن فكرة الزواج تراودني، ولا أظنُّ انها راودتها أيضا. فأنا أكره القيد ولو كان في قفص من ذهب. أحبُّ الحرية وأحبُّ أن اكون سيد نفسي. على الرغم من انني أكبرها بحوالي أربعة أعوام، الا انه كان يحلو لها دائماً مناداتي بالختيار أو العجوز.
ذات يوم بعد الغداء، احضرت لي فنجان القهوة ووضعته امامي فوق مكتبي، قبل ان تغادرني متجهة الى مكتبها، أمسكت بيدها وقلت لها:
-ميرنا. مارأيك في العشاء معاً هذا المساء ومشاهدة إحدى الأفلام؟
فجاء ردُّها مرحاً متهكماً.
-عجوز وختيار.. واسَّاك «قلبك أخضر».
-أخضر، أحمر، أصفر.. ليس المهم، ما رأيك؟
-افكر..؟
-اريد جواباً الآن..
-انت هكذا دائماً طلبك..( حامي ).
 
ضحكت.. التفت اليها وما زالت يدي ممسكة بيدها «اكملت حديثها»
-اوكي .. اوكي.
في المساء توجهت الى منزلها واصطحبتها إلى إحدى المطاعم ( الصينية)، حيث تناولنا العشاء، وتبادلنا أحاديث كثيرة متفرعة بلا هدف. نتحدث ونضحك.. نضحك ونصمت.. لم تختلف العلاقة التي بيننا، ما زالت هي امامي «ميرنا» الزميلة في العمل، وأعتقد انني بالنسبة لها، لم اكن اكثر من «سام» الزميل في العمل.
بعد أن انتهينا من العشاء بنفس الروح، خرجنا إلى الطريق نضحك ونتابع احاديثنا. إلى أن وصلنا إلى أحدى دور العرض السينمائي الكبرى التي تضم أكثر من صالة عرض.
لم نفكر مسبقا أي فيلم نشاهد، أخذنا قرارا خاطفا للخروج والعشاء ومشاهدة فيلم معا. أي فيلم؟ ليس مهما. لذا عندما سألتني (الآنسة المختصة) في حجز التذاكر، أي عرض أريد أن اشاهد.. أشرت بأصبعي دون تحديد معيّن. فجاء الحجز عشوائياً، سواء من حيث اختيار الفيلم الذي سنشاهده او من حيث المقاعد، ذلك ان لدى دور السينما مقاعد مخصصة للمحبين بعيدا عن انظار الفضولين من الناس. لكن كوننا زميلين، فليس من المهم اختيار المكان، حتى لو كنا رجلاً وامرأة.
خُففت الأضواء، وتدريجياً بدأ الظلام يزحف ويغطيِّ المكان كله. وبحركة لا شعورية، تلامست يدانا وتماسكت وانفرجت الاصابع لتتلاحم الكفّان، ثم تحركت الأصابع في دغدغة خفيفة وكأنها موسيقى كلاسيكية خافتة تأخذ المشاعر والاحاسيس وتُطهرَّها وترتفع بها عالياً في سماء اللانهائي حيث لا مكان لتفكير أو تدبير.
بدأ العرض، وتنازعتني افكار واهواء. الزمالة في حدِّ ذاتها شيء مقدَّس، لكنني تمنيت في هذه اللحظة ان يكون العرض رومانسياً يأخذني في سيمفونية الحب، وقد بدأت اصابعنا عزفها دون اوركسترا.
أرخيت جسدي فوق المقعد، ونظري معلَّق على الشاشة الكبيرة وفكري سارح بعيداً عن السينما وعن الفيلم. عدت الى عهد «الصبا والشباب» عندما كنت شاباً في الثامنة عشرة من عمري، حيث كان آخر عهدي بالسينما، بصحبة فتاة، ما تجرَّأت بعدها أن ادعو فتاة للسينما مرة أخرى.
كان ذلك بعد نجاحي في السنة الثانية من التعليم الثانوي، وكانت فرحتي كبيرة أني بعد عام سأنهي دراستي الثانوية لالتحق بكلية الشرطة وأصبح ضابط شرطة.. قد الدنيا، يهابه الناس ويخافونه، وترتمي الفتيات تحت قدميه راكعات طالبات الحب والحنان.
نادية «بنت الجيران» عرفت بنجاحي، فقد كانت تتابع تحرُّكاتي دون أن أشعر بها، وكانت كما قالت لي مرَّة معجبة بي، تبهرها خطواتي وأنا «أتمخطر» على حد تعبيرها في تيه وكبرياء يشعل النار في قلبها، ولم تجد ما يطفئها لأنني في واد آخر بعيد عن واديها، وان لم يفصلنا سوى اتساع حارة صغيرة من حارات حي شبرا بالقاهرة.
هذا ما قالته لي عندما انتظرتني في ذلك اليوم عند نهاية شارع الأهواني وتلاقيه مع شارع شبرا، حيث يقع محلّ والدي على بعد خطوات.
كنت قد خرجت من عند والدي بعد أن اخبرته بنتيجة نجاحي واخذت منه «المعلوم» الذي لم يبخل به علي.. أعطاني «جنيه بحاله» وفوجئت بها تناديني باسمي.
-سام..
التفتُّ ناحية الصوت، وجدتها واقفة في حياء وخفر.. عرفتها، فهي جارة العمر. ولدنا في نفس المنزل ونشأنا وتربينا في نفس الحارة. لعبنا في طفولتنا وصبانا المبكر معاً مع بنات وصبيان الحي. الحقيقة انني كنت دائماً مُترفعاً عن اولاد الحارة لا التحم بهم، ولا ألعب معهم كثيرا. والدي تاجر والعائلة اكثر يسراً من اي عائلة، في الحارة. تمنيّت دائماً ان نترك الحارة إلى مكان آخر أفضل. لكن والدي كان متمسكاً بالسكن في المنزل الذي ورثته أمي ضمن ما ورثت عن والدها.
التفت اليها وأتجهتُ نحوها وقلت لها:
-نادية.. أهلاً وسهلاً.. ماذا تفعلين هنا؟
-انتظرك..
-أنا؟؟
-نعم..
-خير..
-خير.. اريد فقط أن أهنئك على نجاحك.
-في هذا المكان؟ الا تخشين أن يراك احد؟
-وماذا افعل وانت لا تلتفت اليّ!..
أشرتُ اليها ان تصمت وتتبعني، سرت ناحية «مخزن الترام» ثم عبرت شارع شبرا متجها إلى شارع المقسي، بعدها عرجَّت يساراً في حارة صغيرة اخذتني الى شارع روض الفرج، عبرته الى محطة الترام.
تبعتني دون ان التفت اليها. جاء الترام. ركبنا. وعندما وصلنا قرب سينما «دولي» أومأت اليها بالهبوط. كانت الساعة تقريبا الثانية والنصف بعد الظهر. انتابني زهو غريب، أنّني ناجح وتسير ورائي «ناديه» أجمل بنات الحارة، كجارية تتبع سيّدها ولا هم لها سوى ارضائي..
بترفع وكبرياء نظرت اليها وقلت:
-والآن ما هي قصتك؟
-لا شيء، أردت فقط ان اهنئك بالنجاح.
-وما الذي يمنعك من ان تأتي الينا في المنزل؟
-عندما سأجلس مع شقيقاتك البنات، لن استطيع أن اراك أو أتحدّث اليك.
-ماعلينا.. قلتها في غلظة وجفاء ، والآن ماذا؟
-لا شيء، اريد ان اقول لك «مبروك» على نجاحك.
-شكراً.
توقّفت عن السير.. كنت أسبقها بخطوات. التفت اليها، فإذا هي تبكي بصوت مسموع، فاجاتني بهذا التصرُّف.. رقّ قلبي.. توجهت اليها، اقتربت منها، احتويتها بين يدي، هدّأت عن روعها، ثم اكملنا السير جنباً الى جنب دون ما كلمة.
وصلنا الى حيّ «جزيرة بدران» وعند مثلّث التلاقي بين شارعي شبرا والترعة البولاقية عرّجنا الى شارع الترعة البولاقية وفي طريق العودة كان كلٌّ منا يُحدّث نفسه.
بالنسبة لي، مجرد سيري في الطريق العام مع ابنة الجيران، كان شيئاً غير مالوف لدي. لم أُفكر ابدا في مصاحبة الفتيات والسير معهن امام الناس. كان الابتعاد عن الجنس الآخر في تلك الفترة من حياتي، شيئاً مقدّساً، او قل.. كان ضرورياً لنجاحي في دراستي وتحقيق احلامي. لذا مجرد السير مع ناديه، اثار عندي مشاعر ومخاوف جديدة، مشاعر لذيذة وجميلة، فلأول مرة اشعر برجولتي، واشعر انني نضجت وكبرت واصبحت رجلاً تتهافت عليه الفتيات ويسعين الى التعرّف اليه ولقائه.
أما المخاوف، فكانت من احتمال ان يراني احد اقاربي أو أحد أصدقاء الأسرة، وأنا سائر جنباً الى جنب مع نادية، ابنة حارتنا.. والمصيبة، ان رأنا احد اقاربها، فلن انجو عندئذ من «علقة محترمة»، ارتجفت أوصالي لمجرّد هذا الخاطر.
كنا قد وصلنا الى سينما «شبرا بالاس» فخطر لي أن  اتحاشى السير في الطريق ونتوارى داخل السينما حيث لا يرانا احد.. عندها استطيع أن استمع الى ما تريد ان تقوله، واقول لها ما اريد قوله.
طلبت منها الابتعاد عني، توجّهت الى شبّاك حجز التذاكر، فتناولت تذكرتين، انتظرنا فترة الى ان فتحت الأبواب وبدأ الناس يدخلون الصالة، في الداخل أمسكت بيدها وأجلستها على أول مقعد في الصف الأخير.
بدأ العرض السينمائي، تشابكت ايادينا، نادية وأنا تماماً كما يحدث الآن مع ميرنا.
ضغطُ أصابع ميرنا على أصابعي، أعادني الى واقعي بعيداً عن الذكريات. واحداث الفيلم تدور حول حرب أهلية في اميركا الجنوبية.
مدنيون يهربون رجالاً ونساء واطفالاً، فتاة في عمر الربيع مُتسخة الوجه، بان جسدها الغض من خلال ثوب مهلهل تجري فزعة.
ازدياد ضغط اصابع ميرنا أعادني مرة اخرى الى حيث كنت مع نادية في سينما «شبرا بالاس» في القاهرة. أصابع نادية متشابكة بأصابعي، موسيقى فريد الأطرش وصوته لعبا على اوتار قلبي.. التهب جسدي شوقاً اليها. سحبت يدي من يدها، مددت ذراعي خلفها، مالت نحوي، اسقطت رأسها على صدري، عبقت رائحة شعرها في انفي. رفعت عينيها.. تلاقت الشفتان.. لن أنسى طعم القبلة الاولى ما حييت.. لا أحمر شفاه ولا «ماكياج» بل شفاه بكر لم يعبث بهما اغراء المساحيق.. أغمضت عيني ايضا، وحسبت نفسي في جنة تغمرها السعادة وتمنيت ان تدوم.
الهدوء يملأ المكان، الكل مشدود الى قصة الفيلم، أنا في سمائي هائم. فجأت قفزت صارخا، فقد هوت علي من خلف كف غليظة أعقبها سيل من الشتائم يا ابن ... انت فاكر نفسك فين يا وسخ يا ابن ...
ترنحت.. لم ادر ما افعل او كيف اتصرّف؟ فطلبت من ناديه أن تهرب، وأنا أحاول أن اتخلص من ناس انهالوا عليّ ضرباً ولكماً وركلاً وسباً بالفاظ ما أبشعها!
ياتي صوت صراخ ميرنا المفاجئ فيوقظني من كابوس تلك الذكريات ليضعني تحت وطأة كابوس من نوع آخر. ميرنا  تصرخ في حالة هستيرية طالبة مني أن احتضنها واضمها إلى صدري.
ضممتها وحاولت أن أُهديء من روعها. اخذتها خارج المقاعد وهي ترتجف كطائر مد بوح وتشهق بصوت مسموع، مما اضطرنا ان نغادر صالة العرض وانا اتلفت ورائي خوفاً من ان يظنّ احد المشاهدين بي سوءاً فينهال علي ضرباً وركلاً ولكماً.
عبثاً أحاول أن أهدّيء من روعها، اسندت رأسها إلى صدري، وأنا في حالة ذعر أسألها ما حل بها، أو هل تتألم من شيء. وكلما الححت بالسؤال، زاد تمسكها بي وزاد ارتعاشها وقد بلّلت دموعها ملابسي.
لا ادري كم مرّ من الوقت ونحن على هذه الحال،ولا سمعت ماذا كان المارة يتمتمون وهم يمرُّون بنا ولم الح عليها بالسؤال ما جرى، مخافة أن اسكب غازاً على النار التي اشتعلت دون ما اعرف سبباً لاشتعالها. اخذت اربّت على شعرها في حركة رتيبة لابعث الطمأنينة الى نفسها وقد نجحت في هذا. فقد رفعت رأسها وفي عينيها توسل وقالت:
-ارجوك خذني الى المنزل الآن.
عندما اوقفت السيارة امام منزلها، تمالكت نفسها وخرجت بعد أن طلبت مني الا ارافقها الى الداخل، مؤكدة أنها بخير وأنها ستراني غداً في العمل.
تركت السينما في القاهرة وأنا أتألم من شدة الضرب الذي انهالوا عليّ به، وتركت السينما في سدني ومعي ميرنا تتالم من كابوس مخيف حلّ عليها فجأة دون أن أعرف عنه شيئا. انها لبنانية وأنا مصري، زمالتنا جمعت بيننا دون ما هدف معين، خروجنا جاء عفوياً، ولم اكن اعرف عنها الكثير لانها لا تتحدَّث عن نفسها. تحبّ الضحك وكأنها تهرب من شيء يسيطر عليها. هذا ما كنت المحه في بعض الأحيان، إذ كنت أشعر ان سحابة سوداء تُخيم عليها تنتزعها من جوِّها المرح ومن اجواء الحديث، فتشعر أنها بعيدة عنك.. بعيدة ، حزينة دون أن تعرف أين هي وما سبب حزنها، لم أحاول ابداً أن اقترب أكثر  لاكتشف أسباب كآبتها، فللزمالة حدود احترمها وخاصة بين الرجل والمرأة.
تلك الليلة لم يغمض لي جفن، قضيت الليل كله احاورها واحاور نفسي، فما اهتديت الى امر يفسّر حزنها المرير الذي انفجر بشكل مفاجيء، بكاء بل نحيباً متواصلاً جعلني اشاطرها الحزن دون أن اعرف السبب..
ثلاثة ايام، لم تأت ميرنا إلى العمل، وفي كل يوم وساعة بل وفي كل لحظة مرت عليّ خلال الثلاثة ايام، كنت أُفكر فيها.. مشاعر غريبة تتملكني، هي مزيج من القلق والاسى.. كلما هممت بالاتصال بها، تبتعد يدي عن الهاتف وأحدث نفسي ماذا أقول لها..؟ أطمئن عليها؟ وماذا أفعل لو رفضت الحديث اليّ؟.. لا انا ما أسأت اليها، لكن قد تفسد زيارتي لها أو السؤال عنها، علاقتنا. فأنا الذي اخذتها في تلك الليلة المشؤومة خارجاً.. وكان عليَّ أن أعرف الكثير عنها حتى لا اسبب لها ما حدث.
في مساء ذلك اليوم الثالث، ازداد قلقي وصرت لا احتمل تأجيل زيارتها والسؤال عنها. طرقت الباب، وحين لم يستجب احد لطرقي، هممت بالعودة من حيث أتيت، وإذ بالباب يفتح وسيدة تظل براسها خارجاً تبحث عني، وعندما رأتني قالت:
-تفضل يا بني.. عذراً لتأخرّي..
جلست في غرفة الاستقبال، فيما غابت السيدة عني دقائق حسبتها دهراً. سألتها عن ابنتها ميرنا، فأجابت أنها بخير.
ساد الصمت بيننا فترة، ثم سألتني:
-هل لك أن تخبرني يا ولدي ماذا حدث عندما خرجتما معاً؟
-كنا يا «خالتي» في السينما نشاهد فيلماً عادياً. فجأة انفجرت بالبكاء وانهارت، عبثا حاولت تهدئة خاطرها، وعبثا حاولت أن اعرف سبب بكائها. اصطحبتها الى المنزل عندما طلبت مني ذلك، لكنها فضّلت الا ادخل، فعدت ادراجي وأنا قلق عليها.. وها هي ثلاثة أيام تمرّ دون أن تأتي الى العمل، قلت لنفسي.. أذهب وأطمئن عليها.
-كنتم في السينما.. كم نهيتها عن حضور افلام السينما.. انها حساسة جداً.. ما هي القصة؟!
-اية قصة؟
-قصة الفيلم يا  ابني..
-انها تدور حول حرب أهلية في احدى دول أميركا الجنوبية.
انتفضت الأم.. امتعض وجهها ولاذت بالصمت. اختلط عليّ الأمر، لا اعرف ماذا اقول أو كيف أتصرَّف. لكني بعد برهة قصيرة سألتها:
-خالتي.. هل قلت شيئاً أغضبك؟
-لا يا ولدي. إنه قدرنا الذي لا نستطيع أن نهرب منه حتى في أستراليا.
-أنا أخشى أن أكون السبب في كل ما حدث لها.
-الذي حدث لها، حدث لكثيرات غيرها.. ونحمد الله ونشكر فضله على كل شيء. إنها الحرب يا ولدي وآثار وذكريات الحرب مؤلمة وجارحة، ولا تفارق من اكتوى بنارها وذاق مرارها وعذابها... وهذا قدرنا ونصيبنا، والله يلطف بنا. دقيقة يا ولدي لابلغها انك هنا.
تذكرّت ما وقعت عليه عيني في الفيلم، الفتاة الصغيرة التي لم تناهز الثانية عشرة من عمرها وهي تجري مذعورة خائفة في الاحراش، وذلك الرجل يطاردها، لم انتبه الى ما حدث بعد ذلك لأنني كنت غارقاً في ذكرياتي وقصّتي مع السينما في مصر.. لقد صرخت ميرنا بعد ذلك بفترة وجيزة..
قطع علي تفكيري، عودة الأم وطلبها مني ان اصطحبها الى غرفة ميرنا. فما ان دخلت الغرفة حتى حيّتني بنظرة من عينين ذابلتين،وجهها شاحب، جسدها بادٍ عليه الاعياء الشديد وكانها مريضة بمرض فتّاك يقضي على نضارة الجسم. أشارت إليّ أن اجلس فوق كرسي موضوع إلى جوار «سريرها».
جلست وسألتها عن حالها وحاولت أن أخفِّف عنها، بإن ما اصابها وعكة لا بد ان تذهب وبسرعة، فاجأتني حين اجابتني:
-حظك يا عجوز النحس.. قلنا نخرج لقضاء وقت ممتع.. لكن ما باليد حيلة.
-ميرنا.. ارجوك لا تتحدثي، اشعر بأنك تمرِّين بأزمة نفسية حادّة اثارتها مشاهد الفيلم. مهما كانت الاسباب ارجوك ان تهتمي بصحتك و..
أجهت بالبكاء، اقتربت من فراشها وهي راقدة. أطلت النظر اليها، ووجدت نفسي اقول لها:
-ميرنا هل تقبلينني ابا لاولادك؟
كانت الدموع ما زالت تتدحرج على وجنتيها كحبّات اللؤلؤ، والحزن يغلِّف وجهها، لكنها كفكفت عينيها بظهر يديها وهمّت ان تتكلَّم. فما وجدت نفسي إلا واضعاً إصبعي فوق فمها هامساً أطلب منها الاَّ تتكلم الآن، ولا تتسرَّع بالجواب.
أمسكت براحة يدي واحتضنتها بين راحتيها، قرّبتها إلى خدِّها، وفي حنان، مال رأسها وشعرت بدفء الدمع يتدفّق مبللاّ يدي التي بين يديها...
تمت ...

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٦ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق