CET 00:00:00 - 17/01/2010

مساحة رأي

بقلم: طلعت الصفدي
في البدء لايمكن أن نفسر التوترات ، والصدامات من حين لآخر على معبر رفح  الحدودي مع الجانب المصري بعيدا ومنفصلا عن المتغيرات على الساحة الفلسطينية والعربية والإقليمية ، ولا يمكن بأي حال عزل التطورات السياسية عن الواقع الاجتماعي والديمقراطي في المنطقة، فأطراف عديدة تهدف تسييس معبر رفح  تحت ذريعة الحصار على غزة ،والتحريض على مصر وإجبارها  الاعتراف بشرعية انقلاب حماس  مستغلة تردى الأوضاع المعيشية للشعب الفلسطيني في غزة ، وإساءة  للدور المصري ، وتعبئة جزء من الجماهير العربية والإسلامية ، وبعض مناصري القضية الفلسطينية الأجانب ،  ومحاولة تضليلها بثقافة حاقدة ومجنونة ، واستغلال وفود التضامن الدولية ، لإضفاء الشرعية على الانقلاب ، على الرغم  من تعامل جميع البلدان العربية والدولية مع الرئيس ابومازن  كرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية حتى تلك التي تدعى بقوى  الممانعة والمقاومة ، برغم انحياز بعضها الواضح إلى مبررات الانقلاب لاعتبارات غير وطنية بل في محاولة لتصفية حسابات قديمة ، أو بهدف استخدامها لمصالح ذاتية ، كتحسين شروط تفاوضها  مع الإدارة الأمريكية الجديدة..

وعلى قاعدة ترابط  الأحداث والتفاعلات السياسية والاجتماعية في العالم ، علينا أن نلحظ جملة من المتغيرات والتحركات السياسية في المنطقة ، خصوصا ما يجري على معبر رفح كمؤشر على سياسة ونهج حركة حماس التي تحاول أن تصرف الأنظار عن ما يجرى في المنطقة ، لتدور في فضاء بعيد عن المعركة الحقيقية والتناقض الرئيس مع الاحتلال الاسرائيلى الذي يمارس مخططا استيطانيا متسارعا لابتلاع الأرض الفلسطينية ، وإقامة الوحدات الاستيطانية عليها ، واستمرار بناء جدار الفصل العنصري  ، وتهويد القدس ومحاصرتها وتفريغها من أهلها ، لمنع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة في حدود عام  1967وعاصمتها القدس ، والتهرب من تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية.

لقد شهدت الساحة الفلسطينية في  الأشهر الماضية حراكا سياسيا نشطا للملمة الجراح ، فكان انعقاد المؤتمر السادس لحركة فتح ، وانتخاب قيادة مركزية جديدة ، ومجلسا ثوريا شابا، جدد من دمائها بعد أن شاخت بعض قيادتها التاريخية ، لتعيد دورها الوطني الذي شابته العديد من السلبيات والثغرات في مقدمتها الفساد السياسي والمالي والادارى لمؤسساتها ، وعلى طريق تصحيحها  لمفهوم الشراكة السياسية مع باقي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي تنتظر أن تفي بتعهداتها وتمسكها بالبرنامج الوطني ، والمجتمعي والديمقراطي  في حين فشلت كل المحاولات لإحداث انشقاق  في حركة فتح برغم الزوبعة التي أطلقها فاروق القدومى . 

كما شهدت الأشهر السابقة انتظاما لاجتماعات للمجلس المركزي الذي اتخذ العديد من القرارات الهامة تنتظر التطبيق والمتابعة ، وجرى استكمال الشواغر للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بشكل ديمقراطي  ، ولم تنجح كل المحاولات لخلق بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية ، كما أن الواقع الحياتي والمعيشي والأمني  في الضفة الغربية قد شهد تحسنا نسبيا برغم ممارسات الاحتلال الاسرائيلى ومحاولته إجهاض كل خطوة  ، أو اى تحرك ومبادرة على طريق بناء مجتمع المؤسسات ، ودعمت القيادة الفلسطينية واللجنة التنفيذية والسلطة الوطنية  لنهج المقاومة الشعبية لمواجهة نهب الأرض وغول الاستيطان والمستوطنين ، وتمسكت بضرورة وقف الاستيطان ،  وتحديد مرجعية للمفاوضات تستند إلى قرارات الشرعية الدولية  كشرط للعودة للمفاوضات برغم الضغوط الأمريكية ، يحتاج هذا الموقف إلى دعم وإسناد كل القوى الوطنية ،ومكونات المجتمع المدني . كما اصدر الرئيس ابومازن  مرسوما رئاسيا لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 25/1/2010 كاستحقاق دستوري ، ورفض حركة حماس إجراء الانتخابات ، ومنعها لجنة الانتخابات المركزية بالتوجه إلى غزة للتحضير للانتخابات  ، وإغلاق مقرها ، وتعطيل الانتخابات ، أثارت استياء جماهيريا وشعبيا ،خصوصا بعد رفض حركة حماس  التوقيع على الورقة المصرية على الرغم من توقيع حركة فتح ، واستعداد كافة القوى على التوقيع عليها برغم تحفظاتها على العديد من النقاط ، وذلك بهدف إقلاع القطار وتحركه نحو إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية ، ووضع إستراتيجية سياسية وكفاحية لمواجهة الاحتلال الاسرائيلى ، بالإضافة إلى امتناع حماس على البدء بأعمار ما دمره الاحتلال في عدوانه الأخير على غزة ، وبقاء الآلاف من أبناء شعبنا في العراء ينتظرون إعادة أعمار ما هدمه الاحتلال حتى رفضها أن يتم الأعمار حتى تحت إشراف منظمات دولية . 

لقد تحولت تجارة الأنفاق لمصدر إثراء فاحش لم يحلم به أحد في الخيال ، وتعاظم نفوذ أمراء الأنفاق الذين يستغلون الحصار المطبق على غزة  ،وتحولت مجموعات القطط السمان على حساب المعاناة اليومية للشعب الفلسطيني في غزة ، الذي لا يملك قوت يومه بسبب الحصار  والبطالة والفقر ، زادت من تدهور الأوضاع المعيشية والأمنية للمواطن الغزى ، وارتفعت وتيرة القهر والتخويف والمحسوبية ، وغابت الرقابة والمحاسبة ،ومعها ازدادت النقمة على هذه الأوضاع المأساوية ،وتصاعد تذمر المواطنين وتراجعت شعبيتها ،وارتفعت الأصوات منددة بهذه التصرفات التي تنتهك كرامة الإنسان، وتعتدي على حقوق المواطنين القانونية والأخلاقية،والإنسانية .


وفى الجانب الآخر ، لم تنجح حتى الآن صفقة تبادل الأسرى التي تعول عليها حركة حماس لتحسين صورتها أمام الفلسطينيين والعرب ، واصطدمت بتعنت حكومة نتيناهو ورفضه الاستمرار في الصفقة لتبقى قضية شاليط ورقة بيده لتنفيذ شروطه ، واستمرار إرهابه ضد شعبنا . كما شهدت الأحداث الأخيرة  تعرض قيادات من حركة حماس لانفجار في الضاحية الجنوبية لبيروت التي تقع في المربع الأمني لحزب الله  ، وأدى لمقتل عنصرين قياديين من الحركة وإصابة العديد بجراح  كشف عن ثغرات أمنية ، وطرح الانفجار العديد من الأسئلة التي تحتاج لإجابات ، مع استمرار البحث والتحقيق المتواصل من الأجهزة الأمنية اللبنانية  لمعرفة ملابساته . كما كشف الاحتفال بانطلاقة حركة حماس الأخير عن تراجع شعبية الحركة في غزة على الرغم من الصخب والتهريج الإعلامي والدعائي ، وصرف مئات الآلاف من الدولارات للحشد والتحضير ، وإلا كيف يمكن تفسير أن أكثر من 75% من الحضور كانوا من النساء والأطفال ؟؟  كما انتهت زفة تقرير جولد ستون دون ضجيج بعد حملة التشهير بالقيادة الفلسطينية رغم تقدير الأخيرة  الخاطئ  للأمور، ولكن بتراجعها السريع ،  فقد نجحت الدبلوماسية الفلسطينية في جينيف بالحصول على نتائج  بالتصويت الايجابي على التقرير ، الذي أدان القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية واعتبرهم مجرمي حرب وضد الإنسانية ، ولا بد من متابعة التقرير لتقديم المجرمين للعدالة .

لقد أضفت الأزمة الداخلية التي تعصف بالنظام الايرانى الممول المالي والسياسي  الأول لحركة حماس ، وتصاعد الاحتجاجات الجماهيرية والطلابية رفضا لنتائج الانتخابات التي يدعون تزويرها ،وانتهاك حقوق المواطن الايرانى ، وانشغال النظام الايرانى بمشاكله الداخلية التي تؤثر على الدعم الذي كان يتواصل من نظام أحمدي نجاد ،وخصوصا بعد أن رفع المتظاهرون شعاراتهم لا غزة ولا حزب الله وبضرورة الالتفات إلى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية التي تعصف بالنظام الايرانى الذي يقع على أعتاب متغيرات كبيرة ربما تؤثر على علاقته بحركة حماس ، وانخفاض الدعم المالي لها . وشهدت ساحة  حركة الإخوان المسلمين في مصر صراعا داخليا ،وارتفعت الأصوات من داخل الحركة الأم نقدا ورفضا للممارسات والانتخابات التي جرت وتجرى بعيدا عن النظم الداخلية ، وأدانت التفرد في اتخاذ القرار. كما ارتفعت الأصوات المنتقدة لحركة حماس بإعلانها مبايعة حركة الإخوان المسلمين في مهرجاناتها المختلفة ، وأسقطت ربما عن سهو انتمائها الحقيقي للشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة ، وشهدت الساحة اللبنانية انفراجا سياسيا هاما  وتشكيلا لحكومتها اللبنانية بعد مخاض عسير ، وتراجع حزب الله في الانتخابات الأخيرة ، وتحسنت العلاقات الأخوية بين سوريا ولبنان . إن المفاوضات غير المباشرة التي ترعاها تركيا بين سوريا وإسرائيل تشكل  تطورا هاما  ، وسيكون لنجاحها تأثيرا نوعيا بعلاقتها بالآخرين ، كما لوحظ في الآونة الأخيرة اشتداد الحملة الدولية وخصوصا في اليمن وأفغانستان وباكستان وبعض البلدان العربية على الإرهاب العالمي ومحاصرته في أكثر من بلد وموقع تعكس مؤشرات على تغير كبير سيحدث في المنطقة العربية والإقليمية سيكون له دلالات جديدة.

إن محصلة هذه المتغيرات التي تعصف بالمنطقة تؤكد أن حركة حماس مقبلة على أزمة سياسية واجتماعية ستطولها آجلا أم عاجلا ،ولن تنجح كل محاولات التغطية على أزمتها ، أو جر الشعب الفلسطيني  لحرفه عن معركته الحقيقية  ضد الاحتلال الاسرائيلى الذي يحاصر القطاع جوا وبحرا وبرا ، أو استغلال حملة شريان الحياة 3 لتأزيم الوضع على الحدود المصرية ومعبر رفح مع الأشقاء المصريين  ، وافتعال أحداثا تسيء إلى الشعب الفلسطيني أولا ،أو الهاء المواطنين  بتضخيم آثار التحصينات التي تنوى الحكومة المصرية القيام بها لمنع عمليات تحويل الاراضى المصرية لقواعد للإرهاب ، ومنع عمليات تهريب المخدرات والسلاح لضمان أمن حدودها والحفاظ على مواطنيها وعلى أرضها ، خصوصا بعد إلقاء القبض على بعض المتسللين عبر الأنفاق ، وملاحقة إحدى خلايا حزب الله في مصر .

إن الخطوات الإجرائية التي اتخذتها مصر للحفاظ على أمنها القومي ، لم ترق لأمراء الأنفاق الذين يتمتعون بالثراء الفاحش ، وبإمكانية تدنى إرباحهم جراء هذه الإجراءات ، فسارعوا بتوجيه التهم الجاهزة ضد مصر مدعومين بفضائيات غير مسئولة ، وبشخصيات عالمية وجدت متنفسها لتعميق الانقسام وتشتيت الجهود من أجل المصالحة الوطنية . إن هذه الحملة المسمومة تترافق مع التوجه الاسرائيلى بقذف غزة إلى الحضن المصري ، والتخلص من أعبائه سياسيا وقانونيا ، وبهذا يكون الإسرائيليون قد حققوا هدفهم بفصل غزة عن الضفة الغربية ، وضمنوا عدم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة طبقا لقرارات الشرعية الدولية ، ولا يستبعد المواطنون أن يحاول أمراء الإنفاق إطلاق الصواريخ لضمان استمرار إغلاق المعابر الحدودية مع إسرائيل لإجبار الجانب المصري على التساهل ، وغض الطرف عن عمليات التهريب  لضمان أرباحها الفاحشة.

إن البعض يحاول أن يستخدم الكارثة الإنسانية لشعبنا في غزة لتحقيق أهداف سياسية ليست في مصلحة القضية الفلسطينية ، ويحول المعركة بدلا من الضغط  على إسرائيل وتوجيه أصابع الاتهام لحصارها وعدوانها ، وتجنيد الرأي العام الدولي  لإجبارها على فتح كافة المعابر ليتم التواصل مع أهلنا وشعبنا في الضفة الغربية ،  فأنهم بهذا المسلك لا يخدمون القضية الوطنية الفلسطينية بل يساهمون في تحقيق الأهداف الإسرائيلية ، فالمعركة الحقيقية ليست مع الشعب المصري بل مع محتلي الأرض ومغتصبيها .

إن المخرج الوحيد لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني هو بانهاء  حالة الانقسام ، واستعادة الوحدة الوطنية ،  والتوجه لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 28/6/2010الذي جرى التوافق عليه في مصر ليقول الشعب الفلسطيني كلمته الأولى والأخيرة.

talat_alsafadi@hotmail.com  

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق