CET 00:00:00 - 12/09/2009

مساحة رأي

بقلم: طلعت الصفدي
غزة تنزف دما ، ومعاناة، وخوفا من المجهول ، فعقارب الزمن في غزة الكنعانية تتراجع إلى الوراء بسطوة القهر، والتخلف ، وغياب سلطة العقل والتنوير ، ويبدو أن حلم رابين قد يتحقق على الرغم من  رفض بحر غزة ابتلاعها ،  إذا ما استمر الانقسام ، والصراع الداخلي على سلطة لم تنجز مهامها الوطنية بعد ، وهى تابعة وملحقة ومقيدة بالاحتلال الاسرائيلى  .
حوارات، ولقاءات  مكوكية ،ثنائية وشبة شاملة في القاهرة علنية وسرية تحت ضغط الواقع  وبعض الدوائر الإقليمية والدولية. وأنظار المواطن الفلسطيني والعربي  تتابع بقلق الضحكات العالية ، والابتسامات الصفراء التي تخفى ما تخفى ، يبثها  المتحاورون من القاهرة  والممثلون من الاراضى الفلسطينية المحتلة، ودمشق ، وبيروت ،والدوحة ،وطهران  المتسابقون عبر شاشات التلفزة العربية والدولية  ، في محاولة للتأثير على وعي المواطن الفلسطيني والعربي  الذي يدرك  بخبرته ، وبتجربته  وببعد نظره  ، أن هذه الحوارات
واللقاءات تعكس المثل الشعبي الفلسطيني :  "كيل  السرايا مش زاي كيل القرايا".
فقد تنامت مجموعات المكاسب والمصالح  بين قطبي الصراع  فتح وحماس ، على الرغم من الشعارات  الزائفة التي يتشدقون بها دوما ، باعتماد أسلوب الحوار  لحل التعارض والإشكالات ، شكلت عائقا أمام إنجاح الحوار الوطني ، وإنهاء حالة الانقسام البغيضة ، ومع ذلك فان المواطنين يتابعون عقد الجولة القادمة من  الحوار الوطن الشامل في القاهرة ،  بعد عيد الأضحى ، لعل وعسى ، ينجح المتحاورون في الخروج من ألمأزق الداخلي لمواجهة المأزق  الخارجي ،  بوحدة وطنية ، وببرنامج سياسي موحد واقعي
وكفاحي .

المواطن الفلسطيني يناضل من أجل تحقيق أهدافه الوطنية في الحرية والاستقلال والعودة ، ويسعى لضمان حقوقه الاجتماعية والديمقراطية التي تعتبر أهم ركائز قضية التحرر الوطني .  لكن انتهاك  حقوقه الوطنية والاجتماعية متواصلة من قبل الاحتلال الاسرائيلى ، والمتنفذين في السلطة، بالانقضاض على المشروع الوطني ،وتعميق الانقسام الجغرافي والسياسي ،وسرقة غزة من أهلها ، وإبطال مفعولها  الوطني والبطولي  ، وتحويل  المعركة الوطنية والصراع الحقيقي على الأرض الفلسطينية من الشمال  إلى الجنوب مع الشقيقة مصر ، واستبدال  التناقض الرئيس مع الاحتلال إلى هدنة طويلة معلنة وسرية .. إن المتتبع لكل التطورات الداخلية والعربية والإقليمية يؤكد أن  قضية غزة هي جرح لن يندمل بسهولة ويحتاج إلى توافق وطني وجهد
شعبي فلسطيني وعربي ودولي.
ومع استمرار حالة  الانقسام ، وفرض مفاهيم الإسلام السياسي على أهالي قطاع غزة  ، وارتفاع حرارة التعديات على الحقوق العامة والخاصة للمواطنين، وفرض واقع جديد  بالتعايش مع الاحتلال الاسرائيلى  على حدود غزة يقابله  نجاحا  نسبيا  في فرض القانون والنظام في مدن الضفة الغربية ، وتحويلها لنموذج من الاستقرار والطمأنينة ، ومحاولة اجتثاث مليشيات العربدة ، والسطو على مقدرات المواطنين في ظل تصاعد وتيرة الاستيطان والجدار وتهويد القدس ، فهل هي محاولة  للتأقلم مع واقع  الاحتلال ربما تكون أبدية ؟؟

في ظل هذا المناخ الضاغط ، وبهدف التحلل من المسؤولية عن  قطاع غزة ، تتصاعد الأوهام، ويرتفع الصوت  لدى بعض المتنفذين في السلطة الوطنية ، باعتبار غزة كيانا متمردا .  ويتصور بعضهم أن إعادة غزة لحضن الوطن يمكن أن يتم عبر الدبابة والمجنزرة الإسرائيلية كما حدث في العراق ، متناسون
أن الاحتلال الاسرائيلى ليس معنيا بإنهاء الانقسام ، وبتغيير الواقع لحساب أحد الطرفين ، وهو تسعى لإضعاف قطبي الصراع ، ومن مصلحته أن يبقى الوضع على حاله . كما يتوهم  بعضهم بإمكانية تحرير غزة عسكريا عبر قوات امن فلسطينية أو عربية بموافقة ومساعدة  مصرية عبر حدودها مع رفح  .
ويتصور بعضهم اعتماد  أسلوب العصيان المدني في غزة في مواجهة تعليمات الحكومة المقالة وعدم الانصياع لأجهزتها الأمنية المختلفة لإجبارها على التسليم  لرغبة الجماهير ، وتقويض مؤسساتها وشل فعالياتها .  لقد أعطت السلطة الوطنية ممثلة في بعض المتنفذين في حكومة فياض ، والنقابيين الساقطين، نموذجا فاشلا في التعاطي مع دور الموظفين العموميين وخصوصا المعلمين والأطباء ، حين طلبت إليهم الامتناع عن الذهاب لعملهم والبقاء في بيوتهم  ، وقادتهم عبر التليفون والموبايل ، وضربت بعرض الحائط  موقف الأطر النقابية والمهنية في غزة ، مستخدمة الرواتب كوسيلة ضغط عليهم ، ليتحولوا إلى عاطلين ، ولاعبي كوتشينة ، ومولعين بالشيشة ، تنبعث مثها سموما ودخانا ، كسموم عوادم موتورات الكهرباء المهربة عبر أنفاق الموت والدمار ، ينتظرون رواتبهم ، مع الأسبوع الأول من كل شهر .  لقد هيأت هذه

الخطوة المتهورة الفرصة لتسليم التعليم للخصوم السياسيين والاجتماعيين ليحولوا المدارس  إلى منابر  للتعبئة الحاقدة ضد السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية ،  إضافة إلى المساجد التي يسيطرون عليها  بدلا من خوض نضال ديمقراطي حضاري ومطلبي ضد كافة أشكال الاضطهاد الاجتماعي والتعديات على حقوقهم   ، ومواجهة خطوات عزل القيم الاجتماعية والديمقراطية والعلمانية والتقاليد المجيدة للشعب الفلسطيني ، وتغييب لغة العقل والتنوير واستبدالها بلغة ظلامية حاقدة ضد التاريخ الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية ورموزها الوطنية.
كما يسارع البعض ممن فقد ثقته بشعبه وبنفسه ، بإطلاق الدعوات إن كانت  صالحات لتغيير الواقع في غزة  معبرا عن عجزه ، متناسيا ما عبر عنه مكسيم جوركي في إحدى رواياته "إذا أردتم أن يساعدكم الله فساعدوا أنفسكم ".
إن إنهاء حالة الانقسام السياسي والجغرافي بين جناحي الوطن ، تتطلب من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، بعد أن أكملت شواغرها ، وضع خطة وطنية لاستعادة غزة لحضن الوطن ، والعمل على خلق مناخ تصالحي وتوافق وطني بين كافة القوى ، وتفعيل طاقات  كل مكونات المجتمع المدني وخلق بدائل إبداعية للضغط الجماهيري السلمي على طرفي الصراع ، والتأكيد على أن إنقاذ غزة هي مسؤولية أهل غزة أولا ، فأهل غزة هم شعلة للنضال والبطولة والصمود رغم الحصار والقهر الاجتماعي، ولن تفلح كل الأوهام  في إنقاذ غزة .

طلعت الصفدى
غزة – فلسطين
Talat_alsafadi@hotmail.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق