بقلم: نصر القوصى
حقا هو حلم لأى مصرى أن يدخل هذا القصر المهيب المطل على نهر النيل بالأقصر مباشرة ليرى التحف الآثرية الموجودة بداخله والتى يسمع عنها من آبائه وآجداده ولكن حلمى أنا كان مختلف بعض الشيى وهو أن أقوم بحوارا صحفيا مع سكان هذا القصر الذين يخرجون منه بالكاد فالقصر نوافذه وأبوابه مغلقه معظم الوقت وساكنيه من النادر رؤيتهم وقد جاءت الفرصة فأصطحبت كاميرتى وأوراقى وذهبت لكشف هذا الغموض وبمجرد دخولى القصر أنبهرت بالآثاث فهو قديم جدا ولكنه متين.
ظلت حالة الأنبهار تلازمنى وأنا أرى الرسومات الموجودة على سقف المنزل وكلمة ( أهلا وسهلا بالجالسين هنا ) المنقوشه على قطعة من الآثاث وكلمة ( شرفتمونا يا سادتى ) فلم أمتلك نفسى وآستاذنت من آنسات القصر أن ألتقط صوره أو صورتين لمحتوياته فوجدتنى وبدون أن أشعر ألتقط عشرات الصور فكل شيىء فى القصر جذاب ومبهر فلم أشعر بنفسى ألا وإحدى آنسات القصر تخبرنى هل سوف تستغرق الوقت المحدد لنا معك فى التصوير فقط فأعتذرت لها وأخبرتها بان المكان رائع جدا وجلست على ما يشبه الأنترية بصاله القصر فأخبرتنى الآنسه جميلة البنت الكبرى لتوفيق أندراوس باشا بأن قطعة الأنترية التى أجلس عليها قد جلس عليها زعيم الأمة سعد باشا زغلول فظللت جالسا طيلة الوقت آتأمل كيف كان الزعيم جالسا وكيف أنا الآن جالسا ثم بدأت معهم حوارحيث أكدت الآنسه جميلة أنها البنت الكبرى لتوفيق باشا أندراوس ولديها ثلاثة شقيقات آخريات أحداهما توفت أما الآخ الوحيد جميل أندراوس قد توفى أيضا و الموجودات حاليا بالقصر أختها الوسطى الآنسه صوفى والصغرى الآنسه لودى.
أخبرت الآنسه جميله أنه من المفروض أن يتم أزالة هذا القصر لأنه موجود داخل معبد الأقصر فوجدتها ترد على قائلة بأن أرض معبد الأقصر نفسه ملكنا أما الآنسة لودى كان ردها أكثر قوة حينما سمعت كلمة الآزالة مؤكده بأنه لا يستطيع أحد مهما كان أن يقترب من منزل والدى نهائيا فقد حاول اللواء سلمى سليم رئيس المجلس الأعلى الأسبق لمدينة الأقصر أن يزيل سلالم القصر فوقفنا أمامه وكنا نجلس يوميا على هذه السلالم لحمايتها الى أن تراجع عن موقفه مؤكده بأنهم يحافظون على قصر والدهم لأنه يحتوى على مقتنيات آثرية ضخمة بجانب أنه تراث أنسانى فى حد ذاته يجب المحافظة عليها فقد استقبل هذا القصر سعد باشا زغلول والزعيم مصطفى النحاس باشا وكان الناس يسمونه بيت الأمة فى الاقصر وعن سبب أغلأق نوافذ القصر بصفة مستمرة لدرجة أن الجميع يعتقد أن القصر لا يوجد به أحد فأخبرتنا الآنسه جميلة أن السبب فى ذلك بعض المتطفلين الذين يحرموننا من الجلوس وفتح شبابيك القصر للأستمتاع بهواء النيل العليل.
أما عن توفيق باشا اندراوس فأكدت كتب التاريخ بأنه و احد من اخلص رجالات الحركة الوطنية ونائب الاقصر لثلاث دورات ولم تنتخب الاقصر نائبا غيره حتى وافته المنية وهو يعد للمؤتمر الوطنى فى السادس من يناير 1935 .
هذا المسيحى الثائر الذى انتخبته الأغلبية المسلمة نائبا لها فى البرلمان ثلاث دورات ولو عاش ما انتخبوا غيره لم يكن فى حاجة للمال فوالده اندراوس باشا بشارة من أثرى أثرياء مصر لكن هذا الثراء لم يكسب أسرته أنانية وتكبرا بل سخاءا وعطاءا وخيرية، فقام والده بوقف مائة فدان لخدمة مساجد وكنائس الاقصر مناصفة وأوقف عشرة أفدنة لخدمة المدرسة الصناعية لأنه كان يؤمن ان الصناعة والحرف تشكل المستقبل لشباب الاقصر.
ثم قام ببناء مدرسة الأقباط التى مازالت قائمة وبنى مسجد المقشقش ومسجد المدامود وجمعية الشبان المسلمين والعديد من المشروعات الخيرية، تصدر توفيق اندراوس صفوف الثورة ووهب لها عمره.
حاول القصر الملكى ان يثنيه وعرض عليه احمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى وكان زميل له فى جامعة أكسفورد رغبة الملك فؤاد فى تعيينه سفير فى لندن على ان يترك سعد فكان رده الرفض بشدة.
وعندما نفت السلطات سعد ورفاقه علم ان أم المصريين صفية هانم زغلول تشكو من نضوب خزينة الوفد فما كان من توفيق اندراوس إلا ان باع سبعمائة فدان ووضع ثمنها تحت تصرف ام المصريين للصرف على الحركة الوطنية.
وفى رحلة سعد زغلول النيلية الى الصعيد استقبله توفيق اندراوس على راس اهالى الاقصر وماحولها رغم كل محاولات بدر الدين بك مدير الامن العام أيامها وكان فى عنفوان قوته وجبروته ولم يهاب توفيق اندراوس قوات بدر الدين وأسلحته التى حاولت الحيلولة دون رسو باخرة سعد باشا فى الاقصر بحجة دواعى الامن فتصدى لهم توفيق باشا اندراوس واستقبل سعد بمنزله وكان اجتماعا تاريخيا مشهودا للوطنية فى الصعيد فى سنة1921 ودوت الجماهير بهتافها المدوى يحيا سعد وهتف سعد زغلول بل يحيا توفيق اندراوس.
ويذكر التاريخ انه نتيجة لطلباته دخلت المياه النقية والنور الى الاقصر قبل محافظة الجيزه وكان له العديد من الموافق البرلمانية الوطنية المشهودة.
ومات توفيق اندراوس فى ريعان شبابه ووافقت وفاته مناسبة لاتتكرر اجتماع عيد الفطر المبارك وعيد الميلاد المجيد فى يوم واحد فخيم على الاقصر الحزن العميق وخرجت جماهير الاقصر وقوص وارمنت فى موكبه الحزين وشهدت جنازته العديد من الشخصيات منهم مكرم عبيد باشا سكرتير الوفد وتوفيق دوس وزير المواصلات ونقيب الأشراف محمد ابو الحجاج الحجاجى والعلم الجليل الحسين الحجاجى .
فيحيا توفيق اندراوس كما قال سعد زغلول فارسا وطنيا فى مدرسة السماحة المصرية. |