CET 00:00:00 - 31/10/2009

المصري افندي

بقلم: جرجس بشرى
تحتفل دول العالم وخاصة دول العالم المُتحضر في يوم 16 نوفمبر من كل عام باليوم العالمي للتسامُح، وقد أقرت اليونسكو هذه الاحتفالية لإيمانها كمنظمة بالأهمية القصوى على السلام والأمن المُجتمعي والدولي.
لقد أيقنت دول العالم المتحضر القيمة الإنسانية للتسامح بعد أن خاضت حروبًا طاحنة ليس على صعيد أتباع دينين مختلفين فحسب ولكن على مستوى أتباع الدين الواحد من أتباع المذهبين الكاثوليكي والبروتستانتي!

لقد تصارع أتباع المذهبين رغم أنهم مسيحيين يؤمنون بإله وأحد لا شريك له، ويؤمنون بكتاب مُقدس واحد، وينتمون لجذور تاريخية وحضارية واحدة.
وكادت هذه الحروب تؤدي إلى أن يفني بعضهما بعضًا، ولم يكن هناك بدًا أن تنتهي هذه الحرب التي خلفت ورائها خسائر فادحة إلا بضرورة وجود قيمة ما تجمع بين  هذين الفريقين المتناحرين وكانت هذه القيمة هي التسامح، حيث لم يُستخدم الدين (المُتحارب عليه) لفض هذا الصراع لسبب بسيط جدًا وهو إن هناك طرفين كلاً منهما له قناعته الكاملة بمذهبه ولا يقبل التنازل عنها بأي شكل من الأشكال، وبالتالي لم يكن هناك بدًا للوصول إلى حلول مُرضية للجانبين المُتصارعين إلا بإبعاد الدين عن الموضوع على اعتبار أنه علاقة خاصة جدًا بين الخالق والمخلوق، ثم الالتفات إلى ما المُشترك الذي يجمع بين الفريقين المُتصارعين مع ضرورة احترام الأمور المُختلف عليها.

ومن هنا جاءت فكرة الدولة المدنية والديمقراطية بأن يتسامح البشر فيما بينهم على ما يختلفون فيه ويتعاونون على المشتركات التي تجمعهم معاً ليس على المستوى الإنساني، بحيث أصبح التسامح قيمة تؤسس عليها مبادئ العدل والمساواة والديمقراطية والمواثيق العالمية لحقوق الإنسان.
ومن هنا تحضرت الدول الأوروبية وخرجت من المصيدة التي تفنى البشر وتهدد الإنسانية وهي مصيدة التعصب والتطرف، ولن أكون مُبالغًا إذا قلت أن المجتمعات العربية ما زالت غارقة في تعصبها وتطرفها وما زالت مُهددة في أمنها وسلامها بسبب غياب قيمة التسامح بين شعوبها لأسباب اجتماعية وثقافية بل ودينية أيضًا، ولن يظن أحدًا أن التسامح يعني أن يتساهل المرء في حقوقه أو تتسامح الحكومات مع من ينتهكون أمن وسلامة فئة معينة أو مجموعة من الفئات على حساب لصالح فئات أخرى.
فمتى تسامحت الحكومات في ذلك فأنها نفسها تنتهج سياسات منافية للتسامح، الأمر الذي يجعلها ضد الديمقراطية والشرعية الدولية.
لقد آن الأوان أن تقوم تتخذ الحكومات العربية ومن بينها مصر سياسات كفيلة لإرساء القيمة الإنسانية للتسامح بين شعوبها، وتؤكد عبر دساتيرها ونصوصها القانونية على أنه لا هوادة فيمن يهددون قيمة التسامح.

وأتذكر هنا كلمة قالها لي د. عصام عبد الله وهي إن التسامح يعني احترام الآخر في آخرياته، وإن التسامح يتأسس على القاعدة الذهبية في الأخلاق لكونفيشيوس والتي تقول "عامل الناس كما تحب أن يعاملوك".
وقال لي أيضًا إن التعامل مع البشر من منظور عقائدهم سيجذر فكرة التعالي على الآخر لأن كل دين يرى أنه هو المطلق حيث أن الإسلام يقول لأتباعه "كنتم خير أمة أخرجت للناس" والمسيحية تقول للمسيحيين "أنتم نور الأرض" واليهودية تنظر لأتباعها على أنهم شعب الله المختار، الأمر الذي يتوجب معه ضرورة الفصل بين الدين والدولة في المعاملات للوصول إلى الدولة المدنية تكفل الحقوق المتساوية للجميع. 

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق