CET 00:00:00 - 30/11/2009

مساحة رأي

بقلم: المستشار نجيب جبرائيل
كنت قد كتبت ابان مأساة (دير ابو فانا) ومحاولة دفن ثلاثة من رهبان ومحاولة اجبارهم على النطق بالشهادتين والإعتداءات التي وقعت على رهبان الدير العُزل، وكذالك ابان أزمة تغيير التاريخ المصري والقبطي ومحاولة طمس الهوية القبطية المصرية بتغير اسم قرية دير ابو حنس بملوي محافظة المنيا إلى "قرية وادي النعناع"، وصاحب ذلك الحدثين في ذات الأسبوع أسلمة شوارع العاصمة المصرية بتغير اسم ميدان فكتوريا الشهير في شبرا إلى "ميدان نصر الإسلام" في أشهر مكان يعتبر من معالم شبرا وكذلك تغير اسم شارع طوسون الشهير بإسم ابن فضل لله العمري الذي لا نعرف له هوية أو تاريخ.

ورغم محاولة محافظ القاهرة انكار ذلك إلا أن الحقيقة كانت مرة ومؤلمة وهي أن تغيير هذه المسميات ثابته بلوحات معدنية ظاهرة وبارزة، بل أن هناك منصة كبرى بميدان فكتوريا يعلوها مسجد صغير كتب عليه ميدان "نصر الإسلام" وفي شارع شبرا وعند ميدان الخلفاوي كتب على كشك المرور عبارة "لا اله الا الله محمد رسول الله" وأسفلها مرور القاهرة، وازاء تقاعس السلطات المصرية والمسؤلين انذلك وعدم تحركهم وتحرك عواطف الأقباط الجياشة والمصريين الشرفاء بكاءًا على طمس هويتهم المصرية والقبطية أثر الأسلمة المنهجية حتى في مراحل التعليم المختلفة، لذا كتبت وسُميت هذا الأسبوع انذاك بأسبوع الغصب، واليوم واستمرارًا لهذا المسلسل البغيض التي تلعبه الدولة بتجاهلها حماية الأقباط فإن غضب الأقباط لا زال مستمرًا والذي لا يمكن التنبوء بنتائجه حسب قراءات التاريخ.

لأن هذا الغضب والذي استمر سنوات -ومَنْ الذي يضمن أنه سوف لا يستمر سنينًا- هذا هو كتابنا القادم الذي نعده "سنين الغضب" اذا لم تعالج أسبابه جذريًا سوف يتحول هذا الغضب إلى انفجار وإلى ثورة شعبية بيضاء يدرك الأقباط أنها محطة هامة وخطوة جادة تكون ضمن ملحمة حتمية وملحمة لتحريك أجهزة الدولة نحو شريحة كبرى ونسيجًا هام من نسيج هذا الوطن ما زال مكبوتًا حتى في أبسط حريات البشر وهو (حرية المواطنة) فلم نرى في التاريخ كله أن موطنون هجروا من قراهم ومدنهم قسرًا وجبرًا وتحت بصر بل بأمر سلطات حكومتهم، كما رأينا هذا في قرية حجازة بقنا وقرية الكوم الأحمر بمركز فرشوط وقرية كفر سعد بمنيا القمح وقرية ميت بربري بمركز ميت غمر الدقهلية.

ولم يحدث في أي دولة في العالم أن عقابًا جماعيًا يلحق بمئات بل بآلاف الأقباط نتيجة خطأ فردي لحق بمواطن أو بمواطنة مسلمة مع تدمير ونهب وسرقة أموال الأقباط مما يعكس في رأينا ما كتبه كبار كتاب المسلمين من استحلال دماء الأقباط وأموالهم.

ولم نر في حياتنا أن مواطنون ينتمون لبلدهم ولكن يعيشون زعرًا ورعبًا غير آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم حتى عند ممارسة صلواتهم في منزل أو جمعية بسبب تعنت الدولة في عدم الإستجابة لبناء مكنيسة يتعبدون بها، بل أكثر من ذلك لم يكن عدم استجابة الدولة لبناء الكنائس ذا أثر سلبي فحسب وانما خلق هذا الأثر السلبي مناخًا لإعتداء الغوغائيون والقتلة والمتشددين والمتطرفين من المسلمين لهدم المنازل وحرق المتاجر وخاصة في قرى وصعيد مصر حتى وصل الأمر بأن مواطنًا قبطيًا أراد أن يبني بيتًا صغيرًا لأولاده أو يعلي مسكنًا أو عندما يقوم بترميمه يلاقي الأمرين من الأمن المصري افتعالاً لشبهة أن هذا البناء يمكن أن يتحول إلى كنيسة، كما حدث في قرية بشري في بني سويف وقرية القارقرة بالشرقية كما لو كانت الكنيسة من الموبقات أو وكرًا لتجارة المخدرات.

لم نر في حياتنا أن مدرسة مسيحية في احدى المدارس بمنطقة غرب القاهرة طلبت من زميلتها مجرد تخفيض صوت الراديو عند سماح الأخيرة للقرآن فما كان من نصيب السيدة القبطية المسكينة الا أن صدر في خلال ثمانية وأربعون ساعة قرارًا من مدير الإدارة التعليمية بنقلها من مدرستها إلى مكان بعيد وخفض مرتبها.

لم نر أن وزارة التربية والتعليم حتى في الدول الأكثر اسلامًا قد سكتت وتهاونت عند تحول تحية علم مصر الحبيبة -الذي عشقناه منذ نعومة أظفارنا-  في كثير من مدارس مصر إلى تحية الإسلام "حيوا علم مصر تحت راية الإسلام" وفي مدارس أخرى "محمد نبينا والقرآن دستورنا واشهد لا الله الا الله"، فهل هذا معقول وهل نحن في طالبان أم في مدرسة الأورمان وما حدث بها في العام الماضي من تحويل معالمها من مدرسة تابعة إلى وزارة التربية والتعليم إلى مؤسسة دينية كما لو كانت تابعة لوزراة الأوقاف.

لم نر في حياتنا أن المواطن القبطي قد عجز في بلده على أن يأخذ حقه عبر قاضيه الطبيعي فهناك أكثر من أربعة آلاف قضية أمام محكمة القضاء الإداري في مصر سُميت بإسم "قضايا العائدين للمسيحية" لم يُفصل فيها حتى الآن لا لشيء ولكن لمجرد أن أحد المحامين الإسلاميين قال للقاضي "أن رجوع المسيحي لمسيحيته هو ارتداد مخالف للشريعة الإسلامية" وطلب من المحكمة بعدم اجابة طالبي الرجوع إلى حقهم في ممارسة عقيدتهم المسيحية.
وقد كتبت يومًا مقالاً بعنوان "هل الأقباط هم ما زالوا في ذهن الحكومة" لعل ما قلته يؤكد أن الأقباط فعلاً ليسوا في ذهن الحكومة لإن ماذا فعلت الحكومة وهي ترى الأقباط يتململون ويأخذون حقوقهم كمنح وكجرعات الدواء للمريض، فلن يتذكر الأقباط لحكومتهم يومًا حلوًا، هل يتذكرون الثورة الشعبية والحزبية والإعلام الرسمي والحكومي، وكم هَبوا ابان حادث الشهيدة مروة وقامت الدنيا ولم تبرد مشاعرنا المتأججة الا عند صدور الحكم بأقصى عقوبة واردة في القانون الألماني على قاتل مروة الشربينى؟!، ولكن ماذا فعلنا ازاء تدمير وحرق ونهب ثمانية صيدليات بفرشوط وأكثر من 80% من متاجر ومحالات المسيحيين لعل الغضب على ما حدث وما يحدث للأقباط لن يقتصر على ما يجيش في نفوس الأقباط الغلابة أبناء الشهداء، وانما أعتقد ان الغضب سوف يمتد أيضًا ليشمل حساب مصر دوليًا في الثامن من فبراير القادم ابان مناقشة حالة الحريات والحالة الدينية في مصر في المجلس الدولي لحقوق الإنسان في جنيف.

ولعل أيضًا لم أكن أنا هو الوحيد الذي كتبت عن اضطهاد وظلم الأقباط وانتقاص مواطنتهم فلقد سبق لمصريين كبار من صفوة المجتمع من المسلمين المثقفين أمثال د/ طارق حجي، د/ نبيل شرف الدين، د/ نبيل عبد الفتاح، د/ حسام بدراوي، اذن ولماذا نزعل ونغضب من التقارير الدولية التي تدين مصر في تعاملها مع الأقليات الدينية؟!

لقد آن الآوان لتنظيم مؤتمر دولي يعقد في مصر المحروسة فى نهاية يناير القادم بإذن الله تحت عنوان  "العنف الطائفي ضد الأقليات في مصر" سوف نرصد فيه كافة الأحداث والتجاوزات التي تعرضت لها الأقليات الدينية سواء أقباط أو بهائيين أو غير دينية من النوبين والمرأة وعلى مختلف الأصعدة.
واعتقد ان مصر وقبل انعقاد مؤتمرنا القادم بالتعاون مع مركز الكلمة لحقوق الإنسان الذي يرأسه الزميل الفاضل الأستاذ/ ممدوح نخلة وكذالك وقبل انعقاد مؤتمر المواطنة الذي سوف ينظمة المجلس القومي لحقوق الأنسان، واأيضًا وقبل مناقشة وضع الحالة الدينية في مصر في الثامن من فبراير القادم بجنيف بالمجلس الدولي لحقوق الإنسان وكان لي الشرف بأن وُجهت لي دعوة شخصية لإلقاء كلمة لمدة عشر دقائق بجنيف في الثامن من فبراير القادم فإنني أقول وأشدد أن على الحكومة المصرية وأمامها الوقت الكافي لتتدارك ما فاتها وتقوم بتفعيل المواطنة، وعلى أخصها ادراج "مشروع قانون بناء دور العبادة الموحد في الدورة البرلمانية الحالية"، وإن ما أقوله ليس تهديدًا أو انذارًا أو وعيدًا وانما يأتي من عمق حبي وانتمائي لمصري الحبيبة وأعتقد أن ذلك ليس بغائب عن فطنة وحكمة الرئيس مبارك الذي دائمًا نحترم كلمته ومقولته الكبيرة أن "مصر لكل المصريين" واؤكد أن مصر لكل المصريين وليس للأغلبية المسلمة فقط.

رئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الانسان
Nag_ilco@hotmail.com

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٦ تعليق