بقلم / نذير الماجد لقد انبثق هذا الصوت بعدما هدأت سكرة الإنفعال لهذا يراد له أن يصمت وهو الصوت الذي صدح به رجل له عمامة لا تختلف كثيراً عن بقية العمامات، لكنه رفض أن يدس رأسه في التراب حينما حانت ساعة الإمتحان، فالملاحظ أن أغلبية حشود المعممين لا يذخرون جهداً من أجل التعبئة المذهبية المستمرة على مدار السنة، تحفيز مستمر ومتصاعد في كل المناسبات الوعظية التي تشاع فيها كل أدبيات المثلنة للذات والشيطنة للآخر. لكن أغلب من يرتقي هذه المنابر المشرعة أغلب أيام السنة هم من تلك العمامات التي تهرب ساعة الذروة إلى أحضان العسل، لتترك صغار الناس يصارعون أقدارهم، فهؤلاء في نظر هذه العمائم هم وقود النار التي يجب أن تظل مشتعلة، فالخطيب الذي يملك فصاحة البيان وشجاعة منقطعة النظير في ترسيخ مبادئ العقيدة والولاء للطائفة الحقة يتحول بين عشية أو ضحاها إلى مسالم وديع بل أحيانا يبدو كما لو أنه غاية في العقلانية، فيفاجئنا بخطاب عقلاني لا يمت بصلة إلى تلك الصرخات المجلجلة والمشحونة بترسانة عاطفية وإنفعالية كان يرددها بالأمس القريب. ما أكثرهم الخطباء الذين يصدعون الرؤوس بخطاباتهم الشقشقية والنارية التي سرعان ما تتحول في أحضان العسل إلى مجرد تسلية أو تزجية للوقت، لكن ومن حسن الحظ أن صوتاً واعداً لازال لديه المناعة تجاه هذا الوباء الشيزوفريني المنتشر بين بعض العمائم، هذا الصوت المنسجم والذي يتمتع بوحدة موضوعية في الوعي والسلوك صدح به مؤخراً أحد رجال الدين هو "الشيخ نمر النمر"، فكان أن تفرد ودفع ضريبة التفرد والشذوذ. ما أخاله من الشيخ أنه يدرك تماماً وعورة الطريق الذي يسلك، كما أنه يعي تماماً فداحة الأزمة التي تمر بالبلاد، وإني أرى بكل صراحة أن في حديثه الصاخب طوق نجاة أو بذور لما يمكن أن يؤسس عليها أي مشروع وطني لتجاوز القطيعة وردم الهوة بين المتخاصمين في الوطن الواحد، لهذا يحتاج إلى تفهم بل ومساندة مقترنة بمحاولة إنضاج لمضمون الخطاب الذي يتبناه الشيخ، على أمل أن يكون هنالك توجه لتبني تلك المطالب التي تسعى إلى تحقيق حاجات أساسية يفتقدها إنسان هذا الوطن، وهي ليست بالضرورة على تماس واضح بتلك الهواجس الطائفية، ما يحتاجه المواطن ليس بناء أضرحة أو تعمير مساجد أو حسينيات تخلو من المرتادين إذ لم يعد لها أي بريق أو جاذبية عند من يفتقد أدنى الحقوق والحاجات الأساسية، فليس للمرء أن يكون مسكوناً بالهواجس المذهبية مادامت كرامته تُهدر في اليوم عشرات المرات، ولا يمكن له أن يشتغل بالتطلعات الدينية مادامت معدته تشكو الخواء، ومادامت إنسانيته مستباحة وحقوقه مستلبة. وحده مطلب الحرية هو الذي بإمكانه أن يتيح بناء حسينية جميلة ومسجداً نقياً طاهراً من كل أدران النفاق والتصنع والإنتهازية، ووحدها المطالبة بإعادة تأسيس مفهوم حديث للأطر الإجتماعية التي تتيح توزيعاً عادلاً للثروة واعترافاً متماثلاً بكل ألوان الطيف الفكري والمذهبي في المجتمع. وكل تغيير لا يراعي هذه الحيثيات سيكون محكوماً بالفشل، لأن كل خطاب سياسي مطلبي لا يدمج في بنيته هذه المطالب على مستوى الفكر والممارسة لا يمكن أن يحظى بالشرعية ولا بالتجاوب من شرائح خارج حدود الجماعة أو الطائفة، وبذلك سيظل مجتزئاً غير قادر على التمدد. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |