بقلم : عبد المنعم عبد العظيم ويستهوينى أكثر زى الفلاحة الأسود الجرار، أتصوره ليلاً وهى فيه القمر، وتمر الأيام فأسأل أين ذهب المنديل أبواويه غطاء الرأس التقليدى الجميل تاج المراة المصرية؟ ، وهل هو فى طريقه إلى الإندثار فى ظل إنتشار الحجاب والنقاب رغم أنه زى جميل ومحتشم أيضًا. إننى أتغنى بما أبدعة الشعراء وغنّاه المطربين فى الزمن الجميل عن هذا المنديل الذى يجسّد فن الآوية أحد الفنون اليدوية التراثية وهو جزء أساسى من أشغال الإبرة. وبالرغم من أن هذا الفن يُنسب بالدرجة الأولى إلى الأتراك، إلا أن تواجده عند قدماء المصريين كان أقدم، فقد وُجد لديهم ما يشبه أشغال الإبرة، حيث كان النساجون يصنعون أنسجة موشاة بصور ملونة، وكشفت الحفريات عن أقمشة كتانية موشاة بأسلاك من الذهب فى مقبرة "تحتمس" بطيبة وقطع مشغولة بالإبرة فى مقبرة "توت عنخ أمون" كانت تُعلق على جدران القصور فى منازل الأشراف. وقد اشتهرت بلاد الأناضول بصناعة ما يُسمى فى اللغة التركية "اويا" حيث كانت المراة التركية تطرز شريطًا طويلاً من القماش بإستخدام خيوط دقيقة من الحرير بالوان مختلفة، بحسب الأزهار التى تريد تطريزها وبإستخدام إبرة دقيقة لتزين به عنقها، وهذه الآوية صغيرة جدا وحجم كل زهرة فى الشريط بحجم حبة البسلة على الأكثر، ونرى فيه من الورد والفلفل الأحمر بإزهاره وثمره والليلك والبنفسج وما خلق الله من الأزهار. كانت المراة التركية تُبدع فى تطريزه على شكل شريط حريرى لا تفنى أزهاره إذا هبت الريح الشديدة فى شتاء الأناضول البارد. وبإنتقال فن الأوية لمصر تقلص إستخدامه فى نطاق منديل الرأس، الذى يطلق عليه اسم القرطة فى محافظة "دمياط" واسم الحردة فى "الصعيد"، وفى القاهرة وباقى المحافظات أُشتهر بالمنديل أبو آوية. ولأسباب دينية التزمت المرأة بتغطية رأسها بالمنديل؛ عملاً بالتعاليم الدينية التى ترى أن شعر المرأة عورة، فهو أخف وأجمل من الطرحة ويناسب الجو الحار فى مصر.
ومالت الطبقات الفقيرة والمتوسطة إلى البساطة ورخص الثمن، وإلى الألوان الزاهية، أما الطبقات الأكثر يسرًا فأنها كانت تميل إلى الألوان الهادئة. كما توجد أنواع من الآوية تنفذ بإبرة الكروشيه. ولقد كانت الفتيات يتباهين بما لديهن من مناديل وبما فيها من آوية وكانت البنت قبل الزواج تجهّز نفسها وتبدأ بمناديل الرأس، وكان له فى نظرها مكانة هامة من بين ما كانت تجهّزه لزوجها من ملابس مختلفة. وقد استحوذت محافظة (دمياط) على هذا الفن دون باقى المحافظات، وقامت الأستادة "بثينة عبدالجواد "، الأستاذة بالمعهد العالى للتربية الفنية بالزمالك، ببحث ميدانى بـ"دمياط" والعزب التى ينتشر بها هذا الفن، ولاحظت أن معظم المشتغلات بالآوية بدأن فى تعلمها فى سن صغيرة، وتم التعليم فى نطاق الأسرة، كما وجدت أن بالقاهرة من يقمن بهذا العمل فى الإحياء الشعبية مثل "الإمام الشافعى" و"درب البرابرة" و"مصر القديمة"، ودعت إلى إنشاء مدرسة مصرية تجمع أنواع الفنون الشعبية لحماية فنوننا الشعبية من الإندثار. وبالمناسبة، فقد كانت كل أقاليم مصر تصنع هذا المنديل، وكان حرفة النساء فى البيوت، مثل حرف كثيرة طلّقتها البيوت المصرية مع التقدم الصناعى واستخدام الآلات فى التصنيع، ولكن يظل للأشغال اليدوية قيمتها الفنية والإبداعية. لعل هذا المقال دعوة إلى الحفاظ على هذا التراث الجميل من الإندثار، حتى يعود للفلاحة المصرية وجهها الجميل، وزيها المميز ، حقيقةً أنها لن تستطيع أن تتمخطر على الموردة أو تشاغل الواد الأسمر من خلف المشربية، ولكننا بحاجة إلى الصورة الجميلة التى جذبت خيال المبدعين فى الزمن الجميل. |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت | عدد التعليقات: ١ تعليق |